التهجين في الرواية العربية الجديدة: (شعلة ابن رشد لأحمد المخلوفي أنموذجا)

صلاح الدين أشرقي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

صلاح الدين أشرقي

مقدمة

يعتبر مفهوم التهجين من المفاهيم الرئيسية في نظرية الرواية لدى ” ميخائيل باختين ” وقد تحدث باختين عن هذا المفهوم ـ في البداية ـ في مجال اللسانيات اللغوية، فأساس التهجين لساني لغوي، ويظهر هذا الطرح بشكل واضح، في كتاب “الماركسية وفلسفة اللغة” إذ تحدث باختين في هذا الكتاب عن التراكيب اللغوية ودلالاتها وعن خطاب الغير الذي يُؤثر في الدلالة التركيبية اللغوية ويساهم أيضا في بناء النص الروائي تركيبيا، فهذه الأفكار وغيرها تدل على أن كتاب الماركسية وفلسفة اللغة هو المؤسس لحوارية ميخائيل باختين ولمفهوم التهجين أيضا، لكن من وجهة نظر لسانية لغوية، وبعد ذلك ظهرت كتب عديدة أسس من خلالها باختين نظرية الرواية، من بينها: كتاب ” الخطاب الروائي “، فقد نقل باختين أفكاره من اللسانيات إلى ميدان النقد الروائي، واختار الرواية متنا أو جنسا أدبيا لتطبيق أفكاره حول التهجين والحوارية، وعليه ظهر ما يُسمى الآن بـ “الرواية البوليفونية” التي كسَّرت قواعد ومعايير الكتابة الروائية الكلاسيكية على مستويات عدة، مثل: ( الرؤية السردية، الزمان، المكان، الأسلوب، الرؤى الإديولوجية، والشخصيات.. ) التي هي مناط اهتمامنا في هذا البحث.

لقد تأثر بهذه الأفكار الجديدة في الكتابة الروائية مجموعة من الروائيين في العالم العربي، من بينهم: ” أحمد المخلوفي ” صاحب رواية ” شعلة ابن رشد ” التي نحن بصدد تحليل ظاهرة ” التهجين ” فيها على مستوى الشخصيات والعوامل، وتعتبر هذه الرواية من الروايات البوليفونية بامتياز، حيث مزج الروائي بين عناصر عديدة ومختلفة، فما هو مفهوم التهجين؟ وما هي مكوناته؟ وكيف حضر التهجين في شخصيات رواية شعلة ابن رشد لأحمد المخلوفي؟

 

 

ـ تصورات باختين حول مفهوم التهجين.

ـ نقد أفكار الشكلانيين والأسلوبيين.

قبل التطرق لمفهوم التهجين في ذاته من اللازم استحضار نقد باختين لتصورات الشكلانيين والأسلوبيين، إذ من خلال هذا النقد سيُؤسس مفهوما جديدا في ميدان النقد الأدبي وبالضبط في مجال ” النقد الروائي “، وهو مفهوم ” التهجين “، فقد رفض باختين طريقة تعامل الشكلانية مع النصوص الأدبية حيث ركزت على شعرية النص الأدبي وخصائصه الشكلية، من خلال اعتمادها على الألسنية التي اقترحت وسائل علمية دقيقة لتحليل النص الأدبي من الداخل بوصفه وِحدة، وفي نفس المسار جاءت الأسلوبية ـ في بداياتها الأولى ـ بتحليل بنيوي للنص وذلك بالتركيز على الأسلوب واللغة، متوخية استجلاء التناغمات الفردية الكامنة وراء أسلوب الشاعر أو الكاتب[1]، فكلٌّ من الشكلانية والأسلوبية ينظران إلى النص الأدبي بوصفه وحدة دلالية، وعليه يغيب ـ في منظورهم ـ الاختلاف والتعدد الدلالي في النص الأدبي عامة وفي النص الروائي بشكل خاص، هذا النص الذي حاول باختين دراسته وَفق منظور مخالف وذلك بهدف تأسيس نظرية روائية جديدة تُؤمن بالتعدد والاختلاف، وقد اتخذ باختين من الرواية متنا لتطبيق أفكاره ونظرياته، لأن الرواية هي الجنس الأدبي الأكثر مناسبة لنظريته، فالرواية هي جنس مُهجن تتداخل فيها الأجناس وتتعدد فيها الأصوات والأطروحات والشخصيات…، فنجد فيها صوت العالم وصوت العامي، وهي أيضا مجال للصراع الطبقي بين مختلف فئات المجتمع، وتبعا لهذه “الحوارية” التي تميز الرواية لا يمكن ـ بحسب باختين ـ دراستها بوصفها نصا مغلقا أو دراستها من حيث الأسلوب فحسب، وعليه فقد سعى باختين إلى تأسيس شعرية جديدة للخطاب الروائي تُؤمن بالتعدد والاختلاف، إنها تتماشى مع طبيعة الرواية، ولم يكتف باختين بنقد الشكلانية والأسلوبية فقط، بل اقترح بديلا معرفيا ومنهجيا عندما ألح على الطابع الغيري للإبداع والتواصل، فقد أكد ميخائيل باختين على الطابع الغيري في كتابه “الماركسية وفلسفة اللغة” في فصل ” خطاب الغير “، حيث يقول: ” خطاب الغير يشكل ما هو أكثر من مجرد ثيمة ( غرض ) للخطاب، فهو قادر على أن يقتحم الخطاب، ويدخل في بنائه التركيبي، بصفته الشخصية إذا أمكن التعبير، باعتباره عنصرا مكوِّنا له خصوصيته”[2]، من خلال هذا الكلام نستنتج أن أساس الحوارية وتعدد الأصوات والملفوظات وغيرها هو أساس لسني كما قلنا، وما يؤكد هذا الطرح محاولة باختين اقتراح طريقة بديلة لدراسة لغة الرواية وأسلوبها، إذ يرى أن الأسلوبية ” التقليدية ” ـ كما يُسميها ـ لا تهتم بالكلام الحي، بل بتفصيله النسيجوي وباللفظة المجردة التي هي في خدمة قدرة الفنان على التحكم والتطويع[3]، فالأسلوبية لا تتعامل مع الرواية بوصفها خطابا حيا، بل باعتبارها وحدات أسلوبية معزولة عن سياقها التداولي، وهذه النقطة ـ بالذات ـ هي التي رفضها باختين وحاول أن يتجاوزها من خلال ابتكار تصور جديد لظاهرة الأسلوب في الرواية، إذ يقول: ” إن الرواية ككل، ظاهرة متعددة الأسلوب واللسان والصوت، ويعثر المحلل فيها على بعض الوحدات الأسلوبية اللامتجانسة التي توجد، أحيانا، على مستويات لسانية مختلفة وخاضعة لقواعد لسانية متعددة “[4]، ومن خلال هذه الأفكار سيؤسس باختين رؤية جديدة في تحليل الرواية، وقد تَمثل هذه الرؤية مجموعة من نقاد الرواية في العالم العربي، منهم: ” حميد لحمداني ” في كتابه ” أسلوبية الرواية “.

ـ مفهوم التهجين بين التنظير والتطبيق.

يحتل التهجين مكانة مهمة في نظرية باختين حول الإبداع بشكل عام والرواية بشكل خاص، فمن خلال هذا المفهوم استطاع أن يقترح نوعا روائيا جديدا يُسمى حاليا بـ “الرواية البوليفونية” وهي بخلاف الرواية ” المونولوجية “، ويتمثل هذا الاختلاف في مجموعة من النقاط، أهمها: ( الرؤى السردية، الأزمنة، الأمكنة، الشخصيات.. ) فبينما تستخدم الرواية المونولوجية ـ مثلا ـ الرؤية السردية من الخلف، فإن الرواية البوليفونية توظف كل الرؤى السردية، ( من الخلف، والرؤية مع، والرؤية من الخارج ) فتربط بين هذه الرؤى ولا تقتصر على واحدة منها، والحال نفسه بالنسبة للعناصر الروائية الأخرى، إن هذه الأفكار تشكل جزءا من مفهوم التهجين لدى باختين، غير أن الجزء الأهم والعنصر الأساسي غي هذا المفهوم هو الجزء المتعلق بالجانب اللغوي من تعدد الأصوات وأسلبة…، وهذا يظهر بشكل جلي في تعريف باختين للتهجين، حيث يقول: ” هو مزج لغتين اجتماعيتين داخل ملفوظ واحد، وهو أيضا التقاء وعيين لغويين مفصولين بحقبة زمنية، وبفارق اجتماعي أو بهما معا، داخل ساحة ذلك الملفوظ ولابد أن يكون قصديا “[5]، من خلال هذا التعريف يتضح لنا ربط باختين التهجين باللغة، غير أن باختين يميز ـ في سياق حديثه عن أشكال الحوارية في الرواية ـ بين ثلاثة: ( التهجين، حوار اللغات، الحوار الخالص )، لكن على الرغم من هذا التمييز إلا أن التعريفات التي قدمها لهذه العناصر الثلاثة تجعلهم متشابهين وبذلك يصعب التمييز بينهم خاصة من الناحية العملية[6]، ويمكن القول إن التهجين يحوي العناصر الأخرى ويؤطرها.

 

ـ مكونات التهجين.

أولا: تعدد اللغات والأصوات.

يشكل التعدد اللغوي والصوتي أهم مكونات التهجين بل أساسه، لأنه ـ وكما ذكرنا ـ أن تصور باخنين حول التهجين ظهر في البداية في مجال اللسانيات واللغة، وقلنا إن كتاب “الماركسية وفلسفة اللغة” دليل واضح على هذا الطرح، فالمتصفح لهذا الكتاب يلمس هذا المعطى، حيث حاول باختين أن يُبلور تصورا لغويا جديدا مناقضا للفيلولوجيا المثالية مع “فوسلر”، والبنيوية اللسانية مع ” دوسوسير ” وغيره، فتحدث عن خطاب الغير، وعن التفاعل اللفظي، وعن نظرية التحدث وقضايا التركيب..، فهذه المعطيات تشكل التصور النظري لباختين حول التفاعل والتهجين بين المكونات المختلفة في الخطابات، وبما أننا نتحدث عن التهجين في الرواية فإننا سنركز على كتاب ” الخطاب الروائي ” بشكل أساسي، فما قام به باختين في هذا الكتاب أنه ” نظَّر ” لمفهوم التهجين في الرواية، فقد اختار متنا مناسبا لنظريته، فالرواية خليط من العناصر المختلفة أهمها: اللغة التي لا تحضر في الرواية كما باقي الأجناس الأدبية الأخرى، بل تتعدد وتختلف، ونلمِس هذا في التعريف الذي قدمه باختين للرواية، إذ يقول: ” إن الرواية هي التنوع الاجتماعي للغات، وأحيانا للغات والأصوات الفردية، تنوعا منظما أدبيا “[7]، يتضح من خلال هذا الكلام أننا بإزاء نظرة جديدة للتفاعل والتنوع داخل الرواية، إذ بعد ما كان يُنظر إلى التنوع من منظور إديولوجي وذلك في النظريات الإديولوجية المختلفة، حيث كانوا يعتبرون أن الرواية تعكس التنوع الاجتماعي الواقعي والصراع بين مختلف طبقات المجتمع، أما باختين فيرى أن التنوع في الرواية هو تنوع لغوي، لكنه ليس مفصولا عن المجتمع بل يُجسد التعدد الاجتماعي، فنجد في الرواية مثلا: ( لغة البدوي ولغة المدني، ولغة الصِّحافي ولغة الطبيب، لغة الطبقة العالمة ولغة الطبقة الشعبية… )، بمعنى أننا نجد ـ في داخل الرواية ـ لغات متعددة ومختلفة لمجموعة من فئات المجتمع، فالسؤال الذي يمكن أن نطرحه هنا، ما الفرق بين نظرة النظريات الإديولوجية للتفاعل والتنوع في الرواية ونظرة باختين؟ أو بعبارة أخرى ما هي الإضافة التي قدمها باختين؟ ألا يمكن القول إن باختين لم يأت بجديد وأنه اكتفى بإعادة التصور الإديولوجي بطريقة مختلفة؟

إن الفرق بين التصورين يتجلى في الآتي: إن اعتبار النظريات الإديولوجية الرواية مرآة عاكسة للتعدد الاجتماعي والصراع الطبقي يُجرد الرواية من قيمتها الأدبية الفنية، حيث تصبح ـ تبعا لهذا التصور ـ خطابا تقريريا يعيد أحداث الواقع، في حين أن باختين ربط التفاعل والتنوع باللغة، وعليه أعاد الاعتبار للرواية من الناحية الأدبية، فالرواية قبل أن تكون مضمونا اجتماعيا فهي صناعة لغوية أدبية، فهذا هو الاختلاف بين التصورين، وأصل هذا الاختلاف يعود إلى طريقة التعامل مع الرواية من الناحية الأدبية.

ثانيا: الأسلبة.

من عناصر التهجين عند باختين ” الأسلبة ” وتندرج ضمن التهجين القصدي أو “الإرادي”، حيث ميَّز باختين بين التهجين الإرادي والتهجين اللاإرادي، فالروائي يقصد إلى التهجين إراديا، لكن في الخطابات اليومية بين الناس قد يقع التهجين بغير قصد أو إرادة، والتهجين الإرادي هو المهم لكونه ذو بعد جمالي أدبي، في أن التهجين غير القصدي فإنه يظهر في شكل كلام عادي مألوف[8]، وبالعودة إلى الأسلبة نجد أن باختين بعد أن انتقد التصور الضيق للأسلوبية التقليدية التي كانت تركز في تحليلها للنصوص على وحدات أسلوبية مفردة ومعزولة عن البنية الأسلوبية الكلية للنص، اقترح تصورا بديلا لمفهوم الأسلوب ولطريقة توظيفه في تحليل الخطابات، وخاصة الخطاب الروائي، فالأسلبة عند باختين تندرج ضمن التهجين القصدي الذي هو إحدى طرائق إبداع صورة اللغة في الرواية، وتتميز الأسلبة عن التهجين بأنها لا تحقق توحيدا مباشرا للغتين داخل ملفوظ واحد، بل الأسلبة لغة واحدة ” مُحيَّنة ” وملفوظة، لكنها مُقدَّمة على ضوء اللغة الأخرى، وتلك اللغة االأخرى تظل خارج الملفوظ ولا تتحين أبدا، وفي الأسلبة نجد وعيين لغويين مفردين: وعي من يُشخص ( وعي المؤَسلِب )، ووعي من هو موضوع التشخيص والأسلبة[9]، وقد وضح ” حميد لحمداني ” الفرق بين التهجين والأسلبة في قوله: ” التهجين لغة مباشرة أ مع/ ومن خلال لغة مباشرة ب في ملفوظ واحد، الأسلبة لغة مباشرة أ، من خلال لغة ضمنية ب في ملفوظ واحد “[10]، فالفرق يتضح في حضور اللغة في ملفوظ التهجين، وضمنيتها في ملفوظ الأسلبة، وتُعتبر الأسلبة من المكونات الأساسية التي تشكل تصور باختين حول التهجين، حيث اقترح ميخائيل باختين تصورا آخر للأسلوب، إذ يرى أن الرواية لا تُصنع بأسلوب واحد، بل إن الروائي يستعمل أساليب مختلفة يجمع بينها ليُكون أسلوبا كليا للرواية، وذلك من خلال أسلبة مختلف أشكال السرد الشفوي التقليدي أو المحكي المباشر، ثم أسلبة أشكال السرد المكتوب المختلفة نصف الأدبية والمتداولة، مثل: ( الرسائل، المذكرات الخاصة… )، أسلبة أشكال أدبية متنوعة من خطاب الكاتب، مثل: ( كتابات أخلاقية، وفلسفية، وخطب بلاغية… )/ ثم أسلبة خطابات الشخوص الروائية المفردة أسلوبيا[11]، يتضح من خلال ما سبق تعدد الأساليب المُوظفة في الرواية، غير أن هذا الأمر لا يشكل فوضى أسلوبية داخل الرواية، بل إن هذه الوحدات الأسلوبية اللامتجانسة تتمازج عند دخولها إلى الرواية لتُكون نسقا أدبيا منسجما، ولتخضع لوحدة أسلوبية عليا تتحكم في الكل[12]، وهذا ينعكس حتى على تحليل الأساليب، فانطلاقا من تصور باختين تصبح المكونات الأسلوبية لا تحتفظ بوظيفتها العادية المألوفة، بل تتغير وتتبدل، فمثلا إذا أخذنا التَّكرار بوصفه عنصرا أسلوبيا بلاغيا وطبقنا عليه تصور باختين فإنه لا نكتفي بتحديد وظيفته الإيقاعية فحسب، بل يجب ربطه بالدلالة الأسلوبية الكلية للنص، وعليه فإن وظيفته الدلالية تتغير بتغير الدلالة الأسلوبية الكلية للنص الأدبي عامة والنص الروائي خاصة، نظرا لحضور الأسلبة بشكل كبير في الرواية بالمقارنة مع الأجناس الأدبية الأخرى، ويظهر هذا الطرح في قول باختين: ” أسلوب الرواية هو تجميع لأساليب “[13]، بمعنى أن الرواية هي خليط من الأساليب المختلفة التي تتمازج يبنها لتُنتج أسلوبا فريدا وخاصا.

ـ إشكال التحليل في مفهوم التهجين.

لقد تحدث باختين كثيرا عن التهجين في كتب عديدة، لكن حديثه اقتصر على الجانب النظري بشكل كبير، لذلك صَعب على الباحثين والدارسين للخطاب الأدبي فهم التهجين وتمييزه عن غيره من المفاهيم الأخرى التي اقترحها باختين وتتداخل مع مفهوم التهجين، مثل: ( الأسلبة )، ففي غياب أمثلة نصية مأخوذة من روايات معينة يُطبق عليها هذا المفهوم يُصبح من الصعب استيعاب التهجين وإدراكه، فالتطبيق ـ بوصفه خطوة ضرورية في أي منهج أو مفهوم ـ ذو وظيفتين أساسيتين: فهو من جهة يشرح المفهوم وكيفية تحققه في الخطابات، فالوقوف عند التنظير فقط لا يُسعف في الفهم؛ لأن المعرفة التي ينتجها النظر هي معرفة ” مجردة ” وليست ” عملية “، وعليه يصبح التطبيق ضروريا للانتقال من المعرفة المجردة إلى المعرفة الملموسة، ومن جهة ثانية يكشف التحليل النصي مدى فاعلية المفهوم في مقاربة النصوص والخطابات، إن هاتين الوظيفتين تستلزمان التحليل لا الكلام النظري، وقد أوضح ” حميد لحمداني ” النقص الإجرائي في نظرية باختين حول التهجين، إذ يقول: ” إن صعوبة تحديد طبيعة التهجين، على الصورة التي أوضحها باختين (…) ترجع إلى اقتصاره في مجال التطبيق على الإشارة فقط إلى أسماء بعض الروايات التي تستخدم هذا الأسلوب دون أن يوقفنا مباشرة على ” مقاطع ” توضح بالمعاينة كيفية تمازج اللغات في ملفوظ واحد “[14]، يتضح من هذا القول غياب التحليل والاكتفاء بإيراد أسماء لروايات حضر فيها التهجين، وأهمها روايات ” دوستوفسكي ” التي اشتغل عليها باختين، لكن ما يظل مبهما لدى المتلقي الكيفية التي يتولد عنها التهجين من داخل نصوص الرواية، وعليه فإن التدليل على حضور التهجين في الروايات يستدعي مجهودا إجرائيا من قِبل النقاد المعاصرين، من خلال تحليلهم ” للروايات البوليفونية ” الجديدة التي تحضر فيها هذه الظاهرة ( التهجين ).

ـ تهجين الشخصيات والعوامل في رواية ( شعلة ابن رشد ) لأحمد المخلوفي.

تتميز الروايات الجديدة بخاصية التهجين، حيث لم تعد الرواية ذات منحى أفقي تسير في خط مستقيم من بدايتها إلى نهايتها، كما هو الشأن في الروايات الكلاسيكية الأحادية، سواء من حيث ( المنظور السردي، أو الزمان، أو المكان، أو الشخصيات.. )، فالرواية المونولوجية تعكس توجها معينا يسعى الروائي إلى فرضه على القارئ، مثل: ” رواية المعلم علي ” لعبد الكريم غلاب، وغيرها من الروايات التي تنتمي إلى تيار الوعي، إن هذه الروايات تنم عن رؤية ضيقة للروائي، كما تكشف عن خبايا إديولوجية يسعى الروائي إلى تمريرها وفرضها على المتلقي، في حين أن الرواية البوليفونية المتعددة الرؤى والشخصيات والأصوات..، تمنح القارئ حرية الاختيار فهي تُمثل صورة للديموقراطية؛ لكونها تراعي كل تيارات وطبقات المجتمع، ومن بين الروايات المغربية الجديدة التي تنتمي إلى تيار الرواية البوليفونية، ” رواية شعلة ابن رشد “، فقد قدم أحمد المخلوفي كتابة روائية جديدة تتسم بالتداخل والتهجين بين مكوناتها المختلفة.

ـ تداخل الشخصيات المرجعية التاريخية مع الشخصيات التخييلية.

اعتمد أحمد المخلوفي في روايته شعلة ابن رشد كتابة روائية مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في الكتابة الروائية الكلاسيكية، حيث جمع بين مجموعة من المكونات، مثل: (المكان، الزمان، الأسلوب…)، وإلى جانب هذه العناصر فقد لجأ الكاتب إلى تهجين الشخصيات داخل الرواية، ومن مظاهر هذا النوع من التهجين، المزج بين شخصيات تاريخية، وشخصيات تخييلية سردية، ومن بين أمثلته ما يلي: ” عشت في بلاد الموحدين كمرجعية علمية وكطبيب ومستشار لا غير، ثم توليت القضاء أكثر من مرة على عهد يعقوب يوسف(…)، كل هذا في مرحلة الفتوة الأولى، وهي مرحلة تكوين وفهم وتخطيط لأوراش علمية كبرى. أما في المرحلة الثانية فقد أثقلتني المَهام حتى غَدت تشكل عائقا(…)، فجزى الله خيرا زوجتي إن هي غفرت لي إهمالي وقصوري البادي تجاهها(…)، ولم أتخفف من حدة هذا الشعور إلا بعد أن خضت في مناقشة وتحليل دور المرأة وأهميتها انطلاقا من كتابي المعروف بـ: الضروري في السياسة لأفلاطون، وكذلك حين أطلعتها عن مدى إحساسي بالذنب تجاهها فقالت لي برقتها المعهودة: لقد اعتدت الشعور بالسعادة كلما رأيتك ثملا بكتابك(…)، وأنت تحسبني قد نِمت فتناديني بصوتك العذب الفصيح: الفجر اقترب يا زينب فهيا لنصلي سويا “[15]، يتضح من خلال هذا المقطع توظيف المخلوفي نوعين من الشخصيات: الأولى معروفة في التاريخ ومثبتة في الأرشيف متمثلة في شخص ابن رشد العالِم والمفكر العقلاني الذي عاش في الأندلس، وقد جعله الكاتب يتحدث عن تاريخ حياته في هذه الفقرة التي ذكرناها، والثانية مجهولة لدى القارئ، حيث لا يملك عنها أي معلومات تاريخية تكشف عنها، وعليه فهي شخصية تخييلية سردية، أو ورقية ليست من لحم ودم مثل شخصية ابن رشد، وتتمثل هذه الشخصية التخييلية في زوجة ابن رشد “زينب” التي هي من ابتكار الروائي فهي ترجع له بوصفه صانع السرد وصانع الحُبكات في الرواية، فقد جاء بهذه الشخصية لكي يُكمل بها قصته وليظهر براعته السردية، حيث بعد أن جعل ابن رشد يتحدث عن حياته التاريخية منذ فتوته إلى كِبره، انتقل إلى إدراج شخصية زينب ليمنح فسحة سردية تخييلية للمتلقي، ويُعتبر هذه المزج بين الشخصيات التاريخية والشخصيات السردية من مظاهر حضور التهجين في رواية شعلة ابن رشد، ومن الأمثلة الأخرى التي توضح هذا النمط من التهجين، ما نصه: ” اسمع صديقي(… ) لن أمضي معك في التعليق، فأنا أقر بمجمل ما ذكرته ولخصته باقتدار الكُتاب(…)، لما اغتيلت الموسيقى باسم مروان المغني الغجري المحبوب لدي، شرعت نحوي لوليتا الحسناء يسبقها نهدها وتأوهاتها الحرى لفقدان أليفها: أسرع يا ابن رشد أسرع. لقد فعلها الظلاميون هذه المرة أكبر من الأولى(…)، ثم غلبني تفكير مضطرب بتوقعات الحال والمآل. لا إنهم يريدونني أنا.. لا مروان فقط…، كان يشهق وعيني تشرق بالدمع… أسندت مانويلا رأسها إلى كتفي وتوجعت. قالت زينب وهي تنقل رأسها بلطف إلى صدرها: في صدري تجدين بعض العزاء ثم أضافت: نحن كلنا غجر، ومثلكم ندرك تماما أن الحياة بلا غناء، هي شمطاء مُعرضة للجفاف والتصحر والمحو التدريجي “[16]، توضح لنا هذه الفقرة تمازج وتنوع شخصيات رواية شعلة ابن رشد، إذ بالإضافة إلى الشخصية التاريخية المتمثلة في ابن رشد الذي حضر بقوة في الرواية من بدايتها إلى نهايتها، لكن مع اختلاف عن الشخصية المحورية في الروايات الكلاسيكية، فالمخلوفي لا يُصرح بأسبقية شخصية ابن رشد عن غيرها، بل يترك للقارئ حرية الاختيار، على الرغم من كونه معجب بابن رشد وعقلانيته، وبالعودة إلى الفقرة الآنفة نلمِس لجوء الروائي إلى التهجين الذي يتجلى في تداخل التاريخ بالتخييل والسرد، إذ يمثل ابن رشد النوع الأول ( التاريخ )، في حين تُمثل مانويلا وزينب النوع الثاني ( السرد والتخييل )، فلكي يجتنب المخلوفي سرد الوقائع التاريخية عن حياة ابن رشد، ولكي لا يُتهم بأنه مؤرخ لحياة ابن رشد  لا روائي، لجأ إلى ” تطعيم ” شخصية ابن رشد بشخصية مانويلا وزينب في المقطع السابق، وعليه فإن الملمح الذي يدل على حضور التهجين في المثالين السابقين، هو المزج بين ما هو تاريخي وما هو تخييلي سردي، فالتهجين ـ تبعا لهذا الطرح ـ يؤدي وظيفة معرفية تعليمية وإرشادية ووظيفة جمالية سردية؛ أي ” وظيفة روائية “.

 

ـ المزج بين شخصيات تاريخية تنتمي إلى أزمنة مختلفة.

لقد حضر هذا النوع من التهجين بشكل كبير في الرواية، حيث ربط المخلوفي بين شخصيات تختلف من حيث انتماءها التاريخي، فالمحدد الأساسي لهذا التهجين، هو الزمن، إذ كسَّر الروائي الفارق الزمني وجعل الشخصيات تدخل في حوارات وكأنها من زمن واحد، ومن الأمثلة التي تدل على هذا التهجين، ما نصه: ” التفت نحوه، ففاض مخزون القلب، وساحت العين في دائرة من نور غمرت الكون ببحور أسرارها… أمعنت النظر، فارتد بصري من نوره الصاعق… ثم وصلتني يده النورانية فرتبت على كتفي ملت بكلي نحوها، وشدني حلو التجلي والرغبة في رؤيته… أنا محيي الدين بن عربي، أمرت أن أشخص لك وأعينك على تحمل بلواك، ولأريك بعضا من زمني… أمسكت بالنور لمست كفا، ورأيت وجها كأنبل وأطيب ما رأيت…، قلت مولاي وشيخي.. أنا في حلم؟ رد مبتسما: دنيا المصلحين والعارفين والمختلفين… “[17]، من خلال هذا المقطع يتبين لنا وجود حوار ثنائي بين شخصيتين: شخصية الروائي، وشخصية محيي الدين بن عربي، فالأولى تنتمي إلى الزمن الحاضر، والثانية تنتمي إلى الزمن الماضي، ويتمثل التهجين في هذا المقطع في الحوار الذي أجراه الروائي مع ابن رشد الذي جعله يبدو معاصرا له، إذ يتحدث معه وكأنه موجود في عصره، فهذا المزج والجمع بين زمنين مختلفين من أهم سمات التهجين في النص الذي ذكرناه، بالإضافة إلى سمة أخرى تتجلى في تلك الحوارية التي خلقها الروائي بينه وبين محيي الدين بن عربي، وهي حوارية افتراضية، نظرا لبعد الزمان الذي كسره الروائي وابتكر حوارا افتراضيا بين زمنه، وبين زمن محيي الدين بن عربي، وهذه هي الخاصية التي تجعل الروايات البوليفونية الجديدة أكثر عمقا وأكثر حيوية من الروايات المونولوجية التي تلتزم برؤية أحادية وشخصيات وأزمنة واحدة.

ـ تهجين العوامل في رواية شعلة ابن رشد.

