المجايلة والحضور الذاتي

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 78
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

شريف الشافعي
“من جهتي، أفضّل التعاطي مع النتاج الشعري في إطار التجربة الذاتية للشاعر، والمنجز الفردي، والمشروع الشخصي. ولا أجدني أتحمّس للتنظيرات التعميمية، التي تحاول التقاط شعراء تزامن ظهورهم الأوّل في حقبة التسعينيات، وضمّهم في إطار جيل فني يوصف بأنه جيل مغاير، وله خصائص مشتركة في طبيعة الرؤية، والصياغة التعبيرية، والمعالجة الجمالية.
والحقيقة أن ما يُشار إليها عادة كملامح مميزة لجيل التسعينيات في مصر؛ من قبيل كسر مجاز اللغة، والزهد في البيانيات الملتوية والمتقعرة، والتحرر من محورية القضايا الفوقية والكبرى والأيقونية، وتخليص القصيدة من أثقالها المعرفية وأدوارها الوظيفية التقليدية، وتوجّه النص إلى الانخراط في سرديات المشاهد اليومية والتفاصيل الاعتيادية والمجانية، ورهافة التعامل مع الملموس الحسي، وتفجير التناقضات والمفارقات من المواقف والعلاقات، والتفاعل المبسّط مع معطيات اللحظة القريبة المباشرة بحساسيات فائقة وصافية، وغير تلك الأبجديات والآليات،..، الحقيقة أنها كلها مظاهر وتجليات كان لها وجود متحقق وبارز في ما قبل التسعينيات، لدى كثير من شعراء قصيدة النثر النابهين، في لبنان وسوريا والعراق وغيرها، إلى جانب أعمال شعراء عالميين معروفين، من أمثال كفافيس وريتسوس وآخرين.
لا أقصد بذلك بالطبع أن أنفي مفهوم جيل التسعينيات في مصر، ولكنني أستبدل بالكليشيه التنميطي العريض السائد معنى آخر أكثر تحديدًا وخصوصية واحترامًا للهوية الشعرية المستقلة، التي أراها بمثابة البصمة المميزة للشاعر الطليعي. وهذا المعنى، الذي أنحاز إليه، يكتفي ويحتفي بإشارات إلى حالات متوهجة من الحضور الشعري الفذ، لدى عدد من الشعراء الذين ظهروا في تلك الحقبة الزمنية. ولكلّ واحد من هؤلاء الشعراء المجددين مشروعه الشعري المنفرد، المختلف كلية وبالضرورة عن تجارب الآخرين، ممن سبقوه أو عاصروه أو جايلوه.
وهؤلاء، بما حظيت به كتاباتهم ودواوينهم المتتالية من اهتمام من مُحبّي الشعر ومن المختصّين على السواء، داخليًّا وخارجيًّا، هم “شعراء/ مشاريع”، إذا جاز التعبير، وليسوا مجرد أضلاع أو زوايا في فكرة افتراضية معلّقة تسمّى المشروع الواحد أو المشروع المشترك لأبناء الجيل. وإن استمرارية هؤلاء الشعراء، الذين تُسمّيهم أعمالهم القيّمة المعروفة محليًّا وعربيًّا وعالميًّا، وبقاءهم الحيوي الفاعل، حتى يومنا هذا، وانفتاحَهم على ذائقة التلقي العصرية، وتدفّقَهم في نسيج الكثير من تجارب الشعراء الشباب، هي مفاتيح الإجابة بالتأكيد عن كل تلك التساؤلات المثارة بشأن ما أسفرت عنه مشاريعهم الشعرية، وهل سقطت أم لا يزال لها تأثيرها وبريقها وقدرتها على التكيّف والتجدد والتمدد”.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم