الصحافة الإلكترونية.. ابنة “بطة الخليج  البريَّة”!

تشكيل
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

شذى محمد البياع

شكَّلت انطلاقة الصحافة على الإنترنت ظاهرة إعلامية جديدة، ارتبطت بثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فأصبح المُنتج الإعلامي ملكًا للجميع، وفي متناولهم. صار المحتوى الإعلامي أكثر انتشاراً وسرعة في الوصول إلى أكبر عدد من المتصفحين، وبذلك تكون الصحافة الإلكترونية قد أنارت آفاقًا عديدة، وفتحت أبواباً مغلقة، وأصبحت أسهل وأقرب للقارئ..

وإن بدأنا بمفهوم الصحافة الإلكترونية فهي أي إصدار (لاورقي) على الإنترنت، ويتضمن المواقع الإخبارية الإلكترونية، وصحافة المدونات، ويمكن تعريفها بأنها الصحافة التي تُنتج وتُنشر عبر الإنترنت بشكل محدَّث، طوال اليوم، دون أن تحتاج إلى الطباعة والأوراق وتصل لجمهور محدد هم متصفحو الإنترنت ويقوم بها محررون يجيدون استخدام الحاسبات الإلكترونية.

أما عن نشأة وبداية تلك الصحافة فكانت في أواخرالسبعينيات وانتشرت في منتصف القرن العشرين وصارت واقعاً ملموساً مع بداية الألفية الثالثة، نتاجاً للتطور الهائل الذي شهدته تكنولوجيا الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت، ولكن لا يوجد تحديد دقيق لتاريخ أول صحيفة إلكترونية ولكن يمكن القول إن صحيفة “هيلزنبورج داجبلاد” السويدية هي أول صحيفة في العالم تنتشر إلكترونياً بالكامل، بدءاً من عام ١٩٩٠، ثم توالى بعد ذلك إنشاء الصحف الإلكترونية وصدرت أول صحيفة على شبكة “أمريكا أونلاين” وهي “شيكاجو أونلاين” عام ١٩٩٢. وبحسب رأي أكاديميين فإن أول موقع للصحافة الإلكترونية على الإنترنت هو موقع “بالو ألتو أونلاين” وقد أنشأته في عام ١٩٩٣ كلية الصحافة والاتصال الجماهيري في جامعة فلوريدا بأمريكا، ثم أُلحق به موقع “التو بالو ويكلي” عام ١٩٩٤ وهي الصحيفة الأولى التي تُنشر بانتظام على الإنترنت. وتعد صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أول صحيفة تُنفِّذ مشروعاً إلكترونياً وكان هذا المشروع بداية لظهور جيل جديد.

وأصدرت صحيفة “الشرق الأوسط” أول صحيفة إلكترونية عربية في عام ١٩٩٥. ويرى د.شريف درويش اللبان أن الصحافة الإلكترونية قد بدأت تلفت الأنظار إليها في أعقاب حرب الخليج الأولى عام ١٩٩١، عندما عرضت وكالات الأنباء العالمية صورة البطة البرية وهي تشرف على الموت بعد أن غرقت في مياه الخليج الملوَّثة بالنفط. وقد تعاطف الكثيرون في مختلف بلاد العالم مع هذه الصورة المؤثرة وأدان ما حدث من اعتداء صارخ على البيئة والطبيعة وتلويث مياه الخليج بسبب الأعمال الحربية التي تجاوزت كل الحدود.

ومما ساعد على ظهور الصحافة الإلكترونية الارتفاع المدهش في قدرات الكمبيوتر على تخزين، ومعالجة المعطيات الرقمية، فكل معلومة مُشفَّرة في شكل رقمي، وبالتالي أصبحت هناك إمكانية لإرسال المعلومات بسهولة، وبذلك ظهر القارئ الرقمي الذي يُفضِّل الاطِّلاع على الأخبار والمعلومات في المواقع الإلكترونية.

وتنقسم الصحافة الإلكترونية على الإنترنت إلى نوعين: الصحف الإلكترونية الكاملة وهي صحف قائمة بذاتها وإن كانت تحمل اسم الصحيفة الورقية. ويتميز هذا النوع بأنه يُقدِّم الخدمات الإعلامية والصحفية نفسها التي تقدمها الصحيفة الورقية من أخبار وتقارير وأحداث وصور، وصحافة أخرى تقدم خدمات الوسائط المتعددة، وخدمات إعلامية إضافية لا تستطيع الصحيفة الورقية تقديمها. والنوع الثاني هو النسخ الإلكترونية من الصحف الورقية ونعني بها مواقع الصحف الورقية على الشبكة التي تقصر خدماتها على تقديم كل أو بعض مضمون الصحيفة الورقية مع بعض الخدمات المتصلة بالصحيفة الأم مثل خدمة الاشتراك بالصحيفة الورقية، وخدمة تقديم الإعلانات، والربط بالمواقع الأخرى.

ومن أبرز سمات الصحافة الإكترونية النقل الفوري للأخبار ومتابعة التطورات التي تطرأ عليها مع قابلية تعديل النصوص في أي وقت، وقدرة الصحف الإلكترونية على اختراق الحدود والقارات والدول دون رقابة أو موانع أو رسوم، بل وبشكل فوري، ورخيص التكاليف، كما أن التكاليف المالية للبث الإلكتروني للصحف عبر الإنترنت أقل بكثير مما هو مطلوب لإصدار صحيفة ورقية..

وتوفر تقنية الصحافة الإلكترونية إمكانية الحصول على إحصاءات دقيقة عن زوار مواقع الصحيفة الإلكترونية، وقد منحت تقنيات الصحافة الجديدة عملية رجع الصدى (Feed Back) وهي إمكانيات حقيقية لم تكن متوفرة من قبل في وسائل الإعلام، وخصوصاً بالنسبة للصحافة، كما توفر الصحافة الإلكترونية فرصة حفظ المادة في أرشيف إلكتروني سهل الاسترجاع. وهذه المميزات تجعلها أكثر جذبًا للقرَّاء وخصوصًا الجدد.

أما سلبيات هذا النوع من الصحافة فيأتي على رأسها أن أغلبها يعاني من صعوبات تتعلق بالتمويل، وكذلك غياب التخطيط وعدم وضوح الرؤية المتعلقة بمستقبل هذا النوع من الإعلام، وعدم خضوعها للرقابة في ظل غياب الأنظمة واللوائح والقوانين التي تنظمها، وأيضاً غياب الإطار القانوني والمهني الذي ينظِّم عمل الصحفيين في مجال الصحافة الإلكترونية ويحفظ حقوقهم.

 وفي الختام تُعتَبر الصحافة الإلكترونية من الوسائل الإعلامية الحديثة مقارنة بالوسائل الإعلامية الأخرى من حيث النشأة والانتشار، إلا أنها سرعان ما لاقت قاعدة جماهيرية كبيرة من حيث التفاعلية وزيادة عدد المستخدمين، وجلهم من الشباب، الأمر الذي جعل هذه الوسيلة في مقدمة الوسائل الإعلامية من حيث الاستخدام والاطلاع. وقد نمت الصحافة الإلكترونية وظلت تتقدم إلى الأمام وتكرِّس لنفسها وجودًا ملحوظًا ومساحة واسعة لحرية الرأي والتعبير وتركت بصمات واضحة وأصبح لها قراؤها الذين يثقون بها، وبما تنقله من أخبار.

 

مقالات من نفس القسم