الجنتلمان

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

الجنتلمان يفضل القضايا الخاسرة، هو عنوان المجموعة القصصية الأولى، الصادرة عن دار روافد، للكاتب والصحفي أحمد مجدي همام، بعد تجربتين روائيتين، هما قاهري، ثم أوجاع ابن آوى، عكستا، بدرجة من التفاوت والتباين، وعياً خاصاً بفعل الكتابة السردية، وبعض ملامح خاصة بالكاتب، تتأكد مرة أخرى ها هنا في تسعة تمارين قصصية ضمتها مجموعته الجديدة. 

ليس في وصفنا نصوص الكتاب بالتمارين أي انتقاص منها، الكاتب نفسه يقدمها باعتبارها محاولات لتجاوز حُبسة الكتابة (أو انسدادها بتعبيرات أخرى)، من خلال اصطياد بعض أسماء أشخاص من أجندة التليفونات، ثم رسمهم في بورتريهات سردية. كل تمرين بعنوان فرعي باسم شخصيةٍ ما، سواءً كانت حقيقية أم متخيلة، وأحسب أنها مزيج من الحقيقة والخيال. خرجتْ القصص/التمارين أقرب إلى طلعات استكشافية سريعة ومحكمة لمناطق كتابة متنوعة، دون إستراتيجية أسلوبية موحدة تجمعها، رغم غلبة حس السخرية والتناول الخشن والقاسي على معظم النصوص، فقد أفلتت بعضها من هذا الإطار، متوسلة برسم ناعم وإنساني للشخصيات أو إطلاق العنان لإيروتيكا خالصة.

اللغة شغل شاغل لدى مجدي همام، ليس فقط من ناحية دأبه في اكتشاف طريقة جديدة في القول وجرأة الصياغة ولو على حساب السلامة النحوية، لكن أيضاً على مستوى ولعه باللهجات واللكنات والانحرافات، وهو ملمح يمكن تتبعه في روايتيه السابقتين، وفي أكثر من قصة هنا أيضاً نلمس شغفه بالمنتج اللساني في تجلياته العربية وغير العربية، أو انحرافه الهزلي كما في قصة الحادثة النارجوشية.

من الملامح الأخرى التي انتقلت معه إلى كتابه الجديد رغبته في تغطية مساحة جغرافية واسعة، وعدم تقييد سرده داخل حدود مدينة أو دولة أو حتى قارة، بل التطلع نحو أماكن وعوالم وأزمنة ممتدة ونائية، وهو ما قد يعتبره آخرون فخاً يجب تجنبه، خشية افتقاد المصداقية والإيهام بالواقع.

رغم التباينات الأسلوبية بين القطع السردية التسع، فثمة خطوط وعلائق شفافة تصل بينها، أو بين بعض منها على الأقل، خاصةً عندما يتكرر راوي بملامح مميزة من نصٍ إلى آخر، فتكاد تقترب من أجواء المتتالية القصصية التي تتراسل نصوصها، دون اعتماد متبادل يهدد استقلالها.

أتذكر الآن شامي، الطالب السوري، في رواية همام الثانية، أوجاع ابن آوى، الذي امتلك هواية اصطياد الشخصيات العجيبة والاقتراب منها ودراستها، فكأنه مرآة تعكس شغف همام نفسه بتلك النماذج الإنسانية شديدة الخصوصية. قد يجري الكشف السردي لتلك النماذج من زاوية موقف واحد كاشف وطريف، أو من زاوية إخبار متتابع لذكريات وحالات، أو حتى الوقوف على العظام العارية لحبكة تاريخ حياة دون أية زوائد أو تفاصيل وكأننا أمام ملخص لمشروع رواية قد تكتب ذات يوم.

في كل طلعة استكشافية يتأكد شغف اللعب والتجريب، دون انفلات في الفراغ أو مراهنة على فقدان اهتمام القارئ ومتعته. وبقدر السهولة التي يمكن بها قراءة قصص المجموعة وحالة الخفة والمرح التي تنقلها، فإننا نشعر في النهاية أن أحمد مجدي همام ما زال لديه المزيد، ولم يكشف أروع أوراقه بعد.

مقالات من نفس القسم