“المجاز السياسي”… كتاب عابر لأنوع المعرفة الإنسانية ينتصر للحقيقة

المجاز السياسي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سعيد نصر

يتكون كتاب عمار علي حسن الجديد “المجاز السياسي” الصادر ضمن سلسلة “عالم المعرفة” الشهيرة، من مقدمة وستة فصول وخاتمة، والفصول الست هي:(السياسة والكلام، ما المجاز السياسي،الاستعارة، المبالغة ، الصورة ، الصمت)، ويسرد بعد الخاتمة لأهم المجازات السياسية المتداولة وذات الدلالات المهمة والمؤثرة في مخيلة ونفسية السياسيين والناس.

وهذا الكتاب هو الثاني لصاحبه في هذه السلسلة بعد كتابه “الخيال السياسي” الذي صدر قبل أربع سنوات، وبين الكتابين روابط ووشائج، وإن كان كل منهما يمضي في اتجاه.

ويؤكد الكاتب في مقدمة كتابه،أنه كتاب في علم الاجتماع السياسي وليس علم اللغة والبيان، ويشير إلى أن المجاز موجود في العلوم الإنسانية والطبيعية، ويوضح العلاقة بين كتابه الخيال السياسي وكتابه المجاز السياسي، حيث توجد همزات وصل بين الإثنين، ويوضح فكرة وهدف كل كتاب منهما، ففي الأول، يقرب السياسة من فن الممكن إلى الخيال، وفي الثاني يميط اللثام عن كثير من المكر والخداع الذي يحيط بالسياسة عبر توظيف اللغة،و يبرهن على صحة فرضية علمية خاصة به، مفادها أن السياسة تحل بقدر أكبر في عالم المجاز،مقارنةً بحلولها في عالم الحقيقة والواقع،ويرى أن فهم الخيال السياسي واكتشافه يحتاج إلى فهم واكتشاف المجاز السياسي، ويستدل على ذلك بأن الحقيقة التي هي مناط الفهم الكلاسيكي لعلم السياسة قد تصبح أحيانا مناطا للتلاعب بأيدي سياسيين ومحللين سياسيين ومفكرين لأسباب عديدة، مستخدمين في ذلك كل فنون البلاغة في خطاباتاهم السياسية للجماهير، ويساعدهم على ذلك  التنازع المستمر بين الناس،والمدفوع بالمصالح المختلفة، حول الحقيقة، التي هي نفسها محل نزاع ، فضلا عن أن المجاز السياسي فرضية علمية لايمكن تجاهلها، لأسباب عديدة منها، أن الصور المجازية تظهر في كل الكتابات والخطابات والحكايات، بما فيها الاستعمالات العادية للغة.

ويناقش الكاتب في الفصل الأول “السياسة والكلام” ثلاثة نقاط أساسية هي،(اللغة والسياسة،وسلطة اللغة،واللغة كقوة ناعمة)،ويؤكد فيه أن الكلام لايحلق في الفراغ،حيث يرتبط في المجتمعات صياغة ونطقا وفهما بالسيق الاجتماعي والثقافي لكل مجتمع، ويمهد لذلك الفهم عن طريق تعريف السيوطي للغة،وقصيدة عن الحديث والصمت بعنوان “مذكرات الصوفي بشر الحافي” للشاعر الكبير الراحل صلاح عبدالصبور، ودراسة لعالم الأنثروبولوجيا البولندي بروتسيلاف كاسبر مالينوفسكي ، خرج منها بنتيجة مفادها “إن الناس يتداولون كلمات على أن لها قدرة كامنة على إحداث الأفعال، وإسعاد ملايين من البشر، والعكس”.

ويستنتج الكاتب أن التعامل مع السياسة على أنها حقيقة مادية واضحة رأي غير صائب، ويستدل على ذلك بأن السياسة خطاب يشكل الكلام جزءا رئيسيا فيه، وفيه يولد ويسكن المجاز، بما فيه الخطاب السياسي المتعلق بالبرامج والخطط الرامية لحماية الدولة وتأمين مصالحها و توفير الخدمات لشعبها،وذلك لأنها تصاغ من خلال الكلام الحامل للمجاز والمتضمن له، ويرى أن الكلام في السياسة وكلام السياسة هو الأكثر تفاعلا مع السياق العام، وذلك لارتباط اللغة بالتعبير عن مختلف الانفعالات، وعلاقة الانفعالات بالسياسة والخطاب السياسي،ويستند في ذلك على أن الخطاب السياسي بما فيه ذلك المتعلق بالخطط والبرامج والخدمات غالبا ما يشتمل على أساليب الخداع والمراوغة واللعب على الغرائز والعواطف التي تتطلب شحنات من البلاغة والمجاز.

 ويشير الكاتب إلى أن كلام السياسة سواء من جانب الحكومة أو المعارضة ليس كله إجرائي وتقريري، ولكنه ينهل من فنون البلاغة ما يحقق مصالح كل طرف، خاصة في الانتخابات والاستفتاءات وحشد الجماهير خلف المشروعات الوطنية، ويرى أن الكتابة والنصوص المكتوبة  تشير إلى انتماء الفرد لخطاب يحمل دلالات اجتماعية، ويعمل ضمن شبكة اجتماعية، اللغة فيها تصنع المعنى ويؤكد أن النصوص المكتوبة ترتبط بالواقع الاجتماعي والسياسي الحي، وتكمن أهمية العلاقة بين الكلام والسياسة في أن الأحداث والوقائع التاريخية الكبرى في تاريخ الأمم يتم حفظها عبر ملايين الكلمات، ويأتي ذلك خلال إجابة الكاتب على سؤال مهم مفاده، هل الكلام يحلق في فراغ؟، ويؤكد أن الإجابة السابقة تنطبق على الكلام الشفاهي والكلام المكتوب .  

ويبين الكاتب من خلال النقاط الثلاثة الشابق الإشارة لها، علاقة اللغة بالسياسة وكيف تصير اللغة سلطة معتبرة في حد ذاتها، ومدى إمكانية أن تشكل رافدا قويا للقوة الناعمة لأي دولة، وببرهن على وجود علاقة وطيدة بين اللغة والسياسة بأشياء عديدة منها ، تحول الجغرافيا السياسية إلى جغرافيا لغوية بقصد الهيمنة والسيطرة، ويرى أن السياسة والبلاغة والسلطة تشكل حزمة من المصطلحات وثيقة الارتباط، ويسرد للتطور الفلسفي للعلاقة بين البلاغة والسلطة، السوفسطائيون وأفلاطون، وشيشرون وعمله على إعادة العلاقة بين الاتحاد بين اللغة الإقناعية وقوة المجتمع، ويورجن همبراس ومطالبته لمؤسسات الحكم بإنتاج خطاب مقنع للمواطنين وإيكال ذلك لبعض صناع البلاغة،  وكارل ماركس وحديثه عن التعمية السياسية، و كينيث برك ونظرته للخطاب السياسي على أنه “استثارة للأساطير السياسية .

ويتناول الكاتب في ذات المضمار آراء علماء البلاغة أمثال مارك أورب، وتأكيده على أن الخطاب السياسي يخدم آراء أصحاب الامتيازات في كل مجتمع، على حساب آراء الفئات الأخرى، ورايت ميلز وهانز جيرث وكار لوج وشرحهما للأساليب البلاغية في الخطابات السياسية  تخدم مصالح أصحابها فقط ، وكاتلين جاميسون ودافيد بيردسل وانتقادهما لغياب العقلانية في الخطاب السياسي الرسمي بإطلاق شعارات فارغة وصور براقة لجذب الناخبين مثلا، واريموند جوزي وملاحظته لتوسع وسائل الإعلام في استخدام الاستعارات في الخطاب السياسي، وإيرفين شيفر وربطه بين الشخصية الكاريزمية وبين قدرتها على إنتاج خطاب بليغ ورسائل تواصلية رنانة، ، و ريتشارد براون وشرحه للمسائل المتعلقة ببلاغة التحكم في المعلومات التي تتدفق على رؤوس الناس حول ما يهم حياتهم، ويستدل الكاتب بتلك الآراء الفلسفية والعلمية على على وجود صلة يقظة بين السلطة وحضور البلاغة، بوصفها فن الإقناع أو الواسطة التي يتم بمقتضاها توظيف اللغة بغية التأثير على أفعال الآخرين ومعتقداتهم.

