طارق هاشم
بتأثر نادر
قالها خمس مرات،
في المرة الأولى لم يكتف ببكائه
فنهض
ليردد على مسمع من الجمهور
“الحرب نهاية العالم”
الحاضرون لم ينتبهوا
ناموا في القاعة الكبيرة
في المرة الثانية
حاول أن يوقظهم
فارتفع صوته
عن الحائط سقط برواز
كان يحتوي صورة نيتشه
في حالة أشبه بالعناق
“الحرب نهاية العالم”
لم تف المرة الثالثة
بما كان يتمناه
فراح يصرخ
الحاضرون هنا أشبه بحجارة بائسة
أيتها الحرب
كيف لا تعرفين جاك
نعم إنه هو
رأيته في مسرح صغير
والملتفون حوله هالتهم حركاته
راح يقفز قفزات متتالية
بيديه السميكتين يصفع الحائط
نيتشه لم يسقط
مازال معلقا ًبأطراف البرواز
وما زال جاك في دائرة التقمص
في الحالة الرابعة
أدرك أن لا شيئاً هناك
الحاضرون هنا سمعوه للمرة الأولى
“الحرب نهاية العالم”
ظلوا يتهامسون
“نعم هو”، هذا جاك
هي بساطته المربكة ذاتها
كان قد نزل إلى الجمهور
يصرخ فيهم من جديد
إنها الحرب
“الحرب نهاية العالم”
حين صعد إلى المسرح ثانية
راحت ملامحه ترمقني من جديد
إنه هو
نعم هو جاك بريفير
بشحمه ولحمه
وإنسانيته المُفرطه
نعم هذا لون دموعه
هذا طوله
عيناه الحادتان في نظرتهما
هو أيضاً فقد حبيبته في الصباح
كانت قد هربت مع صاحبها البدين
أستحلفكم بالله أن تنصتوا إليه
أن تتأملوا حركة يديه المجهدتين
كتفيه وهما يدوران في اتجاه المصفقين
كمحترف قديم
لابد أن دمعة من عينيه قد انحرفت
وأصابت واحداً من الجمهور
فاشتعل المسرح
الجميع هنا أدركوا أنه هو
الجنائزية التي انسابت من فوضى دموعه
الكثيرون هنا لم يتخيلوا
أن الحياة بهذا الإسراف
حتى تمنحهم تلك اللحظة الاستثنائية
الحركة ذاتها
الصوت بدرجاته
الحساسية المرعبة
كم مرة أدار ظهره إلى الجمهور
كي لا يرى دموعه
هكذا في كل مرة يتذكر (باربارا) حبيبته القديمة
حين اقترب الجمهور من المسرح
كان قد اختفى للأبد
تبخر كشعاع الشمس عند الغروب
الإداريون هنا يعرفونه جيداً
فعامل الإضاءة المسرحية العجوز
راح يفصل بين الناس بصوته الأجش
هذا ليس جاك بريفير
إنه أحد أفراد الكومبارس في فرقة من المتجولين
القدامى
وقد أسند إليه الدور
حين تعرض البطل لحادث سيارة
كان قد افقده الذاكرة
لم يجدوا غيره
لم يجدوا غير جاك المزيف
إنه ليس جاك
ليس هو
ليس