الرجل الذي صاح مناديا: تيريزا

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 15
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

إيتالو كالفينو

ترجمة ناصر الحلواني

نزلت عن الرصيف، ومشيت بظهري عدة خطوات، ومن وسط الشارع، وضعت كفيّ حول فمي، جاعلا منهما بوقا، وصِحتُ تجاه الأدوار العليا لأحد المساكن: “تيريزا”.

خاف ظلي من القمر، فانزوى بين قدمي.

مر أحدهم إلى جواري. ناديت مرة أخرى: “تيريزا”. اتجه الرجل نحوي، وقال: “إذا لم تنادي بصوت عالٍ فإنها لن تسمعك. دعنا نحاول معا”.

لذلك، سأعد إلى ثلاثة، وعندما أقول: ثلاثة، ننادي معا” ثم قال: “واحد، اثنين، ثلاثة”، ومعا، صحنا: “تيريـيـيـيـزا ا ا”.

مر بنا مجموعة من الأصدقاء، في طريق عودتهم من المسرح، أو من المقهى، فرأونا ننادي معا. قالوا: “هيا، سننادي معكما نحن أيضا” وانضموا إلينا في وسط الشارع، وقال الرجل الأول: ” واحد، اثنين، ثلاثة ” عندئذ صاح الجميع مناديا: “تيـ ـ ريـيـيـ ـ زا ا ا” .

جاء شخص آخر وانضم إلينا، ولم تمر خمسة عشرة دقيقة حتى صرنا زمرة كبيرة، عشرون شخصا تقريبا. وبين الحين والآخر، يشاركنا شخص جديد.

لم يكن تنظيمنا أنفسنا، لأجل أن ننادي بشكل جيد، جميعنا في نفس الوقت، بالأمر السهل. دائما ما كان هناك من يبدأ قبل أن نقول : “ثلاثة”، أو من يطيل في النداء بعدنا، ولكن في النهاية توصلنا إلى ترتيب مرضٍ إلى حد ما؛ اتفقنا على أن تكون “تيـ” في النداء بصوت منخفض وطويل، و “ريـ” بصوت عالي وطويل، و”زا” بصوت منخفض وقصيرة. بدا الأمر رائعا. ولم تحدث إلا بعض الاختلافات البسيطة، عندما يشذ أحدهم عن المجموعة.

كان الأمر قد بدأ في الانتظام، عندما برز أحدهم، ذلك الشخص، الذي إن كان صوته على حال ما، فلابد وأنه ذو وجه مليء بالنمش، وسأل: “لكن، هل أنت متأكد من أنها في المنزل؟”

“لا” قلت.

“أمر سيئ” قال آخر. “نسيت مفتاحك، أليس كذلك؟”

“الحقيقة” قلت ” مفتاحي معي”.

“إذن” سألوا: “لماذا لا تصعد؟”

“آه، لكنني لا أسكن هنا” أجبتهم. “أنا أسكن في الجانب الآخر من المدينة”.

“حسنا إذن، اعذرني لفضولي” قال الرجل ذو الصوت المنمَّش: “لكن من الذي يسكن هنا؟”

“الحقيقة، لا أعرف” قلت.

جعلهم ذلك مستائين قليلا.

“إذن، هلا تفضلت بالتوضيح ” سأل أحدهم بنبرة من يكتم غيظا، “لماذا تقف هنا في الأسفل، وتنادي على تريزا؟”

“فيما يتعلق بي” قلت “فيمكننا أن ننادي اسما آخر، أو أن نجرب في مكان آخر، لا يهم”.

بدا الآخرون منزعجون قليلا.

“أرجو أنك لم تكن تخدعنا ؟” سأل ذو الوجه المنمش بارتياب.

“ماذا؟” قلت ممتعضا، والتفت نحو الآخرين لأؤكد لهم حسن نيتي. غير أنهم لم يقولوا شيئا، بما يشير إلى عدم فهمهم للمغزى.

سادت لحظة من الحرج.

“انظر” قال أحدهم مازحا، “دعنا ننادي على تريزا لمرة أخيرة، ثم يذهب كلٌّ إلى بيته”.

لذا، قمنا بالأمر مجددا، ” واحد، اثنين، ثلاثة، تيريزا “، لكنه لم يكن على نحو جيد. ثم اتجه كل منهم إلى بيته، بعضهم من ذلك الطريق، وبعضهم من طريق آخر.

استدرت عائدا إلى الميدان، عندما ظننت أنني أسمع صوتا ما زال ينادي: “تيـيـ ـ ريـيـ ـ زا”.

لابد وأن أحدهم ظل مصرا على النداء. شخص مثابر.

مقالات من نفس القسم