ويرى الكاتب أن قلة فقط من المفكرين والباحثين هي التي تمكنت من الإحاطة بحجم الاستعارة والمجاز في التراث السياسي العربي، ويؤكد أن التاريخ السياسي الذي وصل إلينا حافل بالمجاز والاستعارة، وفيه الكثير من “روح الشعر”، مثلما هو واقعنا، وبذا تبدو حياتنا الاجتماعية أشبه بمسرح كبير، كما تقدم. وتتسع وترتفع خشبة المسرح كلما انتقلنا إلي مجال الثقافة الشعبية Folk Culture، التي تمتلك قدرة على تجاوز حدود الزمان والمكان، ويشير الكاتب إلى أن المجاز اللغوي قد امتد في الفترة الأخيرة إلى الاقتصاد، حيث تقوم الكلمة مقام العملة وتقوم العمليات البلاغية مقام العمليات الحسابية، ويلفت في هذا المضمار إلى أن الفصاحة في العصور القديمة كانت مهمة في أمور الدولة كأهمية الأمور المالية.

ويقول الكاتب تحت عنوان “سلطة اللغة” أن اللغة دورا في صناعة الحدث وليس الإخبار عنه فقط، ويطرح سؤال جوهري: أيهما أشد إغراء وأكثر إمتاعاً: أن نبحث في السياسة من خلال اللغة، أم أن نبحث في اللغة من خلال السياسة؟ أيهما أوقع في النفس وأيهما أجدر بإجلاء الحقائق في زمن دفن الحقائق: أن نعيد اكتشاف الحيثيات التي تصنع سلطة السياسة، أم نعيد اكتشاف اللغة كي نقرّ لها بالسلطة التي احتجبت؟، ويسرد بلغة تفاعلية لآراء فلاسفة ومفكرين عظماء أمثال نيتشة ورولان بارت وغيرهما،وذلك في سياق إجابته على هذا السؤال المهم، ويوضح الكاتب أن مساحة المجاز في الخطاب السياسي تزداد حال امتلاك الحاكم لقدرة هائلة على المراوغة والخداع وسرعة البديهة وحضورها والفهم العميق لوجدان الناس وعواطفهم وإدراكه القوي لمفاتيح الوصول غلى القلوب، وقدرته على التجدد في تقديم الحجج والزرائع ومرونته الشديدة ورهانه على أن ذاكرة الناس لاتحمل كل شيء، ويشير الكاتب إلى أن الحاكم يستبدل الخطاب المشبع بالمجاز بـالخطاب القائم على الصراحة والوضوح ، لحرصه على عدم إحباط شعبه، وإدراكه التام للفارق الكبير بين ما يريده الناس وبين الموارد المتاحة، حيث يهدف الحاكم من وراء ذلك إلى ربط منافع الناس ومصالحهم باستمرار وجوده في الحكم، ويؤكد أن بعض الحكام يستخدمون في خطاباتهم السياسية  لغة مراوغة أو عاطفية أو مفتوحة على تأويلات عدة، تقع كلها في فلك المجاز، أو الإيهام، بهدف إبقاء الباب بينهم وبين المحكومين مفتوحا.

وتحت عنوان “اللغة كقوة ناعمة” يرى الكاتب أن دور اللغة أكبر بكثير من كونها مجرد وسيلة للتعبير وأداة للتواصل والاتصال، ويستدل على ذلك بقدرة بعض السياسيين لاستخدامها في التحايل وتعبئة الجماهير أثناء الأزمات، وينتقد عدم إدراك علماء السياسة للغة كأحد ركائز القوة الناعمة للدولة، ويعزي ذلك إلى أن أغلب علماء الاجتماع والسياسة في بلادنا لم يلتفتوا بالقدر الكافي إلى أن اللغة برهان على الواقع الاجتماعي، ويشير في هذا الصدد إلى ماقاله مصطفى ناصف عن التعليم الضيق للغة المتمثلفي التعليم الأدبي، ويوضح أن قيم وتصورات ومدركات المجتمعات تختلف بحسب طبيعة لغتها، تتسم بالوضوح والصدق أم بالحيلة والمراوغة والمداراة، ويؤكد الكاتب أن هناك لغات تحمل في باطنها ، ما يجعلها قوية وممكنة وقابلة للاستيعاب والانتشار، وأكثر وقعا على الآذان والنفوس، منها الإنجليزية والعربية، حيث تقوم الأولي بدور الحارس الدولي في القرية الكونية، بما يزيد من مكانة الولاية المتحدة الأمريكية وبريطانيا وخاصة في أفريقيا وأسيا، وتمثل الثانية أحد أدوات القوة الناعمة في مسألة التضامن العربي ، بشقيه الوحدة والتنسيق، ويوضح أن دور اللغة كقوة ناعمة للدولة يرتبط  ببنية اللغة ذاتها وأجروميتها وتراكيبها واستنباتها من السياق العام، ثم المشاركة في صياغته وصناعته، وليس انتشارها الواسع والقدرة على الإقناع فقط.

وفي الفصل الثاني يسرد الدكتور عمار علي حسن لأمثلة وشروحات وحكايات كثيرة لمفكرين وكتاب وسياسيين انتصروا على الطغيان بالحيلة النابعة من البلاغة والمجاز، ويخرج بنتيجة مفادها أن المجاز السياسي هو كل استعارة أو تشبيه أو مبالغة، تمس لفظا ما يتعلق بالشأن العام والشخصيات والمؤسسات والحركات والكيانات والممارسات والخطابات السياسية، وكل شيء يرتبط بالسلطة السياسية، بدءا بالمحليات أو البلديات وصولا إلى الهيئات الدولية مرورا بالدول نفسها، باعتبارها الوحدات السياسية الأساسية، ويؤكد الكاتب أن للمجازات السياسية دورها في التمرير والتنوير، فهي قد تتحول إلى الأجنحة التي تطير بها الكلمات فلا يستطيع أحد حبسها، أو إلى النوافذ الضيقة التي يدخل منها النور ليبدد عتمة الجمود والطغيان.

ويتناول الكاتب في هذا الفصل ثلاثة نقاط أساسية،هي: ( تعريف المجاز، المجاز والحقيقة، المجاز السياسي )، ويشير إلى أن دراساتنا للمجاز مازالت قاصرة رغم أن مكانته في اللغة تشبه ما يمثله الدم بالنسبة للكائن الحي، ويسرد لتساؤلات وكتابات مصطفى ناصف في هذا الصدد، ويوضح أن تعريف المجاز السياسي والهدف من كتاب المجاز السياسي يتطلب ، تعريف المجاز عموما، وتبيان الفروق بين ما هو “حقيقي” وما هو “مجازي”.، ويؤكد أن المجاز بوصفة نظرية تقود إلى الانتقال من التجربة الحسية إلى التجربة المفهومية ، ينقسم في عمومه إلى مجاز لغوي، ومجاز عقلي،ويسرد الكاتب لتعريفات المجاز، ولآراء علماء كبار أمثال ابن رشيق وبدر الدين الزركشي وعبدالقادر الجرجاني وابن قتيبة وابن القيم الجوزية والآمدي وابن جني والسيوطي، ويقول الكاتب استنادا على كل ماسبق ،إن المجاز حالة مكثفة تختزل داخلها أنساق ذهنية خفية، لذلك يمكننا عبر تفكيكه كشف الاستراتيجية التي يتحرك فيها من خلالها النسق، ولذا يمكننا أن نجعل منه نموذجاً نفسِّر من خلاله النسق أو الحالة التي نريد أن نفهمها، كما هو الأمر عند عبد الوهاب المسيري، في دراساته للجماعات اليهودية وخطابها والحضارة الغربية وفلسفتها.

ويوضح الكاتب تحت عنوان”المجاز والحقيقة” الفرق بين الحقيقة الذاتية والحقيقة الموضوعية ، ويشير إلى أن قول الحقيقة يصبح نوعا من المجاز عند دفاع الفرد عما يعتقده، والمتمثل في الحقيقة الذاتية،  ويؤكد على ضرورة أن تظل الحقيقة الموضوعية هي نقطة الارتكاز والمرجعية عند التحاور السياسي والثقافي، ويُعرف المجاز بأنه المسافة الفاصلة بين “الحقيقة الذاتية” و”الحقيقة الموضوعية”، والتي تتسع وتضيق حسب الزمان والمكان، أو وفق الظروف والسياقات التي تحيط بالأقوال والأفعال،ويكبر هذا المجاز أو يصغر، حسب مستوى الابتعاد بين الحقيقتين.

 ويستدل الكاتب على ذلك بأن بأن مايراه شخص من صميم الحرية ، يراه شخص آخر نوعا من التفلت والفوضى،  ويرى الكاتب أنه في حالة الاختلاف حول توصيف حدث بعينه، فإن الجميع يغفل الحقيقة الموضوعية، ويستعين بكل ألوان المجاز لدعم وجهة نظره ، ويضرب مثلا على ذلك بالتناقض في آراء ومواقف الأطراف السياسية المتصارعة من 25 يناير، ثورة أم مؤامرة ، ربيع عربي أم خريف عربي، ويبين أن الأخطر والأفدح هو فرض الحقيقة من جانب السلطة السياسية والدينية، حيث تجبر الناس على قبول ما تقوله وتراه على أنه حقائق ، ويسرد الكاتب لآراء العلماء والفلاسفة حول هذا الموضوع، ويخرج بنتيجة مفادها أن اهتزاز اليقين في الحقيقة قد انتقل من الفلسفة والنقد والمنطق والأدب واللغة إلى عالم السياسة.

وتحت عنوان المجاز السياسي يرى الكاتب أن اللغة والسياسة قرينان متلازمان، فاللغة تقترن بالسياسة في تعريفات الخطاب السياسي، ويؤكد أن أدوات تحليل مضمون الخطاب السياسي تطورت مؤخرا لتشمل الرمز والإشارة، أي نوعا من المجاز، ويشير إلى أن الخطاب السياسي الذي ينطوي على تحريض دعائي، تنتعش فيه المجازات لتؤدي وظيفتها في الجذب والإغراء والإقناع، ويبين أن دراسة الخطاب السياسي تقتضي الاهتمام بثلاثة أمور هي علاقة الخطاب ببيئته الثقافية والزرائعية والنظام الأيديولوجي الأكبر، ويلفت إلى أن الخطاب السياسي العربي يكبت الفعل لصالح القول، ويرى ان للخطاب السياسي عدة خصائص تفيد في التوصل إلى تحديد مفهوم “المجاز السياسي،منها، توظيف اللغة في التلاعب بأفكار الجماهير، والاعتماد على التورية بجانبيها الظاهر والخفي، الاتكاء على التناص بتوظيف النصوص الدينية والشعرية….إلخ، واللجوء للمجاز ممثلا في الاستعارة والتشبيه والكناية، ويستخلص الكاتب من خلال سرديات كثيرة بشأن الخطابات السياسية وعلاقتها بمفردات البلاغة، أن المجاز السياسي قد يكون عبارة عن الفارق بين ما ندركه أو نقدره وننسبه لشخص أو مجموعة أو هيئة أو فريق عمل، وبين ما يدركه هو أو يدفع به عن نفسه أو يثبته من أشياء يعتقد أنها الحقيقة أو جزء منها.

وفي الفصل الثالث يتحدث الكاتب عن الاستعارة، ويقدم له بأهمية الاستعارة بالنسبة للسياسى ويصف العلاقة بينهما بعلاقة الماء والسمكة، ثم يتحدث عن موقف الفلاسفة والعلماء على مر التاريخ، من الاستعارة، ما بين مؤيد ومعارض لها، بسبب تشويهها للحقائق، حيث رآها الأوربيون سيئة السمعة قبل استعمالهم لها في الحقل العلمي الأكاديمي، ويكشف أسباب رفض الفئة الرافضة لها، ويؤكد أن المعارضين لها بمن فيهم أفلاطون لم يستطيعوا البعد عنها في حياتهم الفكرية والفلسفية، حيث عالج أفلاطون الفلسفة بأسلوب الشعر وعالج الشعر بأسلوب الفلسفة، ويسرد الكاتب  لمفكرين أمثال عبدالله الحراصي لدور الاستعارة في  صناعة التاريخ واسترجاعه، ويشير إلى أن الأحداث التاريخية الكبرى تتحول إلى عظات وعبر يستعيرها الكتاب حاليا لعدم تكرار أخطاء قاتلة في الماضي، كحادث ضرب نجازاكي وهيروشيما في الحرب العالمية الثانية، وحتى تلك الحرب نفسها،وذلك كلما حدثت أزمة سياسية حادة بين دولتين نوويتين،وذلك بما فيتلك الأحداث الكبرى من مجازات تدفعنا لاستعارتها لتفادي مغارمها،ويرى الكاتب، أن الرافضين للإستعارة يستخدمونها دون دراية، ويقول،إن الآراء التي رفضت أو تحفظت على استعمال الاستعارة بإفراط أو حتى بشكل مقتصد، لم يتمكن أصحابها أنفسهم من تجنب الاستعانة بالاستعارة في مجال البرهنة وضرب الأمثلة والمحاكاة والوصف الذي يجب أن يسبق التحليل العلمي.

ويرى الكاتب أن نظامنا الاستيعابي العادي استعاري بطبيعته، ويستدل بدراستين غربيتين، لتأكيد دور الاستعارة في السياسة، الأولى للباحثة حنا بيننك بجامعة جنت الألمانية، حول الاستعارة في الأزمتين الماليتين العالميتين 1929 و2008 والثانية أعدهامجموعة باحثين في جامعة زغرب الكرواتية حول “توظيف الاستعارة المفهومية في الاتصال السياسي، ويستدل برأي لكاتب الأمريكي توماس فيشر،بشأن مواقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي من قضايا ومسائل بعينها، على أنه أحيانا ما يكون الخلاف السياسي مجرد تضارب في الاستعارات بين المتنافسين، ثم يأخذنا الكاتب للحديث عن ثلاثة نقاط مهمة في الفصل الثالث هي:(معنى الاستعارة وتاريخيتها،وهمزات الوصل بين الاستعارة والسياسة ، ونماذج لأهم الاستعارات السياسية المتداولة.)

ويشير الكاتب إلى أن هناك من يقسم الاستعارة إلى ثلاثة أنواع هي:الاستعارة الاتجاهية والاستعارة الأنطولوجية ، والاستعارة البنيوية، ويستعرض لخمسة أمور مهمة بشأن الاستعارة تحدث عنها لايكوف وجونسون، ويستعرض المسار التاريخي للاستعارة وعلاقتها بالسياسة في أوروبا الغربية والعالم العربي، ويخرج من كل ذلك بنتيجة مفادها أن الاستعارة صارت جزءا مهما من تجاربنا وسلوكنا وانفعالاتنا  ، وأنه لا يمكن لأحد أن يزيل الاستعارات من ذهتنه حتى لو استطاع البعد عنها في كتاباته وأحاديثه.

وتحت عنوان”همزات الوصل بين الاستعارة والسياسة”، تناول الكاتب الاستعارة والتحايل السياسي كصلة مباشرة، و تناول الاستعارة وعلاقة الدين والسياسة، كصلة غير مباشرة، ثم تحدث عن التحايل السياسي على السلاطين العرب بسرديات قصصية وحكايات من عالم الحيوان والرموز، وبلاغمة المقموعين، بدءا من دولة بني أمية، ونوادر جحا، وانتهاءا بما نشهد الآن ، حيث الاستعارة الرامية إلى تنوير الناس وكشف فساد سياسات بعينها وفساد شخصيات حاكمة بعينها، عن طريق مقالات وروايات لكتاب في العالم العربي، وقد يستخدم الكاتب صراع المصطلحات في التحايل السياسي بالاستعارة، وقد يستخدم أسلوب توظيف بعض المناسبات في بث رسائل سياسية لمعارضة الحاكم وسياساته، وقد يستخدم آخرون أسلوب توظيف الأعياد القومية لبلادهم لتجاوز التعصب وقبول الآخر…إلخ.

ويوضح الكاتب تحت عنوان “صلة غير مباشرة: الاستعارة وعلاقة الدين بالفلسفة السياسية”،أن أربع استعارات سيطرت على الفلسفة الغربية زمنا طويلا، ولايزال صداها موجودا حتى الآن، وهي، الدين أفيون الشعوب،كارل ماركس، والدين ثورة العبيد، فريدريك نيتشة، والدين رغبة نفسية سيجموند فرويد، والدين تفكير طفولي برتراند راسل، ويقدم الكاتب شرحا لكل الاستعارات الأربعة ومواقف الآخرين منها، ويمر مرورالكرام علي نظرية داروين في النشوء والارتقاء، باعتبارها مسار متناقض مع الدين، ويستعرض الكاتب لمحاولات البعض التوفيق بين الدين والفلسفة، ويؤكد أن أصحاب هذه الرؤى الأربع للدين أفرطوا في استعمال الاستعارات بمختلف أنواعها، وهم يبرهنون على وجهات نظرهم، ومثلت استعارتهم تلك جسرا إلى السياسة.

ويسهب الكاتب تحت عنوان” نماذج لأهم الاستعارات السياسية المتداولة”، في الحديث عن نماذج الاستعارات السياسية التي تزدحم بها ساحات المجال العام، ومنها اعتبار كرة القدم راية قومية، والشواهد على ذلك كثيرة، واستعارة الحرب: الكلمة والبارود، ففي الحرب تستخدم الاستعارة لتضخيم النصر والتقليل من الهزيمة، ويشير إلى الاستعارة التي تربط الحرب بالجسد، وتستغلها كدلالة على عدم النضج البشري، ويكشف عن حيل وتقنيات بلاغية أخرى تستخدم خلال الحرب، كالطريقة التي برر بها أزنار رئيس وزراء أسبانيا مشاركة بلاده في الحرب على العراق، والطريقة الأمريكية القائمة على قاعدة التمثيل بين تنظيم القاعدة والنظام العراقي بهدف الإطاحة بصدام حسين،فضلا عن استخدامها لترسانة استعارية لتبرير الحرب ذاتها، ومنها إعادة ترتيب المنطقة والحرية للعراق وكسر الطاغية.

 ويستعرض الكاتب في ذلك الصدد لآراء المفكرين في مصطلح الحرب بالوكالة وعلاقته بالاستعارة والمجاز السياسي، ويؤكد أن مصطلح الحرب الباردة كان خادعا وساهم في تزييف الوعي، ويرى في الوقت نفسه أن مصطلح سباق التسلح ليس فيه مخاتلة أو خداع، ويتناول الكاتب مصطلحات استعارية أخرى ويفندها من حيث الهدف والمغزى ، كمصطلح الحرب الثقافية، ويتحدث عن استعارة النظر للإنسان على أنه آلة، ومنها فلسفة أن الإنسان آلة تتجدد ذاتيا، ومنها فكرة ديكارت عن “الآلة الوحش”، وآلة الذكاء الإصطناعي، وكذلك نموذج التعامل مع الدولة على أنها جسد، وهي استعارة بنيوية قديمة، قائمة على القياس بين المدني والبدني في تناول مصير الدول والإمبراطوريات، ومنهاجاء مجاز الرجل المريض لوصف الإمبراطوية العثمانية تمهيدا لتقسيمها، ويستعرض الكاتب للمسار التاريخي والفلسفي للمصطلح الذي يصف الدولة بالجسد الحي القابل للموت، شأنه شأن الجسد البشري.

وفي الفصل الرابع “المبالغة”، يربط الكاتب بينها وبين المستبدين والمتطرفين، حيث يستخدمونها في شكل لغة زاعقة هدفها خداع الناس وليس إقناعهم، وتتدرج المبالغة من مستبد لآخر، حتى تصل إلى منتهاها، كما في حالة القائد المغولي المتوحش تيمور لينك، حيث تخيل أنه يملك الكون بأصابعه، ويطرح الكاتب في مقدمة هذا الفصل أسئلة غاية في الأهمية، هي، ما الفرق بين الفصاحة والبلاغة والمبالغة؟ وهل كل مبالغة مرفوضة؟ أم أن هناك مبالغة يمكن قبولها لأسباب وجيهة؟ وما هي أبرز الأمثلة أو الحالات أو النماذج لوجود المبالغة في حياتنا الاجتماعية والسياسية؟، ويحاول الإجابة عليها من خلال تناوله لثلاث نقاط أساسية، هي :”أولا: ما بين الفصاحة والبلاغة والمبالغة ، وثانيا: المقبول والمرفوض في المبالغة السياسية، وثالثا: حالات من “المبالغة السياسية” وتوظيفها”، وتحت العنوان الثالث، يناقش سبع نقاط فرعية، هي:( الخُطبة السياسية،وحضور الشعر العربي كموطن للمبالغة السياسية،و مفردات الخطاب المتطرف ومقولاته، والإفراط في استعمال “أفعل التفضيل،  وترميز الحاكم كمبالغة، والنفاق أو المبالغة الرخيصة،والبذاءة السياسية والمبالغة الفحشاء.)

ويوضح الكاتب الفرق بين الفصاحة والبلاغة،ويشير إلى أن الثانية تنطوي على كلام ذي بيان، يركز على الإقناع، وتهدف في الخطاب السياسي إلى التأثير في المخاطب وتغيير رؤيته واعتقاده، وحمله على فعل شيء معين، بعيدًا عن المبالغة، وبحيث تكون بلاغة ومجازات تخاطب الوعي والفهم والإدراك، وتحترم قدرة الناس على التمييز والنقد بقياس كلام المخاطب على ما في رؤوسهم من خبرات وتجارب، ويستعرض الكاتب لآراء كل من أرسطو والقديس سانت أوغسطيس في الخطابة، ويضرب مثلا على المبالغة بالخطاب الزاعق للجنرال تيوس عقب دخوله لروما فاتحا، حيث وصف نفسه بأبي الفضيلة وأشرف الشرفاء، ويشير إلى تشبيه الباحث الأمريكي سام لايث للكلمات بالمسدسات المحملة بالرصاص، بهدف الإقناع لا القهر والقمع، ويوضح أن هذا التشبيه يتماهى مع أطروحة أرسطو طاليس بشأن تقنيات البلاغة الثلاثة، منطقية الخطاب”اللوجوس”، وأخلاق المتكلم”الإيتوس”، والحالة العاطفية للسامع”الباتوس”، ويتحدث الكاتب عن نموذجين للخطاب السياسي كانوا غاية في الإقناع، الأول، الخطاب السياسي الذي اتبعه إبراهام لينكولن أثناء مناظرته للمرشح الرئاسي الديمقراطي ستيفن دوجلاس حول قرار تحرير العبيد، والثاني خطاب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عقب تعرضه لحادث اغتيال في المنشية، حيث قال عبارة فيها مجاز دال على الشجاعة والجرأة والشهامة، وهي عبارة””ليقف كل منكم في مكانه” .

وتحت عنوان”المقبول والمرفوض في المبالغة السياسية”، يوضح الكاتب أن المبالغة التي تؤدي وظيفة إيجابية تكون مقبولة، والمبالغة التي تنطوي على الخداع والنفاق والتضليل تكون مرفوضة، ويجب لفظها واستهجانها من جانب المتلقي،ويصف المبالغ في الخطاب السياسي بالكذاب والمحتال، ويؤكد في الوقت نفسه أن المبالغة مطلوبةإن كانت من قبيل الفصاحة والبيان الذي لا يقصد صاحبه لفت الانتباه لذاته أو لمنطوق كلامه أو مكتوبه، ويحدد سبع حالات تكون المبالغة فيها مطلوبة وهي، أوقات الحرب، وتحقيق التماسك الوطني ولقومي لأمة مهددة بالتفتت، وأوقات الأزمات السياسية الحادة، وعملية التعبئة والحشد خلف قيادة سياسية رشيدة وعاقلة، وأوقات التنافس الانتخابي، وبناء الروابط الإيجابية للدول،ورغبة الشعب في تمجيد قادته التاريخيين، ويحدد حلات المبالغة المرفوضة، وهي نفاق الحاكم بأوصاف مبالغ فيها، وتشنج المعارض من خلال مبالغته في قدح السلطة.

ويتحدث الكاتب تحت عنوان” حالات من “المبالغة السياسية” وتوظيفها”، عن سبع نقاط مهمة، هي الخُطبة السياسية، و حضور الشعر العربي كموطن للمبالغة السياسية،و مفردات الخطاب المتطرف ومقولات، و الإفراط في استعمال “أفعل التفضيل”، و ترميز الحاكم كمبالغة،و النفاق أو المبالغة الرخيصة، والبذاءة السياسية والمبالغة الفحشاء، ويطرح الكاتب سبعة أسئلة مهمة حول الخطابة السياسية، ويستعرض عدة دراسات حاولت الإجابة على هذه الأسئلة، كدراسة الدكتور عماد عبداللطيف عن  “استراتيجيات الإقناع والتأثير في الخطاب السياسي”، التي حلل فيها نماذج من خطابات الرئيس الراحل أنور السادات،ودراسة كرستينا شتوك الباحثة في مجال الدراسات الإسلامية في جامعة لايبزيج، والتي عنونتها بـ “اللغة كوسيلة للسلطة: استراتيجيات البلاغة العربية السياسية في القرن العشرين”، وحللت فيها، عبر مقارنة عملية عميقة، خطب عبد الناصر وصدام حسين.

 وإلحاقا بالحضور الشعري وتأثيراته الكبيرة على الخطاب السياسي، يتحدث الكاتب عن ترميز الحاكم كمبالغة، ويرجع ذلك لرغبة أهل الحكم في أن يظلوا رموزا خالدة في ذاكرة شعوبهم، ويشير إلى استخدام الأمريكان لأحداث وأماكن لإلهاب حماس الشعب عند الدخول في حروب، ويضرب مثلا على الترميز المبالغ فيه بنموذج السادات عقب نصر أكتوبر، وإعلانه لنفسه “رب العائلة المصرية، ويفرق الكاتب بين الترميز المصنوع المزيف وبين الترميز العفوي الحقيقي النابع من إحساس الشعب، حيث يقول الكاتب،إن الرمزية الحقيقية لا تصنعها المبالغات الكاذبة، بل الأفعال الجادة المعتبرة وكارزمية القائد، والمسافة النفسية العامرة بالمودة بينه وبين الناس، وإدراكهم أنه لم يخدعهم، ولم يخذلهم، ولن يظهر أبدا بعد رحيله عن السلطة ما يشينه، ويفزع من وثقوا به، وساروا خلفه، أو التفوا حوله.”

ويتحدث الكاتب بالعقل والمنطق عن النفاق والمبالغة الرخيصة والبذاءة السياسية والمبالغة الفحشاء، ويكشف النقاب عن صفات المنافق وإزدواجيته المتمثلة في وجود وجهين له، ظاهر وباطن ، ويسخرها في استهداف الأخرين بالغش والتدليس، ونفاق الحاكم لتحاشي سيفه وحصد ذهبه،ويربط الكاتب بين النفاق السياسي والمبالغة والإفراط في المبالغة، ويؤكد أن مبالغة المنافقين للحاكم تنفلب إلى ضدها في أذهان المحكومين، ويشير إلى أن المنافقين يصنعون تلالا من المبالغات السياسية تفقد الاصطلاحات معناها الحقيقي، ويرى أن المبالغات المصحوبة بالنفاق الزاعق المتجاوز للأخلاق والأعراف، أو المناقض للواقع، تؤدي إلى عكس ما يريده الحاكم الممدوح، أو المتزلف إليه، ويسرد الكاتب لنماذج من النفاق السياسي الفاضح كنفاق جرير لهارون الرشيد،  ونفاق النابغة الذبياني، لنعمان أبو قابوس ملك الحيرة، ويرى أن منشدي قصائد المديح وبعض الوعاظ والفقهاء والأدباء من صانعي الآداب السلطانية، كانوا منتجي النفاق  السياسي في تاريخ العرب الوسيط، ويقول :”إن منتجي النفاق في زماننا موزعون على كتاب صحفيين ومذيعي تلفزيون وإذاعة وسياسيين وفنانين ورياضيين وتجار وكبار موظفين وأصحاب أموال وأعمال ويصل الأمر إلى بعض العوام، ممن يرجون من نفاقهم نفعا أو يتقون به شرا.”

وينتقل الكاتب إلى الحديث عن البذاءة السياسية والمبالغة الفحشاء، ويرى أنها غالبا ما تكون ناجمة عن خلل عصبي وراثي تظهر أعراضه على هيئة حركات عصبية لاإرادية مصحوبة أحيانا بألفاظ نابية، ولا يخلو مجتمع منها، ويقع فيها الحكام وكبار رجال الدول، ويقع فيها التافهون غير المسئولين عن أقوالهم، ويعرض لنماذج بذاءة سياسية منها، أعمال أدبية لنجيب سرور، وأخرين، ووصف الرئيس الفلبيني للرئيس الأمريكي بـ”ابن العاهرة” ردا على موقفه الرافض لإعدام تجار المخدرات رميا بالرصاص، ووصف الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ “العجوز المختل” ، ووصف ترامب للرئيس الكوري الشمالي بالقصير السمين، للسخرية منه والاستهزاء به، واتسام حملتي ترامب وهيلاري كيلينتون في انتخابات 2016، على قدر كبير من البذاءة السياسية، ويتحدث الكاتب بعد ذلك عن الكذب والمبالغة الملتوية بهدف تبرير فعل شائن أو تلميع صورة، بالغش والتضليل والخداع والمخاتلة، وتكمن خطورته في وجود موروث سياسي يمدحه ويشجعه، منها ما جاء في كتاب الأمير لمكيافيلي.

ويسيح بنا الكاتب في الفصل الخامس المعنون بـ”الصورة”، في عالم الصور بمختلف أنواعها، وعبر مسارها التاريخي والتقني في التطور، لتبيان علاقتها بالمجاز السياسي ومدى تأثيرها على الذهنية الجمعية للمجتمعات، وينقسم هذا الفصل إلي خمس نقاط أساسية، هي،( أولا: الصورة والنص، وثانيا: بلاغة الصورة السياسية، وثالثا: الصورة الذهنية .. المجاز السياسي المُعلب، ورابعا: صورة مجازية لفكرة سياسية، وخامسا: المجاز وتصحيح الصورة السياسية النمطية: حالة الشعر العذري)، ويشير إلى تطور الصورة من فوتوغرافية إلى إلكترونية وصور الفيديو، ويوضح أن هذا التطور لم يأت على حساب مكانة وقوة تأثير الصور الفوتوغرافية، ويستدل على أهمية الصورة وعلاقتها بالمجاز السياسي، برأي أرسطو بأن التفكير يستحيل بلا صورة، ووصف إيل جانس زماننا بأنه “عصر الصورة”، ورؤية رولان بارت بأننا نعيش في رحاب “حضارة الصورة”، ويوضح كيف كان الرسم، بما فيه الرسم التشكيلي، يلعب دور الصورة الفوتوغرافية في وصف المعارك ودور قادة الجيوش فيها، ويرى الكاتب أن الصورة تتجاوز التعبير عن الواقع، بشكله الانعكاسي أو المرآوي، وذلك بفضل تدخل المعاني أو الشحنات الدلالية التي تحملها إلى حيز المجاز.

ويتحدث الكاتب عن صور فوتوغرافية ومتلفزة تحمل في طياتها مجازات دالة على معاني سياسية، منها صورة التقطها كلارك فرومان للهنود الحمر في أريزونا ونيومكسيكو بين عامي 1895 و 1904، تجلب التعاطف مع قضيتهم، وصورة لولد يهودي صغير ببولندا تكشف فظائع النازي، ويشرح الكاتب بالتفصيل الصورة التي رسمها بالكلمات عالم البلاغة الأمريكي جورج لايكوف لحادث 11 سبتمر الرهيب، ويستخدمها للدلالة على الدور والسلطة التي تمارسها الصورة،المشبعة بالمجاز والخيال السياسي والاستعارات، حيث أفرط لايكوف فيها من تحليل مجازات الصورة، ونجح من خلالها في إثارة نفوس الأمريكيين وإشعارهم بالإهانة، وبجرح في الكبرياء الوطني، وهو ما استغلته السلطة الأمريكية ممثلة في جورج بوش الإبن في تهيئة الشعب الأمريكي للموافقة على ضرب أفغانستان والعراق.

وينتقل الكاتب من الغرب إلى الشرق ، ويقوم بتحليل أربع صور تم توظيفها سياسيا على نطاق واسع في مجتمعات شرقية، وذلك للبرهنة على البلاغة السياسية للصورة،الأولى، صورة لإمرأة إيرانية خلال مظاهرت 2018، كانت تظهر نصف صدرها عاريا، والثانية صورة عارية تماما لعلياء المهدي خلال فعاليات ثورة يناير المصرية، والثالثة صورة الطفل الفلسطيني الشهيد محمد الدرة، أثناء إنتفاضة الأقصي عام 2000، والرابعة، صورة للثائر الأرجنتيني تشي جيفارا، حيث كانت الصورة الأولى إيجابية لما فيها من مجازات دالة على الرغبة في مساواة الرجل بالمرأة، ,والتمرد على حكم الملالي، وكانت الصورة الثانية سلبية لأنها أهانت ثورة يناير واستغلها السلفيون في تشويه صورة الشباب الليبرالي باعتباره طليعة الثورة،خاصة أن علياء روجت لنفسها على أنها فتاة ليبرالية، وكانت الصورة الثالثة بما فيها من مجازات فاضحة لإرهاب دولة إسرائيل، لدرجة أن حكومات تل أبيب حاولت التهرب منها،بإدعاء عدم ارتكابها، وكانت الصورة الرابعة بمثابة انقلاب السحر على الساحر، حيث ساهمت الصورة في تخليد ذكرى جيفارا، وجعلت منه أيقونة للنضال ضد الإمبريالية الأمريكية ، في حين كانت تهدف الاستخبارات الامريكية منها أن تجعله من عبرة تردع كل من يفكر في عمل ذلك، ويتناول الكاتب عينة لصور أخرى تم التقاطها في التاريخ القديم ، وكان لها نفس التأثير، منها صورة للهنود الحمر تحكي هربهم من الإبادة الجماعية أثناء الحرب الأهلية الأمريكية.

وتحت عنوان” الصورة الذهنية .. المجاز السياسي المُعلب”، يقدم الكاتب تعريفات للصورة الذهنية ويحدد منبعها، ويكشف موقف الفلاسفة منها، وسبب ربطهم بينها وبين المعنى واعتبارهما شيئا واحدا، ويحدد منبع الصورة الذهنية، ويقسمها لثلاثة أنواع، صور ذهنية مستقرة ، وصور ذهنية متصارعة، وصور ذهنية متعددة، ويستعرض بالشرح حالات لكل نوع، ويوضح أن الصور الذهنية المستقرة تستعصي على التغيير، ويقسمها لصور مرغوبة وأخرى غير مرغوبة، ويقول أن منها ما يصف أفراد، كالكرم لحاتم الطائي والصبر لنبي الله أيوب، والشجاعة لعنتر العبسي، ومنها ما يصف مؤسسات ومنشآت، وفئات بشرية، كصورة العرب والمسلمين في الذهن الجمعي للشعوب الغربية،على أنهم شيوخ نفط ومترفون وإرهابيون، وتصوير الإسلام على أنه دين قبلي بدائي على خلفية أحداث 11 سبتمر، بفعل المجاز المنافي للحقيقة، ونظرة المجتمع الأمريكي إلى الأمريكيين من أصل أفريقي على أنهم مجرمون وغير عاطفيين، ونظرته لليهود على أنهم ماديون، والمكسيكيون كسالى.  

ويسرد الكاتب حالات لصور ذهنية متصارعة، منها الصورة الذهنية السيئة الخاصة بالحركة الساعية لتحرير الرق في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك قبل تغييرها للأفضل، والصورة الذهنية للحروب الصليبية، حيث كان يراها الغربيون حروبا مقدسة، ويراها العرب حرب استعمارية لسلب ونهب الثروات، ويعرض الكاتب لصورة صارخة معبرة عن صراع الصور وتناقضها، منها صورة الثورة العرابية، حيث وصفها أعداؤها بـ”الهوجة”، لجعلها حركة فوضوية مدمرة، وأنها السبب في الاحتلال الإنجليزي لمصر، وذلك قبل أن ينصفها التاريخ، وتتجزر صورتها الحقيقية الحسنة في ذهنية الشعب المصري، ويشرح الكاتب بالتفصيل حالة وصف البلطجية بـ”المواطنين الشرفاء”، باعتباره صورة ذهنية  مجازية مقلوبة، الهدف منها إضفاء صورة مقبولة على أفعال شائنة، ويشير الكاتب إلى الخارجين عن القانون “المواطنون الشرفاء”، ظاهرة عمت دول عربية عديدة أثناء ثورات الربيع العربي، وجذبت علماء الاجتماع السياسي بقصد البحث والدراسة، ويتطرق الكاتب لأصل كلمة بلطجي ، وهو أصل تركي يعني “حامل البلطة”، ولم تكن صورته الذهنية سيئة، لأنه كان فصيل قتالي قانوني في الجيش التركي، وذلك قبل حدوث تغيير للصورة الذهنية، إلى النحو الذي نراه الآن ونشعر به، ونتفهمه بالمجاز السياسي.

وتحت عنوان “صورة مجازية لفكرة سياسية” يتحدث الكاتب عن الصورة المجازية للمتسامح، وصورة “دولة المدينة” بين أثينا ويثرب، ويفرق بين صورتي الدولة الآلة والدولة الإله، ويقدم شرحا وافيا لكل صورة، متضمنا مسارها التاريخي ومجازها السياسي، ويوضح هدف كل طرف من تكريسها في الذهنية الجمعية للمجتمع، سواء قوى مدنية ، أو قوي الإسلام السياسي، وينتقل الكاتب بعد ذلك للحديث عن “المجاز وتصحيح الصورة السياسية النمطية: حالة الشعر العذري”، ويشرح كيف يقوم المجاز بتغيير وتصحيح الصور النمطية السيئة لشعب في ذهنية شعب آخر، ومن الصور التي تغيرت الصورة النمطية للعربي في ذهنية الغربي على أنه شخص نزق شهواني شره للطعام والجنس، ومنها الصورة الذهنية التي تربط بين البداوة واللذة، والناجمة عن إهمال المستشرقين للشعر العذري والغزل العفيف في دراساتهم، مقارنةً باهتمامهم الشديد بشعر المجون والغزل الصريح، ويؤكد الكاتب إنصاف بعض المستشرقين للشعر العذري، ويسرد لنماذج شعرية تؤكد خطأ الصورة الذهنية الغربية المتعلقة بهذا الأمر. 

ويقسم الكاتب الفصل السادس، إلى أربع نقاط رئيسية، هي، أولا : ما الصمت، وثانيا: فضاء أوسع لمجاز الصمت السياسي .. الدين والحكمة، وثالثا: الصمت السياسي، ورابعا: الصوم السياسي، ويسهب في شرح الصمت السياسي، وحالاته التسعة، وهي، الصمت والتمنع، و الصمت والمقاومة، والصمت والتفاوض، والصمت والدعاية، والصمت والتعبير الجمعي، والعنصرية الصامتة، والحرب الأهلية الصامتة، والثورة الصامتة والسيطرة الصامتة، وتحت عنوان”ما الصمت”،  يرى الكاتب أن الصمت وسيلة للمقاومة والاحتجاج غير المعلن، ويشبهه بتيارات الماء المنسابة في الأعماق تحت الأمواج المتلاطمة على السطح، ويشير إلى أن الصمت السياسي يتماهى مع طبيعة مجتمعنا، حتى ولو كان أفراده يتفاعلون من خلال وسائط العالم الافتراضي، ويصف الصمت بأنه مخترع ثقافي يحبه الحاكم الذي لايريد أن ينتقده أحد.

ويستشهد الكاتب بعبارة لميشيل فوكو، على أن الصمت سمة مشتركة لمعظم المجتمعات، بما فيها الدول الديمقراطية، حيث يكشف فوكو عن وجود رقابة معلنة وأخرى مختفية في فرنسا، تقلل من فرص الكلام طوال الوقت، ويشير إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي يعزف عن استخدامها كثيرون، حكام ومحكومين، بما يجعلها لاتؤدي هدفها المتمثل في مقاومة الفردانية والاغتراب، ويوضح الكاتب أن هذا كله يثير عدة تساؤلات هي، ماذا يعني الصمت؟ وكيف يمكن التعامل مع الصمت باعتباره موقفا سياسيا، إن كنا لا نعرف أساسا أسبابه أو ما إذا كان السكوت ذا مغزى سياسي من عدمه؟  وهل صار الصمت مفيدا في حياة سياسية مفعمة بالضجيج؟ وما هي الأشكال التي يتخذها الصمت في عالم السياسة الرحب؟

وتحت عنوان”أولا: ما الصمت”، يعرف الكاتب الصمت بأنه نظام تواصلي من الأنظمة العلاماتية غير اللفظية التي يمكن من خلالها إيصال الرسالة من المرسل إلى المستقبِل، ويؤكد أن التراث البلاغي العربي يحتوي على ما يدل أن الصمت درجة رفيعة من البلاغة، ويستعرض أربعة أشكال للصمت، ويستدل بها على أن لغة الصمت أبلغ من لغة الصوت،  ويستدل بتجارب الشعوب لتوضيح أسباب الصمت من جانب المحكومين ومن جانب السلطة، ويلفت الانتباه إلى ثلاثة أمور أساسية تتعلق بالصمت و يجب وضعها في الاعتبار ، ويخلص إلى أن الصمت كلام غير منطوق، قد يعبر عنه صاحبه بحوار داخلي غير مسموع، أو شرود في معنى، أو تدبر في سكوت، وقد يسكت دون نطق، أو يرتب أفكاره صامتا ثم ينطق بها،  ويشرح الفارق بين تعريف الصمت من الناحية النظرية وتعريفه من الناحية العلمية، وذلك بتعريفه العلمي للسكوت بأنه الغياب الكلي أو النسبي للصوت المسموع.

