المـاء أحمر!

المـاء أحمر!
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سلمى فايد

ليستْ كما تَبدُو الْحَقِيقَةُ..

لا الغُيُومُ تَرُشُّ وردًا كُلَّمَا مَرَّتْ..

ولا البستانُ -حَتْمًا-

سوف يَنْبُتُ في السَّماءْ..

ليستْ كما تبدو الْحَقِيقَةُ..

كُلَّمَا كَشَفَتْ مفاتِنَها صَبَاحًا..

كَشَّرَتْ عن قُبحِها عندَ المساءْ..

لَم يَسْأَلَا من أينَ يأتي الضوءُ..

هل من قَلْبِ آدَمَ كانَ ينبعُ..

ثمّ يَقطُرُ سائلًا من عينِ حوَّاءَ التي

ستَصُبُّهُ صُبحًا على الأشياءْ..

أمْ كانَ ينبتُ كالخطيئةِ من ثِمارِ الغابةِ الأُولَى.. ليُرشدَهُم إلى بابِ الخروجِ..

الضّوءُ كانَ العالمَ المفقودَ.. مُنقسِمًا على قلبينِ يرتعِشانِ من هولِ اكتشافِ

النّورِ والدّفءِ الْمُخبَّأِ في النّدى الأَبَدِيِّ من بعدِ اللقاءِ..

النّهرُ كانَ يسيرُ مُندفِعًا بفرحةِ كونهِ حُرًّا بفضلِ العاشقَينِ..

تُطلُّ حوَّاءُ التي بعدَ اكتشافِ زُهُورِها في حِضنِ آدمَ..

حدّقتْ في صفحةِ النّهرِ الكبيرِ..

الماءُ أحمرُ.. والنباتاتُ الشّقيقةُ بعدَ أن شَرِبتْهُ ترقُصُ في جنونٍ

ثمّ تسقطُ -فجأةً- جُثثًا...

صُراخٌ يضربُ الجَنَباتِ في عَدْنَ الوسيعةِ..

والملائكةُ الصِّغَارُ يُهروِلُونَ ويصرخونَ على أهاليهِم

من الحرَسِ الذينَ على المنافذِ واقفُونِ

ليمنعوا العشَّاقَ من حُلمِ الهروب...

"الماءُ أحمَرُ والصُّراخُ يهدّ عدْنَ"..

يقولُ آدمُ خائفًا.. ومُخبّئًا عينيهِ في صدرِ العشيقةِ..

"إنَّهُ الموتُ المؤكَّدُ"..

هكذا قالَ الذي يُلقِي عليكَ بِصَوتِهِ في الحُلمِ ليلًا..

إنَّهُ الموتُ المؤكَّدُ ليسَ إلَّا".. تمتمَتْ حوَّاءْ..

الماءُ أحمرُ..

كانَ يجري بعد أعوامٍ -كما هوَ- من فريسةِ آدمَ الجوعانِ..

ثُمَّ يصيرُ وشمًا في جبينِ وريثهِ..

ويظَلُّ ماءُ الأرضِ يشتدُّ احمرارًا

كُلَّمَا دوَّى وراء الموتِ صوتُ صُراخِ هابيلَ القتيلِ..

لكي يُذكِّرَ قاتِلِيهِ بأنّهُ ما زالَ ينتظرُ الدَّمَ الكافي ليَقْنَعَ بالنِّهايةِ...

والخطيئةُ كالْحَقِيقَةِ لم تكُنْ -أبدًا- كما تبدو..

تُطِلُّ بعينِها للسائلينَ

خلالَ ثُقبٍ ضيِّقٍ في حائطِ الأمسِ الْمُراوِغِ..

ثمّ تَهْرُبُ.. والسؤالُ يظَلُّ مِيرَاثَ الذينَ تَشارَكوا في الشَّكِّ..

والدَّمُ حِكمَةُ الأزلِ القديمةُ..

بِرْكةٌ يمشي عليها الناسُ..

ينبتُ كلّ شَيْءٍ شاربًا منها..

ويبقى الماءُ والدَّمُ صورةَ النَّصِّ الوحيدِ لِأَوَّلِ الأخطاءْ..

"ما زالَ هذا الماءُ أحمرَ".. تمتمتْ حوَّاءُ تسألُ نصفها الثاني.. فقالَ:

                                                "ولمْ أزَلْ أَتَعَلَّمُ الأسماءْ!"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من ديوان "ذاكرة نبي لم يرسل" الصادر مؤخرًا عن دار روافد للنشر 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم