هانى عبدالمريد: أشبه محمد الفخرانى وتمنيت صداقة «بارون» كالفينو

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 32
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسن عبدالموجود

فى ندوة ما وجّه أحد الحاضرين السؤال إلى هانى عبدالمريد ومحمد الفخرانى: متى بدأت علاقة الصداقة بينكما؟ وقد ردّ الفخرانى ببساطة: «لا أتذكر ذلك على وجه التحديد، ولا أحاول، ولا أحب أن أتذكر، لأن هناك علاقات تكون أكبر من كل هذه التفاصيل»، لكن عبدالمريد فضَّل عدم البوح، مع أنه يتذكر تفاصيل اللقاء الأول جيداً، حتى لا يجرح فكرة الفخرانى.

يقول عبدالمريد صاحب «كيرياليسون» و«محاولة الإيقاع بشبح» و«أنا العالم»: «هل ستصدقنى لو قلت لك إننى أحاول الآن القبض على اللقاء الأول، وأجد أننى لا أتذكر، وكأننى أعرف الفخرانى منذ الأزل، كأنه مثلًا أحد  أصدقاء الطفولة، وكأن عمر الحكايات بيننا يمتد فى الماضى لآلاف السنين، لكنى أتذكر ندوة محمد جبريل وأقول ربما تقابلنا هناك عام 1999، فكلانا كان يحضر الندوة، لكننى لا أتذكر، بكل تأكيد، لحظة اتخذت قرارًا بصداقته، فأنا أتخيل أن الصداقة الحقيقية لا تأتى بقرار، والقرار ينطلق فى الغالب من منطق العقل والتفكير والحسابات، والصداقة الحقيقية هى محبة خالصة، لا تخضع لتلك الحسابات».

فى المرحلة الثانوية جلس خال هانى عبدالمريد مع بعض أصدقائه وزملائه من المدرسة، وفى نهاية الجلسة سأله مازحًا: «تعرف يا هانى إيه أفضل حاجة فيك؟»، وتخيل هانى أنه سيمتدح إحدى صفاته، ولكنه فوجئ به يقول: «أصدقاؤك»، واعتبرها مزحة، ولكن ظلت الكلمة ماثلة فى عقله لسنوات، ووجدها صفة حقيقية فيه: «أستطيع الحصول على أصدقاء رائعين، كل أصدقائى بالفعل هم أفضل منى، وهم سبب أصيل فى كل شىء جميل حدث فى حياتى، ومثلاً لو جلس مصطفى بدوى، وإبراهيم صلاح، وهما صديقان منذ أيام الابتدائية مع محمد الفخرانى سيصادقانه فوراً»، ويضيف: «ما يميز الفخرانى هو ما يميز محمد أبوزيد ومحمود فهمى والطاهر شرقاوى، وهو نفسه ما يميز أصدقاء طفولتى، لماذا نقول دومًا إن أصدقاء الطفولة لا يعوضون؟ لأن سبب صداقتنا هو أننا نشبه بعضنا، وليس من أجل مصلحة ما، لو استطعنا اختيار أصدقائنا بلا مصلحة مرتقبة، ستصير صداقتنا كصداقات الطفولة».

ويسرد هانى حكاية شهيرة ليدلل بها على عمق رابط الصداقة مع الفخرانى صاحب «فاصل للدهشة» و«ألف جناح للعالم» و«مزاج حُر»..