ويستعرض الكاتب لآراء بعض العلماء والشعراء والكتاب عن الصمت، فالصمت لغة ولهجات وأقوال مجازية، بحسب أساتذة علم الأعصاب وخبراء علم اللغويات الاجتماعي، ويحيل في هذا الصدد إلى رأي للدكتور مصطفى محمود، يقول فيه، ” للصمت المُفعَم بالشعور حُكم أقوى من حكم الكلمات، وله إشعاع وله قدرته الخاصة على الفعل والتأثير .. فما أبلغ الصمت، وما أقدره على التعبير”.، ويحيل أيضا إلى قصيدة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش يؤكد فيها على قدرة الصمت على تصوير الحال، كما يحيل إلى قصيدة أخرى للشاعر فيصل الجبعاء، يقول فيها:” عبثا نهرب..من سعة الصمت إلى ضيق الكلام..

ويستشهد  الكاتب على أن الصمت لغة مجازية وإشارية بقصائد لشعراء آخرين ، حيث لغة العين الإشارية في التعبير عن الحب أكثر من كل الكلمات، ويستدل على أن الصمت لغة ولهجات أيضا بوجود لون أدبي جديد يسمى أدب الصمت، حيث يقول الكاتب الإيرلندي صمويل بيكيت أن المعنى الجوهري للكتابة، يجب أن يكون أقرب إلى الصمت، ويرى أن أدب الصمت يقصد منه أنه لا شيء هناك أعبر عنه. لا شيء أعبر به. لا شيء أعبر منه. لا رغبة في أن أعبر عن شيء. ذلك كله مع الالتزام بأن أعبر”.

وينتقل الكاتب إلى علاقة الدين والحكمة بمجاز الصمت السياسي، باعتبارهما فضاء أوسع له، ويوضح أن  الصخب السياسي تزداد حدته عندما تشتغل التنظيمات والجماعات الدينية في السياسة، حيث يلعبونها بمنطق الوعاظ، ويعتقدون أن ذروة البلاغة تتمثل في الصراخ المفعم بالطنين والرنين والرطانة والسجع،ويؤكد أن الصمت يعد نوعا من العبادة في الكثير من الأديان، الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية لمساعدة الإنسان على مقاومة شرور النفس ومساهمته في تعزيز التحلي بالصبر والسكينة، ولو من باب الحكمة،  ويستشهد هنا باهتمام الإسلام بفضائل الصمت،حيث اعتبره القرءان الكريم نوعا من الصيام على لسان مريم البتول، وحفذ عليه الرسول في أحاديث منها، “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”،ومنها أيضا “من صمت نجا”،ويتجسد الصمت لدي الصوفية في التأمل وأداب الحضرة، ويتجلي الصمت في المسيحية من خلال مكانته الكبيرة في العبادة، ويتجلى في الديانة البوذية من خلال إمعان الكهنة البوذيين في الصمت للوصول إلى “النيرفانا”.

ويشير الكاتب إلى أن الصمت هو مصدر القوة في الهند واليابان، ويؤكدأن الثقافة اليابانية التقليدية “البوشيدو” تفرض على المواطن الياباني مقابلة الألم بالصمت، ويعرض الكاتب لأقوال بعض فقهاء الإسلام وفلاسفته في تبيان فضائل الصمت، حيث يرفض الجاحظ الكلام إن كان من باب الإسهاب والتكلف، والخطل والتزيد،ويقول المواردي، “حق على العاقل أن يحترز من الزلة بالإمساك عن الكلام أو بالإقلال منه”، ويعبر الشاعر أبوالعتاهية عن فضل الصمت بقوله،””والصمت أجمل بالفتى .. من منطق في غير حينه”، “كل أمرئ في نفسه .. أعلى وأشرف من قرينه”.، كما يعرض لأقوال مأثورة، منها ،”إذا تمَّ العقل نقص الكلام” ، و”إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”. ، ويثني أحد الحكماء على الصمت بقوله، “هو زينة بدون حلية، وهيبة بدون سلطان، وحصن بدون حائط.”، ويخلص الكاتب من هذا كله،إلى أن أن الصمت الذي يمكن أن يرد إلى أفكار السياسة وممارساتها، لا يحلق في فراغ، إنما يتأسس على جذور من تعاليم الأديان وأقوال وآراء الحكماء، وهذا يعطيه بالقطع عمقا وتأصيلا، ويمد المدافعين وكذلك المطالبين به في بعض الأوقات حجية ما.

وتحت عنوان”الصمت السياسي”، يسرد الكاتب للآراء المتباينة حول الصمت والتي تتراوح بين اعتباره حكمة وبين اعتباره موت، ويرى أن الصمت يمكن تحويله من طاقة سلبية تنطوي على الاستسلام أو الاستلاب أو الترقب أو اللامبالاة إلى فعل مقاوم، قد لا يقل في بعض الحالات عن النضال المسلح أو الاحتجاج المدني القوي، ويشرح الكاتب بإسهاب وتفصيل عدة حالات يلعب فيها الصمت السياسي ذلك الدور المشار إليه، منها حالة الصمت والتمنع، وفيها يصمت المحكومين عن التجاوب مع نداء السلطة المستبدة لهم،وتنزعج السلطة كلما استعصم المحكومين بالصمت، وخاصةً في أوقات الانتخابات والاستفتاءات والرغبة في حشد الجماهير حول مشروع قومي، وتضطر السلطة في هذه الحالة إلى دفع التابعيم لها إلى النزول لحشد الجماهير حول خطابها وبرامجها.

وينتقل الكاتب إلى حالة الصمت والمقاومة، وهي حالة يحفل بها تاريخ المناضلين السياسيين في السجون والمعتقلات اللذين التحفوا بالصمت وقت أن كان أعداؤهم يطلبون منهم التحدث، ويكشف عن ذلك أدب السجون ومذكرات السجناء ، ويوضح أن كراهية المناضلين للمستبدين منحتهم قوة كبيرة لتحمل التعذيب الجسدي والمعنوي والاستمراء في موقفهم الرافض للكلام والمقاوم بالصمت،ويشير  الكاتب إلى أن  الأدبيات التي أنتجتها الجماعات والتنظيمات السياسية المطاردة في الحياة العربية تكتشف كيف لعب الصمت دورا مهما في حمايتها، والإبقاء على جذوتها مشتعلة .

 وفي حديثه عن حالة الصمت والتفاوض ، يوضح الكاتب كيف يمكن توظيف الصمت في التفاوض لتحقيق أهداف المناضلين والمعارضين، ويرى أن للصمت أثناء التفاوض دلالات ومعان كثيرة، فهو قد يعني التفكير العميق، أو عدم الارتياح لفكرة أو مقترح تم إبداؤه، أو الرغبة في الانسحاب، أو العمل على ترتيب الذهن حيال التكتيكات والتصورات والخطط، وينتقل الكاتب إلى حالة الصمت والدعاية، حيث يستخدم الصمت السياسي كأسلوب للدعاية، إلى جانب دوره في التفاوض، ويكشف عن رأي الدكتور عبدالقادر حاتم حول كيفية تعامل السلطة حيال الأخطاء التي ترد في البيانات الرسمية للأعداء، حيث يرى أن تجاهلها هو الأسلوب الأمثل للتعامل معها.

ويتحدث الكاتب عن حالة الصمت والتعبير والمجتمعي، ويتمثل في حمل لافتات تحمل مطالب فئات بعينها وتعبر عن رفض وغضب واحتجاج، ويشير في هذا الصدد إلى حالة أعرض وأعمق رصدها عالم الاجتماع المصري سيد عويس في كتابه “هتاف الصامتين” ، جمع فيه ألف كلمة وعبارة من خمسمائة مركبة ويبين فيه كيف يواجه بسطاء المصريين المجهول، ويتحايلون على أوضاعهم السياسية والاجتماعية البائسة، بكتابة عبارات على أجساد السيارات والعربات، أو ما يعلقونه داخلها من تمائم وأشياء درءا للحسد، أو طلبا للرزق، أو لمواجهة الغيب الذي ينتظرهم.

