ـ العمل الأدبي الذي لا يروق لي هو (عمل سيىء)؛ فأي كاتب حينما يقرر كتابة أي نص لابد ألا يحدد له هدفاً يتجاوز إرضائي أنا بالذات، وبناءً على ذلك يصبح عملاً رديئاً إذا لم يحقق هذه الأمنية.
ـ إذا وجدت في العمل الأدبي الذي لم يعجبني تناصاً بارزاً مع عمل آخر، أو صلة ظاهرة بمادة فنية أو محتوى تاريخي، أو اشتباكاً مع نظرية نقدية معينة، أو مضامين فلسفية محددة، أو مع أفكار وتحليلات في علم النفس، أو استخداماً لتقنية سرد مقصودة مثلاً فإنني لا أجد مبرراً لبذل جهد في التفكير والبحث ـ ولو باستخدام (جوجل) ـ للعثور على اكتشافات يمكن أن تثمر عن هذه التناصات أو الصلات أو الاشتباكات .. أنا أثق تمام الثقة في صحة انطباعاتي، وصواب رؤيتي التي تتضاءل أمامها أهمية أي إدراكات أخرى .. ثقتي في ذاتي تجعل الأمور أكثر سهولة بالنسبة لي؛ فهي تحميني من ممارسات ذهنية شاقة لست مضطراً لها خاصة لو كنت مدافعاً عن الأدب المحترم، المقاوم للقبح والظلم والابتذال، والملتزم بالأخلاق الحميدة .. الكتابة الرافضة للفحش والبذاءة، التي تقدس قيم الحب والحق والخير والجمال؛ حيث لابد لأي كاتب ـ مهما كان جحيمه ـ أن يدهن (روحي) بها، وبالكيفية التي (تريحني).
ـ عند كتابة ريفيو للنص الذي لا يروق لي يجب أن أستخدم تعبيرات كـ (أخفق الكاتب في …)، (لم ينجح الكاتب في …)، (فشل الكاتب في …) لأن هناك ثمن ينبغي للكاتب أن يدفعه نتيجة عدم إرضائي شخصياً، وذلك بتوثيق الأسباب التي حرمتني من الإشباع في صيغة إدانة تحمّل الكاتب مسؤولية عدم معرفته باحتياجاتي أنا بالذات التي ـ دون شك ـ هي نفس احتياجات مجتمعي وتلبيتها .. تضحكني سخافات مثل: (لكل عمل أدبي قانونه الخاص) .. (المنطق الشخصي للكاتب) .. (الدوافع الجمالية للنص) .. كل هذه اللافتات البراقة مجرد هراء ذائع، وتفاهة طاغية؛ فلا يوجد سوى قانوني أنا الذي لابد أن يكون قانون الجميع، ومنطقي أنا الذي لابد أن يكون منطق الجميع، ودوافعي أنا التي لابد أن تكون دوافع الجميع، وإلا لصارت الحياة عبثية ليس لها حاكم.
ـ تعبيرات مثل (أخفقت في التواصل مع هذه الرواية)، (لم أنجح في تكوين علاقة مع هذه القصة)، (فشلت في استيعاب هذا الكتاب) التي يستعملها قراء آخرون هي بالنسبة لي عبارات مائعة، رخوة، تتسم بقدر غير مقبول من الدونية؛ إذ أنها لا تتفادى عقاب الكاتب بشكل قاطع ومباشر وحسب، بل وتمرر أيضاً بطريقة أو بأخرى انطباعاً بتوجيه هذا القارىء الاتهام لنفسه باعتباره موصوماً بالخلل الذي تسبب في (غياب الاستفادة)، و(منع التوافق) مع النص، وهو العار الذي لا يمكن ـ بديهياً ـ إلحاقه إلا بالكاتب.
ـ إذا صادفت احتفاءً لجمهور من القراء بكاتب ما أعتبره (سيئاً)، أو بعمل أدبي أراه (رديئاً) فإنني لابد أن أمتد بالإدانة التي سبق ووجهتها للكاتب أو للعمل الأدبي إلى هذا الجمهور من القراء باعتبارهم فئة من الساذجين والحمقى الذين أثبتوا أنهم (لا يعرفون كيف يقرأون) بعدما أعجبوا بكاتب (لا يعرف كيف يكتب) .. أؤمن بأن عليّ واجب مطاردتهم، ومعاقبتهم بالشتائم أحيانأً، وبالسخرية أحياناً، وبالتساؤلات المستنكرة أحياناً، أو بمزيج من كل أسلحة الردع هذه في أحيان أخرى، ليس فقط جزاءً لهم على عدم اعتناقهم ليقيني تجاه ذلك الكاتب، وعجزهم عن إدراك (العيوب الواضحة) في عمله الأدبي، وإنما كدور تنويري ملزم به، ورسالة تطهيرية تحتم عليّ التدخل لتصحيح (الحالة الأدبية العامة)، وإنقاذ (المناخ الثقافي) من الرذائل السائدة.
ـ لدي احتياج عظيم إلى المتعة الناتجة عن (الإبداع) في الإدانة سواء على صفحات التواصل الاجتماعي أو مواقع القراءة أو المدونات؛ إذ أشعر بأن وجودي في الحياة يكتسب قوة وقيمة مع كل لحظة أكتب فيها أنني كدت أتبول على إحدى الروايات، أو ألقيت بها في القمامة، أو طوّحتها من نافذة البيت أو شباك القطار، أو أعطيت كتاباً ما إلى بائع الطعمية أو بائع اللب، أو عرضته كهدية مجانية لأي أحد يرغب في الحصول عليه.
ـ إذا واجهت تعليقاً أو رأياً مخالفاً بعد كتابة إدانتي لعمل أدبي، يريد إقناعي بأنه لا ينبغي تناول الكتابة بتصنيفات الجودة والرداءة، أو بمعايير الصواب والخطأ فإنني أقوم على الفور باستدعاء الرد التقليدي الجاهز وكتابته: (رأيي ليس حكماً مطلقاً، بل مجرد وجهة نظر تعبّر عن ذائقتي الشخصية، التي يمكن أن يتفق أو يختلف معها الآخرون) .. أكتب هذا الرد وعلى وجهي ابتسامة مطمئنة لا تخلو من التهكم تقول: (أنجزت العقاب وانتهى الأمر، لقد وضعت هذا الكتاب في مكانه المناسب).
ـ القراء الذين يتفقون مع يقيني عن عمل أدبي ما أو عن أحد الكتّاب لا يعدون بالنسبة لي مجرد مثقفين حقيقيين أو أخوة في المعرفة الأصيلة أو أصدقاء في الفهم السليم بل علامات من الغيب، أعتبر نفسي جديراً بأن تُبعث إليّ كي تؤكد لي من حين لآخر بأن الحق معي، ولتهوّن عليّ مصاعب الرحلة، وتثبّت إيماني بضرورة الاستمرار فيها، متمسكاً بعزيمتي.
ـ أحياناً أجد في نفسي ميلاً لتقديم لمسة رحيمة إلى ذلك الكاتب الذي عاش لحظات قاسية من الانتظار المرعب بعد صدور عمله الأدبي مترقباً بمنتهى القلق والتوتر انتهائي أنا شخصياً من قراءته حتى يعرف حقيقته ومصيره .. في بعض الأحيان أقتح نافذتي، وأنظر إليه وهو جالس تحتها يبكي وأخبره بأنني أعلم جيداً أن حكمي كان قاسياً، ولكن عليه أن يتقبله لأنه يليق بحجم الجريمة التي ارتكبها، وأن عليه مراجعة نفسه، والرجوع عن الطريق الفاسد الذي يمشي فيه، وأن يبدأ من جديد مسترشداً بنوري .. مهما كنت قاسياً، لا يجب على من (يعرفون قواعد الكتابة والقراءة) أن يكونوا مجاملين لمن (لا يعرفون قواعد الكتابة والقراءة) .. إنها أمانة إلهية .
ـ أنا أكثر البشر استحقاقاً لحمل لقب (ناقد)، خاصة لو كنت نشطاً على صفحات مواقع القراءة، لا أقوم بأكثر من كتابة سطور تختزل (المعاني العامة)، و(الأهداف الكلية) للأعمال الأدبية، أو ملخصات لـ (حواديت) الروايات، والمجموعات القصصية، و(أفكار) دواوين الشعر ـ وهي ميزة نادراً ما توجد في أحد ـ وخاصة أيضاً لو كنت أكاديمياً، أعلم الصغار ما هو (الأدب).