فلورا آني ستيل
ترجمة: أحمد عودة
كان يا مكان في قديم الزمان، عجوز فقيرة ووحيدة، تشعر بأنها أسعد الناس على هذه الأرض، على الرغم من أنها لا تمتلك إلا القليل ليشعرها بتلك السعادة، عاشت في كوخٍ صغيرٍ للغاية، وكانت تجني قوت يومها بخدمة الجيران وجلب متطلباتهم، وتأكل وتشرب مما يعطيها الجيران مقابل خَدماتها. لكنها كانت واسعةُ الحيلة حيث تأقلمت مع هذه المعيشة، مسرورة دائما ولم تفارق الابتسامة وجهها أبداً، كأنها تعيش معيشة الملكات.
وفي إحدى أمسيات الصيف، بينما كانت تتمشى إلى كوخها القديم المتهالك وابتسامتها العريضة تظهر على وجهها، تفاجأت بشيء أسود ملقى على جانب الطريق فإذا هو قدر كبير.
قالت متعجبة: “يا بشراي! هذا هو الشيء الذي أحتاجه الآن، لو أنني أملك بعض الطعام لأضعه فيه! لكنني لا أملك الطعام! يا ترى من الذي يترك قدراً على جانب الطريق هكذا؟”
وأخذت تتلفت يميناً ويساراً ظانة أن أصحاب القدر لم يبتعدوا كثيراً؛ لكنها لم تر أحداً.
بعدها قالت: “ربما يوجد ثقبٌ في القدر لذلك تخلوا عنه أصحابه. لكنه سَينفع كوعاءٍ للزهور بجانب نافذتي، أظن أنني سَآخذه معي الى البيت.
وما إن توقفت عن التحدث رفعت الغطاء لرؤية ماذا يوجد داخل القدر وإذا هي بِصارخة من الذهول “يا إلهي إنه مليء بالقطع الذهبية. يا لحظي السعيد”.
وها هو ذا قدرٌ مليء بالقطع الذهبية. وما كان منها إلا الوقوف مصدومة، مُتسائلة إذا كان ما تراه حقيقياً.
ومن ثم قالت:
“يا سلام! أشعر بالثراء. أشعر بالثراء الفاحش”.
بعد أن كررت ذلك عدة مرات، بدأت تتساءل كيف يمكنها نقل كنزها إلى الكوخ. فقد كان ثقيلا للغاية ولن تقدر على حمله فأتَتها فكرة ربط طرف شالها به وجره وراءها كعربة.
وقالت في نفسها وهي في طريق العودة إلى الكوخ: “سيحل الليل قريباً، ولكن هذا أفضل لأن الجيران سَيكونون نائمين ولن يقدروا على رؤيتي جالبةً الكنز إلى البيت، وسيكون معي الليل بطوله لِأفكر ماذا سأفعل به، ربما سأشتري قصراً وأبقى جالسةً بجانب المدفأة أشرب الشاي وأعيش كملكة ولا أعمل ابداً. أو سأدفنه بالحديقة وسأبقي القليل منه في طقم الشاي الصيني على رف المدفأة. أو يمكنني….. يا إلهي! أشعر بالحماس لدرجة لا أستطيع التعرف على نفسي!”
مع مرور الوقت تعبت العجوز من جرّ هذا الوزن الثقيل، فتوقفت لتستريح قليلاً، والتفتت للاطمئنان على كنزها وإذ…..
لم يكن القدر مليءٌ بالذهب، بل قطعة كبيرة من الفضة!
حدّقت العجوز بالقدر لفترة، ثم فركت عينيها، ومن ثم عادت إلى التحديق مجدداً.
وقالت أخيراً:” لا! لم أفعل! وأنا ظننته مليءٌ بالذهب! أعتقد أنني كنت أحلم. لكن هذا هو الحظ!! فلن أواجه الكثير من المشاكل؛ لأن الفضة يسهل التعامل معها، ويصعب سرقتها، على عكس الذهب الذي قد يجلب لي وجع الرأس، سأفعل بهذه الفضة….”
وها هي عادتٌ مرةٌ آخري للتخطيط والتفكير ماذا ستفعل بهذه الفضة، والشعور بالثراء، حتى تعبت مجدداً وتوقفت لتستريح والتفتت للاطمئنان على كنزها؛ وما رأت إلا قطعة كبيرة من الحديد!
قالت مجدداً:” لا! لم أفعل! وأنا قد ظننته فضة! أعتقد أنني كنت أحلم. لكن هذا هو الحظ. من الجيد أنه حديد، يمكنني بيعه والحصول على بعض المال. وأظن أنها تناسبني أكثر من الذهب والفضة، لماذا؟! لأنني ما كنت لِأقدر على النوم خوفاً من أن أُسرق، لكن مع هذا المال لن أضطر للقلق حول ذلك. وسأبيع هذا الحديد مقابل الكثير منه وسأصبح ثرية، ثرية للغاية.”
وها هي ذا عادتٌ للمشي مجدداً والتفكير كيف سَتنفق هذه الأموال، حتى توقفت لتستريح مرةً أخرى والتفتت للاطمئنان على الكنز. وهذه المرة لم تر سوى حجرا كبيرا.
قالت وابتسامتها ظاهرة على وجهها: “لا! لم أفعل! مرةٌ أخرى وأنا قد ظننته حديداً! أعتقد أنني كنت أحلم. لكن هذا هو الحظ بالفعل؛ طالما رغبت بحجرٍ كبير لإبقاء البوابة مفتوحة. ما أحلى أن يكون حظك جيداً وأن يستمر بالْتغير للأفضل!”
وبعدها عادت مسرعةً إلى الكوخ لرؤية كيف سُيبقي هذا الحجر البوابة مفتوحة. ففتحت البوابة والتفتت لتحل شالها عن الحجر الذي كان وراءها على الأرض. نعم! إنه حجرٌ بالتأكيد. حيث توفر الضوء الكافي لرؤيته على الأرض جامداً كما يجب أن تكون عليه الحجارة.
فانحنت عليه لحل نهاية الشال، وفجأة قفز الحجر مصدراً أصوتاً، وفي أقل من ثانية تغير حجمه ليصبح كحجم كومة القش. وأظهر أربعة أرجل طويلة وهزيلة وأذنين طويلتين، وذيل طويل عظيم فقالت العجوز: ” ما هذا! أتحول الحجر إلى مخلوق عجيب!” وبعدها هرب هذا المخلوق مسرعاً يركل ويئن ويضحك كأنه صبيٌ شقيٌ مشاغب!
واستمرت بمشاهدته حتى ابتعد ولم تعد تراه، وبعدها انفجرت من الضحك.
وقالت: “يا له من حظ! حظي من أجمل وأفضل الحظوظ على هذه الأرض. فقد تمكنت من رؤية هذا المخلوق العجيب لوحدي؛ وهذا أسعدني كثيراً، يا سلام! رفع هذا المخلوق من معنوياتي، وأدخل السرور الى قلبي.
ورجعت في النهاية إلى كوخها وأمضت مساءها مبتسمة وضاحكة من حظّها الجميل.