تقول الحكاية إن جندياً لم يعد من المعركة، فطلب صديقه من القائد الإذن ليبحث عنه، لكن القائد رفض، قائلاً له «من غير المنطقى أن تغامر بحياتك من أجل شخص مات فى الغالب»، لكن الجندى كسر أوامر رئيسه، وذهب بحثًا عن صديقه، ذهب وعاد بعد وقت مصابًا بجرح نافذ، حاملًا جثة ذلك الصديق، فقال له رئيسه متشفيًا: «ألم أقل لك ألا تغامر بحياتك من أجل جثة»، فأجاب الجندى وهو يحتضر «نعم يا سيدى، لكننى حين وصلت له كان ما يزال حيًا، وقال لى: كنت واثقًا أنك ستأتى». يقول هانى تعقيباً على تلك القصة الخيالية إن الفخرانى «هو الصديق الذى أعلم تمامًا أنه لا يتخلى، الفخرانى الصديق الذى لا يذكر أحداً بسوء، لا يتحدث عن أحد خلف ظهره، لا يعطى وعداً ويخلفه، وهو يعامل الروايات، كما يبدو لى أحياناً، كالبشر، فلا يتحدث بسوء عن رواية، لو لم يعجبه عمل سيفضل تجنب الحديث عنه، كأنه يعتبره شخصاً لا يحب أن يذكره بسوء فى غيابه، وذلك الأمر أيضًا ربما يرتبط بنظرة الفخرانى للحياة، النظرة التى تنتصر للجمال، كأنه يوفر طاقته ليتحدث عما يستحق».

وهل تتعارض صفاتكما؟ هل الصداقة تلزمها صفات متوافقة بين الطرفين؟ يجيب هانى: «هناك لعبة نمارسها أحيانًا فحين نقرأ رواية، قد يسأل أحدنا الآخر عن المشهد الأفضل فيها، أو اللعبة الأفضل التى اتبعها الكاتب، وفى كل مرة نضحك لأن اختيارنا يكون متطابقاً فى الأغلب».

ليس هذا فقط، فحينما يكون هانى والفخرانى جالسيْن بصحبة عدد آخر من الأصدقاء ويحدث أن يطرح أحدهم سؤالاً ما.. يؤخر هانى الإجابة قليلاً، ويختزنها فى أعماقه، ليسمع أولاً إجابة الفخرانى وليرى مدى التطابق بينها وبين إجابته التى لم تر الحياة بعد. يستدرك: «لكن هذا لا يعنى أننا متفقان على طول الخط، ولكن عامة هناك تشابه فى الذائقة الأدبية، وتقارب فى شعورنا نحو العالم، من الضرورى أن يكون هناك توافق بين الصديقين إلى حد ما، إلا أنه ليس من الضرورى كذلك أن تجمع الصديقين صفاتٌ متوافقة تمامًا، أى أحيانًا يكون هناك اختلاف فى بعض الصفات، لكنْ كل منهما يكمل جزءاً ما فى الأخرى».

يتبادل الاثنان بعض مخطوطات أعمالهما، لكنهما لا يفعلان ذلك دومًا، هانى يرى أن الصداقة تستلزم عدم وجود أى نوع من المجاملات، ويقول: «أنت حين تعطينى مخطوطك، فهذا يعنى أن قطعة من روحك بين يدى، وأنك وثقت فىّ إلى هذا الحد، وهذا الثقة تستلزم أن أبلغك برأيى الحقيقى، وهذا ما أفعله، ويفعله معى الفخرانى بالتأكيد».

الاثنان تجمعهما مواقف طريفة لا حصر لها، وهذه إحداها..

هانى يعيش فى مدينة «الشروق» ومن المغرمين بالحياة فيها، وطوال الوقت يدعو أقاربه وأصدقاءه للانتقال إليها، وظل يحدث الفخرانى كثيرًا عن هدوئها العظيم وهوائها النقى وجمالها الخلاب، حتى قرر الفخرانى منذ حوالى أربع سنوات زيارة للمدينة للبحث عن شقة مناسبة. استقبله هانى وركبا السيارة وظلا يقطعان شوارع المدينة شارعاً شارعاً، وينتقلان من ميدان إلى آخر، ومن عمارة إلى أخرى، ومن شقة إلى شقة، شاهدا عشرات الشقق، ومن كثرة «اللف والدوران» لم ينتبه هانى أنهما يبحثان بالقرب من فيلا رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل.

