الرواية العربية تتحدث “الطلياني”

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

*- مساءلات القراء:

من منا لم يخالجه – وهو يتلقف خبر تتويج رواية الطلياني للأكاديمي والمترجم التونسي شكري المبخوت- ذلك السؤال البديهي: كيف لأول رواية في حياة كاتب أن تتبوأ الصدارة، وتختطف المركز الأول في الجائزة العالمية للرواية العربية؟؟

فضلاُ عن أن صاحبها ليس معروفاً في عالم الرواية كبقية المشاركين، بقدر ما هو معروف في حقل الأكاديميا، كباحث جامعي و أستاذ، ورجل إدارة في إحدى الجامعات التونسية، وكذا في حقل الترجمة، حيث ارتبط اسمه لدى الدارسين و النقاد بكتاب "الشعرية لتزفيتان تودوروف"، رفقة رجاء بن سلامة ؟ 

*بعيداً عن المتن..

– لا مراء في أن سر الكتابة المتميزة هو القراءة الموسوعية والشاملة لأجناس الكتابة، والدكتور شكري عرفناه كما عرفه عديد المثقفين و الباحثين الأكاديميين مترجماً لأعمال نقدية و منجزات بحثية متميزة لا يفوت أية جامعة عربية او مكتبة محترمة أن تحتويها.. وليس مستغرباً أن هذه التجربة الكبيرة في الترجمة و القراءة  باللغات الأجنبية التي يتقنها و يمارسها الدكتور شكري، قد أنضجت قلمه و شحذت قريحته في الكتابة.. فالكاتب الكبير هو دوماً ذلك القارئ الكبير.. كما لا يجب أن ننسى بأن الرجل معروف على الساحة النقدية العربية و الدولية بعديد مساهماته في المنشورات النقدية و الملتقيات، و هيئات التحكيم، وله صيت واعتبار بحكم مكانته في الجامعة التونسية و الدوريات و المجلات و دوائر البحث العربية و الأجنبية، و هذه المسيرة المحترمة في مجال البحث الأدبي و اللغوي و الترجمي في العالم العربي جعلته بلا منازع أحد اهم الشخصيات العلمية و الثقافية في الساحتين النقدية و الأكاديمية، وهي السمعة التي لم يحظ بها أي من المتنافسين على جائزة البوكر، الذين سبقوه إلى عالم الرواية؛ حيث عرفت أسماؤهم في الساحة الروائية العربية، و غاب اسمه عنها، لكنه وسبقهم إلى علوم الأدب ونقده، ، حيث ترك اسمه محفوراً في ذهن كل مثقف وناقد عربي بمن فيهم طاقم تحكيم جائزة البوكر نفسه.. بكتاباته و ترجماته و دراساته .

– وليس خافياً أن طاقم تحكيم البوكر من النقاد قد تتلمذوا في حياتهم النقدية على مؤلفات شكري المبخوت وترجماته. و ليس غريباً أن الرجل رفيقهم، إن لم نقل شيخهم في مجال الكتابة النقدية سواء بلغتهم العربية أو باللغات الأجنبية التي قد يفوقهم في اتقانها والتعامل معها سواء في الكتابة أو الترجمة  أو القراءة.

– أعتقد بأن الصيت الذي يحظى به الدكتور شكري لدى القائمين على جائزة البوكر، كباحث و أكاديمي ومترجم وسيد من سادة النقد الأدبي بحثاُ و تدارساً و تأطيراً،  من شأنه أن يمنحه احتراما و اعتباراً لدى أية لجنة تحكيم في أية جائزة أدبية. نقول هذا بعيداً عن محتوى النص أو العمل الذي يشارك في هذه الجائزة أو تلك..

*الرواية وخصوصية الجنس والشكل:

أما رواية الطلياني التي شارك بها الروائي، فإنها من حيث الموضوع، رواية محلية بامتياز، تشرح تاريخ تونس، وتعبر عن دخيلاء المواطن في هذا القطر العربي عبر تاريخ تقلباته السياسية و الاجتماعية. وما يرشح هذا العمل لأن يكون عملاً تاريخياً مع فيض معتبر من التخييل و غواية السرد، هو الدفق الإيديولوجي المواكب للسيرورة التاريخية للأحداث و الشخصيات، و الإيماءات النصية الرامزة لمختلف السياسات، و الأنظمة و خصوصيات التاريخ السياسي والإيديولوجي الذي اعتام المجتمع التونسي و طبع يومياته و أفكاره وأحلامه و تسلل إلى العالقات الاجتماعية و الثقافية و حتى العاطفية للأفراد، مما يرشح رؤية محكمة البناء و الحبك للعالم، لا يمكن أن  ينسج خيوطها بتلك  البراعة سوى مطلع على تاريخ الرواية و فلسفة النقد نظرياته و تياراته و مدارسه.. التي تأسست على كبرى المنجزات الروائية، و بنت عليها مقوماتها واستشهدت بمشاهدها و صورها و تعابيرها.. ولا يخفى على أي قارئ لرواية الطلياني، أنها من حيث الحبك و تصوير المشاهد و بلورة رؤية العالم- انطلاقاً من أعلى تجل لكليات العالم الروائي وانتهاءً بأدنى حركة من حركات الشخصيات- قد استلهمت هيكلها و معمارها السردي من الأدب العالمي و استرشدت في نسج خطاباتها من معين نقده و تدارس عيونه و روائعه.. فهي من حيث التشكيل و البناء سليلة شرعية للأدب العالمي و يمكن أن توضع بنيوياً إلى جانب روائعه دون أية مفاجأة.

وهذا الخصيصة المعرفية والممارساتية هي التي يمكن أن تكون فيصلاً في تفوق المبخوت على بقية منافسيه من الروائيين.

*-الرواية و خصوصية الخطاب (المحلي/ العلمي)

أما من حيث المضمون، أو الموضوع، فليست أكثر من رواية محلية سعت من خلال رمزية أحداثها و خصوصية هوية شخوصها (المحلية التاريخ و الإيديولوجيا)، أن تنفذ إلى العالمية وهي الطريق التي سلكها أدباء عالميون بلغوا عنان العالمية انطلاقاً من خصوصيات توصيف و مشهدة مجتمعاتهم المحلية (فلوبير ” مادام بوفاري”، كامو “الغريب” مثلاً). اللذان يتبادران في ذهن القارئ وهو يتتبع خطى شخوص الرواية.

وهو ما أسميته: ” أسلوب المحلية العالمية”* التي سبق و أن توسلها السنعوسي في ساق البامبو، وتبوأ نفس الجائزة التي افتكها المبخوت في طبعة 2015. دون مفاجآت. لكن بأسئلة واستفهامات كثيرة يشرع لأي مثقف أن يطرحها.

هذا ما سجلته من ملحوظات أولية لهذه الهبة المتميزة للرواية العربية التي تحدثت هذه السنة بلسان الطلياني للمبخوت الذي استحق هذا التتويج لعوامل ذاتية و موضوعية حاولنا فردها و مساءلتها في هذه القراءة المختصرة لهذا الحدث الثقافي العربي.

—————————

*ينظر خاصية (الأسلوب المحلي/ العالمي)، في الكتابة الروائية في حوار لنا مع جريدة المساء الجزائرية

بعنوان ” الناقد الأدبي محمد الأمين بحري “ليس كل ما يكتب رواية”- على الرابط:

http://www.vitaminedz.com/Article/Articles_18300_2628747_0_1.html

 

مقالات من نفس القسم