إدريس خالي
في بيته الأخروي تذكر أبي سنه الذهبية ونهض. كان الوقت أحدا. لقد قدر ذلك من الصمت المطلق الذي كان عليه جوار المقبرة. الأحد سوق وكل ناس القرية يتسوقون. رفع رأسه قليلا لعله يرى أحدهم وينادي عليه أن يقترب. غير أن الحارس المتجهم دوما رآه ونظر إليه. لم يقل شيئا ولكن نظراته قالت كل شيء. لذلك أعاد أبي رأسه إلى مكانه مفضلا التذكر وهو ممدد على جانبه الأيمن
أهم شيء يبقى للميت هو لسانه وسمعه. طبعا إذا لم يكن هناك من سمع ونظر فسيكون من العسير على حارسي بوابة الآخرة القيام بمهامهما. بعينيه نظر أبي في الجوار ورأى أن جيرانه لا يزالون نائمين. وقدر أن يكون الوقوف البارحة أمام يدي الحارسين للجواب عن أسئلتهما العديدة قد أتعبهم ولذلك لم يستطيعوا النهوض. بحث أبي عن مرآة ليتأكد من أسنانه. لم يكن هناك مرآة. في الآخرة تنتفي الحاجة إليها مثلما تنتفي الحاجة إلى المشط والموسى. لله أمواسه وأمشاطه ومراياه التي يضا تحت تصرف حارسيه فقط.
كان يود أن يرى نفسه بلا سن.
أيها السيد الحارس، قال وهو ممدد على البلاط. أيها السيد الحارس. هل لي أن أسألك وأنت سيد المكان عن سني. انظر إلي. هلى ترى سني هنا، في فمي؟
امتعض الحارس قليلا. غير أنه تذكر أن البنائين رجال يحتاجهم السيد الكبير في الدنيا والآخرة. ولذلك اقترب منه وقال له:
عن أي سن تتحدث؟
السن الذهبية التي كانت في فمي. لا أذكر أنني غادرت الحياة بلا سن.
افتح فمك جيدا. دعني أرى إن كانت هناك.
ويفتح أبي فمه للحارس وقد شده العجب.كيف لحارس باب الآخرة أن يتحول إلى كائن طيب. ويتذكر أنه لولا البنائين لبقي الناس يعيشون في الكهوف.
الحارس لا يتحرك بمشيئته، بل بمشيئة السيد الكبير الذي في مكان ما في الأعالي.
إن فمك خالٍ من أي سن ذهبية، قال الحارس.
لا يمكن، قال أبي. غير في الحين تذكر أنه هنا لا يمكن الرد على الحارس فاعتذر كثيرا. عندها اختف القلق من عيني الواقف أمامه وانصرف ليستقبل وافدا جديدا أتوا به أهله.
أين تكون سني قد ذهبت؟ قال أبي. علي أن أبقى يقظا هنا. فاللصوص المحترفون لا يتركون مكانا لا يذهبون إليه. قيل لي في اليوم الأول لوصولي إلى هنا إن لصا يقطن بالجوار. لا أحد ضبطه يسرق طبعا. غير أن الشكوك تحوم حوله. يقولون إنه يدر كل عملياته في الدنيا من هنا. في الليل البهيم يأتي شخص أو اثنان ويستشيرونه في كل شيء.
حتى الحارس عجر عن ضبط كل تحركاته، قالت جارة قديمة لأبي.
لا أظن. علينا أن نشك في كل شيء. ما أدرانا نحن؟ كل الوقت الذي نقضيه هنا ونحن نيام. أظن أن الحارس ينومنا بطريقته كي يترك المجال للص ليقوم بعملياته، يقول أبي وهو يحرك عينيه في المكان ليتأكد من أن الحارس مهتم بالوافد الجديد.
ويلتفت الحارس. كان في التفاته يبدو كما لو أنه يتأكد من خلو المكان من عيون تراقبه. لقد وضع الأهل الوافد الجديد وحيدا في بيته الأخروي وانصرفوا.
مسح الحارس المكان بعينيه الحادتين واقترب من الوافد. بآلة حادة رفع الشفة العليا للميت وشم أبي رائحة غريبة تنتشر في المكان فبدأ النوم يهجم عليه.
ثم اختلطت عليه الصور والأمكنة فغاب.
…………..
*كاتب من المغرب