يكمل الحكاية: «وصلنا لشارع به الباب الخلفى لفيلا رئيس الوزراء السابق، اقتربنا ونحن نتحدث، ثم قررنا أن نعود للخلف ثم تراجعنا مقررين أن نكمل للأمام، ويبدو أن حركتنا أجبرت حارساً لم نكن نراه، على الظهور  فجأة محذراً من عدم التقدم، توقفت، وأمرنى بصوت مرتفع أن أبطل السيارة فأبطلتها، كانت (لادا) ذات موتور زاعق الصوت، وكانت بالصدفة ترموستات المروحة لا تعمل، فقمت بتوصيلها لتعمل طوال الوقت، وهكذا ظل صوت السيارة مرتفعًا كخلاط أسمنت، مما جعل الحارس يزعق: بطَّل العربية فوراً، فزعقت بدورى: أنا مبطَّلها فعلاً، فاقترب منى بعدما كان قد شد أجزاء بندقيته، وطلب الرخصة، ونظر فيها ثم قال بهدوء: تفضل، فعدنا أدراجنا، وقد نظرت لمحمد وأنا غرقان فى عرقى لأجده هادئاً، وكأن شيئاً لم يحدث، كنت مندهشاً من هذا الثبات الانفعالى، وذهبنا لأقرب مقهى وظللنا نسترجع الموقف ونضحك.. وحتى الآن لا أعرف لماذا لم يعد للمدينة مرة أخرى»، يقولها ويضحك.

ويقول هانى إنه لا يعرف لماذا طفت فى عقله رواية «مسيو إبراهيم وزهور القرآن» للفرنسى إريك إيمانويل شميت الآن. يفكر قليلاً ويكمل: «ربما بسبب إعجابى بالعلاقة العظيمة بين الطفل مومو والعجوز مسيو إبراهيم، ربما لم تكن صداقة بالمعنى المتعارف عليه، لكن بالنسبة لى فإن الصداقة تزين أى علاقة وترتقى بها درجة، وربما تصل بها لشكلها الأمثل، أى أن العلاقة بين الزوج وزوجته، الطالب والمدرس الحبيب وحبيبته، الولد وأخيه، كل هذه العلاقات لو اتخذت ملمحًا من الصداقة لوصلت إلى أبهى صورها».

ويقول: «كان الحكيم بتاح حتب يوصى ابنه باختيار أصدقائه ومن ضمن وصاياه: امتحن قلبه بالمحادثة، فإذا أفشى شيئًا قد رآه فلا تجاوبه»، ويضيف: «تمنيت صداقة كوزيمو دو روندو فى رواية (البارون ساكن الأشجار) لإيتالو  كالفينو، البارون الذى يتمرد ويترك قصر أبيه، ويختار حياته بنفسه، فيعيش فوق الأشجار، وينتقل من شجرة لأخرى، وكأنه خاض تحدياً وقرر أن يكمله للنهاية، شخص بهذه الصفات أحب أن يكون صديقى، وهو بالمناسبة يشبه بشكل أو آخر بطل رواية (مزاج حر) الذى يشبه بشكل ما الفخرانى نفسه.

وهانى يرى أن الحياة بلا أصدقاء هى حياة قاسية، لا يحب أن يعيشها، ويتخيل دومًا أن الصديق الحقيقى هو ذخيرته الحية ضد الزمن، والصداقة بالنسبة له: «هى أن تتحدث أمام شخص ما كأنما تتحدث لنفسك، وأن تنطق الكلمة كما ترد بذهنك، بلا أى تجميل، وأنت تدرك تمامًا أنه سيعى بالضبط ما تود قوله».

وهو يرى كذلك أن «الصداقة كأى علاقة إنسانية تنمو بالاهتمام»، وأن «اهتمامك بمن حولك هو الذى يقوى الروابط بينكما» ويقول بينما يهز رأسه كحكيم: «لو غابت الاهتمامات المشتركة، سيجف الحوار، وتذبل الصداقة، وربما تموت».

مقالات من نفس القسم