لكن معرفتي بتجربة أحمد الشعرية، لم تكن مجرد معرفة من خلال قراءة شعره، لكن من خلال وجوده. حضوره كان شعريا بالنسبه لي. الولد النحيل، الأخ الأكبر وهشاشته المفرطة، وكيف أصبح مبكرا الأب والأخ وحامل المسؤولية. كيف كنت أراه وهو يترك مدرسته الثانوية ليعمل من أجل أن يدفع مصاريفي المدرسية ويساعد في نفقات البيت. رغم ذلك لم يشعرنا أبدا أنه تخلى عن شيء من أجلنا. حتى عندما ترك حبه الأول وسألناه لماذا، قال لأنني لا أستطيع أن أتخلى عنكم.
رحل والدي ونحن أطفال. ثلاثة بنات وولدان. ولم تكن لدينا ثروة نرتكن عليها وتحمينا من الحياة، لكن وجود أحمد كان ضروريا. كان الحنان الذي أمدنا به هو ما جعلنا، نحن البنات خصوصا، نكبر ونحن على ثقة أنه برغم فقدان الأب إلا أنه هناك ما يجمعنا. هناك البيت والصديق والسكن، وكان ذلك هو أحمد. كان هو السند.
ولدنا في بيت لأب محب للشعر، ليس حبا عاديا لكنه كان طقساً عائلياً يجمعنا. نجلس حوله وهو يقرأ لنا عنترة بن شداد والزير سالم وأبو زيد الهلالي وحمزة البهلوان وسعد اليتيم والقرآن الكريم، ويكأفئ من يقرأ أكثر بنقود. .
كان أحمد هو أول ما أخذني ليعرفني على المسرح وعلى مصر القديمة وعلى نفسي أيضا. بدون أن أشرح له كان يفهم مشاعري كأخ وصديق ووالد.
أما بالنسبة لشعره فديوانه امبراطورية الحوائط أحب دوايونه الشعرية الي، لانه يحكي فيه عن تجربة الطفولة والصبا وهى تعتبر بالنسبة لنا جميع، رغم ما فيها من الألآم هى أعمق تجربه مررنا بها.
وعندما كبرنا وتزوجت كنت أسكن في شقة مواجهة، أتذكر عندما ألقى القبض عليه أنه قال أنه ليس له أي علاقة بمن يسكنون في الشقة المقابلة وقد ترك رسالة أن أذهب للتجمع وسيتصرفوا ويرسلون محامياً له، وطلب ألا نأتي لزيارته ولا نعلن صلتنا به حتى لا يعرضني أنا وزوجي لأية مشكلة.
الآن عندما أفكر في أحمد مع الغربة التي بيننا بسبب سفري، ومع السنوات، أشعر وكأني أنا من أصبحت أمه الآن. أنا التي أخشى عليه الآن من الحياة والألم..