ويتحدث الكاتب عن حالة الصمت والتعبير والمجتمعي، ويتمثل في حمل لافتات تحمل مطالب فئات بعينها وتعبر عن رفض وغضب واحتجاج، ويشير في هذا الصدد إلى حالة أعرض وأعمق رصدها عالم الاجتماع المصري سيد عويس في كتابه “هتاف الصامتين” ، جمع فيه ألف كلمة وعبارة من خمسمائة مركبة ويبين فيه كيف يواجه بسطاء المصريين المجهول، ويتحايلون على أوضاعهم السياسية والاجتماعية البائسة، بكتابة عبارات على أجساد السيارات والعربات،ويؤكد الكاتب أن حالة  العنصرية الصامتة موجودة في مجتمعات منها المجتمع الفرنسي، حيث تقوم”الأغلبية الصامتة” بتصرفات وسلوكيات يومية صغيرة، تبرهن عليها، مع أنها محظورة قانونا، أو على المستوى الرسمي، ويقدم الكاتب شرحا وافيا لمفهوم الحرب الأهلية الصامتة، ومفهوم الثورة الصامتة، ، وهو مصطلح يعكس مقاربة تركية ويستعمله ويليام واغنر الاصطلاح نفسه في وصفه لطريقة انتشار الدين الإسلامي في الغرب، ويمكن أن يمتد، بحسب رؤية الكاتب، إلى ما يمكن أن نطلق عليه النزع الصامت للشرعية، وهي شكل من أشكال تجريد السلطة الحاكمة من كل مقوم أخلاقي وسياسي طبيعي يضفي عليها الرضاء الشعبي المطلوب، والذي يمثل جوهر الشرعية، بعيدا عن التصورات والتبريرات النظرية والمماحكات والجدل القانوني.

ومن المفاهيم المهمة التي تطرق لها الكاتب،هو مفهوم حالة السيطرة الصامتة،وهي سيطرة متوارية وناعمة وغير معلنة،ويندرج تحت ذلك تحكم الشركات الاحتكارية الكبرى في الحكومات من خلال تحكمها في الاقتصاد وإدارة الدولة، وهو أمر يضر بالعدالة والديمقراطية، حيث استسلمت بعض الحكومات لفكرة إبعاد المواطنين عن السياسة،وهو البعد الناجم عن تراجع ثقة الناس في حكومات دولهم بسبب هيمنة شركات احتكارية كبرى على موارد وامتيازات هائلة فيها، ويحيلنا الكاتب بشأن السيطرة الصامتة للسلطة على المجتمع، إلى رؤية ماكس فيبر،حيث يرى انها تتم بثلاثة أشكال هي،السيطرةالكاريزمية، وفيها يتم الخضوع لمقدس وبطولي منسوب لشخص الحاكم،والسيطرة التقليدية وتتركز على قداسة التقاليد، والسيطرة الشرعية أو العقلانية ، وتتأسس على الإيمان بشرعية ومشروعية القوانين والقرارات.

وتحت عنوان “رابعا: الصوم السياسي”، يرى الكاتب أن الناس يصومون عن السياسة أحيانا، لأسباب عديدة، منها الملل، والصد عنها، والخوف من ممارستها، والرغبة في نيل استراحة منها لبعض الوقت،ويوضح أن الملل يحل بالناس عقب مرورهم بمرحلة فيضان سياسي مليئة بالثرثرة في كل اتجاه، وأن الخوف يأتي بفعل الاستبداد السياسي، الذي يجعل للكلام في السياسة ثمنا باهظا، ويؤكد الكاتب أن الاستراحة من السياسة قد تكون اختيارية لدى البعض، وإجبارية لدى آخرين.

ويعرض الكاتب لآراء مختلفة حول الصوم السياسي كمجاز سياسي، ومنها اتجاه يطابقه مع الصيام بمعناه الديني والبيولوجي، ومنها من يرى ضرورة أن تتحلى ممارسة السياسة مع الصيام بشروطه، بحيث يكف أغلب الساسة عن الكذب والثرثرة والقدح في الخصوم أو المنافسين وهجائهم، والغش والتدليس وتضليل الناس، ومنها أيضا مجاز مقابل أو مضاد يحول “الصوم” إلى استراتيجية سياسية، أو على الأقل “تكتيك” سياسي، بمنحه معاني جديدة تربطه بالنضال في سبيل العدل والحرية،أو بجعله التصرف المقابل للتنافس والصراع السياسي الضاري الذي يظهر فيه السياسيون،كل أوجه البطر والرخاء والرفاهية التي ينظمها مرشحو الانتخابات مثلا، بغية الفوز،بشراء الأتباع والمناصرين والمؤلفة بطونهم،ويشير إلى أن الصيام السياسي يتحول إلى فضيلة خاصة في أي بلد “يعاني من فوضى السجالات والكلام المجاني والوعود العرقوبية، وأحيانا يكون نوعا من الهروب إلى الأمام، أو تعبيرا عن حالة الفقر التي تبرز أكثر في شهر رمضان، وأحيانا يكون إشهارا لمخاضات لم تحدد ولادتها بعد، أو لانسدادات لم تجد من القنوات ما يسمح لها بالانسياب.”

وينهي الدكتور عمار علي حسن كتابه المعنون بـ”المجاز السياسي” بخاتمة تشتمل على 1000 كلمة، يؤكد فيها أن علم السياسة كسب كثيرا حين انتقل من “الينبغيات” إلى “الجاريات” أو “الساريات” متلمسا خطى العلوم السلوكية، التي ألهمت دارسي السياسة بمختلف فروعها طريقة لفهم نفسية الفرد وشخصيته ودوره في صناعة المواقف والقرار والظواهر والأحوال والمسارات، التي تمضي فيها المجتمعات الإنسانية إلى الأمام أو تتراجع إلى الخلف، ويؤكد الكاتب كذلك على انتقال هذا العلم من التعامل الغزير مع السياسة على أنها “سلعة”  إلى إدراكها كـ “خطاب” قد أضاء كثيرا من الجوانب والزوايا المعتمة التي ألقت ظلالا كثيفة، خلال زمن ليس بالقصير، على دراسة الأفكار والممارسات السياسية، المقيم منها والعابر، والعميق والسطحي، والجوهري والعارض، والمتأزم والطبيعي.

ويشير الكاتب إلى ضرورة فهم مضمون النص السياسي عن طريق سبر أغوار التعبيرات فيه، شفاهية كانت أم مكتوبة، وذلك لفهم ماتنطوي عليه من مجازات، بدلا من الطريقة التقليدية لفهما والمتمثلة في تحليل المضمون الكمي والكيفي، ويؤكد أن فهم الكلام المعبر عن الواقع لايمكن أن يتم على الوجه الأكمل، إلا عن طريق المجاز وسطوته، ويشدد على أن كتاب الخيال السياسي تم تأليفه لتحقيق ذلك الهدف، حيث يصف كتابه بأنه محاولة للفت انتباه دارسي السياسة وباحثيها، والعاملين فيها، والمنشغلين بها، والعائشين لها، إلى أهمية المجاز في فحص حقل السياسة تفكيرا وتنظيرا وتعبيرا وتدبيرا، كما يؤكد الكاتب على نقطة غاية في الأهمية، حيث يقول: إن ما ورد هنا لا يقف عند علم البلاغة وشجونه، إنما يخص الاجتماع السياسي وشؤونه، واقفا على الجسر العريض الواصل بين هذين الحقلين المعرفيين، يريد أن يبلغ منتهاه، كي يكشف عن مسار ومساق مسكوت عنه.

ويقول الكاتب في نهاية الخاتمة: “لم يكن هدف هذا الكتاب بالطبع هو دعوة إلى ترصيع الخطاب السياسي بألوان من المجازات توضع فيه عمدا، كقلائد زينة، إنما مشاكسة أو مساءلة الذين يعتقدون أن السياسة تدور حول حقائق، ليروا وجهها الآخر وهو أنها أيضاً يمكن أن تحل بقوة في رحاب المجاز وركابه، دون أن يعني هذا دعوة الناس إلى مجافاة السياسة وهجرها إلى الأبد، بل سعى إلي إجلاء بعض الغموض، وكشف بعض التلاعب الذي يسكن قلب السياسة وعقلها، بما يسهم في هز المسلمات الزائفة، والتصورات الجامدة، وإماطة اللثام عن كثير من المكر والخداع الذي يحيط بالسياسة عبر توظيف اللغة.”

ويحرص الكاتب، بعد الخاتمة، على كتابة  مسرد بأهم المجازات السياسية المتداولة، وخاصة تلك التي تم استخدماها في دراسته الشاملة عن المجاز السياسي، ويقدم من خلاله شرح علمي وتأويل مجازي لكل مصطلح من هذه المصطلحات،ويُعقب ذلك بمعلومات تفصيلية للتعريف بالكاتب، تحت عنوان الكاتب في سطور، كعالم إجتماع سياسي، وكاتب كبير حاصل على جائز الشيخ زايد، وكمفكر وروائي وأديب لها أكثر من 20 رواية ومجموعة قصصة ، فضلا عن كونه شاعرا وله ديوان شعر كتبه في ميعة الصبا بعنوان”لا أرى جسدي”.

مقالات من نفس القسم