لم يعد مفهوم الشخصية في النظريات المعاصرة يُقصد به تلك الشخصيات التقليدية التي يُعينها الروائي بأسماء ويُقيم بينها حوارات، بل ” توسع ” مفهوم الشخصية ليشمل الأفكار والقضايا والأشياء..، ونلمس هذا مع ” كريماص ” الذي ابتكر ما يُسمى بـ: “العوامل”، فكل ما يؤثر في أحداث الرواية يسمى عاملا، وعليه أصبح جوار الأفكار والرؤى وتداخل الأشياء يدخل ضمن الشخصيات في الروايات الجديدة التي تُعتبر رواية شعلة ابن رشد ضمنها، وبالعودة إلى تهجين الأفكار، فقد وظف المخلوفي هذا النوع من التهجين، حيث مزج أفكار تنتمي إلى أزمنة مختلفة وأقام بينها حوارات، ومن الأمثلة التي توضح هذا الأمر: قوله: ” أنا هو أنت، وأنت أنا. ففصول القرون بيننا لا تثيرني كتلة زمنها ولا تحولاتها المذهلة فقط؛ بل ما يثيرني ويعنيني منها تلك الروح التي احتوتها وطبعتها وأنت تلك الروح كنت… لذا تراني أهفو لروحك ، لزمنك الذي أراه أكثر انفتاحا وحيوية من زمني…، فالعودة إليك ، أيها الحكيم مرة أخرى، هي عودة باحث حائر متلهف لتلك الشعلة من الفكر التي أضأت بأنوارها عصرك، قبل أن يُحاصرها الظلاميون والمستبدون، ويُرحلونها من المغرب والأندلس تجاه الغرب، ليتلقفها رجال فكر ودين فيقدحون زناد شعلتها لإنارة مدنهم الغارقة في ظلمات القرون الوسطى…، فعذرا أيها الحكيم إن قلت لك بأني آتيك من خارج التاريخ، لا من داخله…، لذا آمل أن تفتح لي عوالم فكرك وسيرتك وبوابات أسئلتك، فلعلني أقتبس من روح أنوارك لي ولقومي ما يُحفزهم على النهوض والتحول “[18]، من خلال هذه الفقرة يتضح تداخل مجموعة من الأفكار التي تنتمي إلى أزمنة مختلفة، فما فعله الروائي أنه جعلها ( الأفكار ) تدخل في حوارات بينها، ففي البداية نجد فكر ابن رشد العقلاني والنوراني الذي يتميز بالانفتاح والحيوية والكونية أيضا، وبالمقابل نلاحظ أيضا فكر الظلاميون والمستبدون المحدود والعدواني في علاقته مع فكر ابن رشد، حيث كان هذا الفكر عائقا لابن رشد في سعيه إلى نشر عقلانيته، كما نجد أيضا فكر الغرب الانتهازي والمصلحي، لكونه أخذ أفكار ابن رشد وأنقذ بها شعوبه من ظلمات القرون الوسطى، وفي الأخير نجد فكر الأمة العربية المعاصر، وهو فكر سلبي منفعل، وما يدل على هذا عودة الروائي إلى زمن ابن رشد من أجل أن يقتبس فكره لكي يضيء بها الظلام الفكري الذي يُخيم على عصره، إن سمة التهجين هنا تتمثل في مزج هذه الأفكار في شكل حوار، حيث نلمس بوضوح ” حوارية ” الأفكار فيما بينها، ومن السمات الأخرى، الجمع بين زمنين مختلفين: الزمن الماضي ويمثله: ( ابن رشد، والظلاميون، والغرب )، الزمن الحاضر: ويجسده: ( الواقع المعاصر للأمة العربية )، فالأفكار هنا حضرت بوصفها شخصيات، وقد ” عوَّضت الحضور الفعلي للشخصيات، وهي تقنية سردية لجأ إليها الروائي أحمد المخلوفي من أجل هدف أساسي يتمثل في العودة إلى فكر ابن رشد العقلاني باعتباره حلاّ من شأنه أن يُخرج الفكر العربي المعاصر من أزماته، ومن الأمثلة الأخرى التي توضح هذا النمط من التهجين الذي فيه مزج بين أفكار مختلفة تنتمي إلى أزمنة متباينة، قول الروائي: ” أسكرتني كلماته وتوشياته… لكن انقباضا مفاجئا طوقني.. لاحظ الأمر فقال: إنك تعاني، فبح لي بما أثقل عليك.. قلت الإرهاب يضرب بلدي يا سيدي.. أي إرهاب تعني… إرهاب الداخل أم إرهاب الخارج؟ تملكني صمت، رحت أتحسس رأسي.. الإرهاب واحد سيدي.. إنه القتل المادي والمعنوي، وأعتقد أن غريزة التسلط أو الهيمنة لدى الإنسان، هي من يولد هذا الوحش الذي يسمى الإرهاب الداخلي أو الخارجي، أما إن شئت من المنظور الكلي الذي تعشقه قلت: إنه قد لا يخرج عن هذه مجتمعة أو مفترقة: إرهاب سياسي اقتصادي ديني فكري عَقدي لغوي طائفي عِرقي أو ثقافي..، اسمع يا صديقي أنا عشت في أتون هذا الوحش كما سميته… حاولت قدر المستطاع ترويضه بسلاحين كانا في متناول يدي: سلاح الفكر وعقلانيته، وسلاح الوحي المنزل بسماحته وفضائله… “[19]، من السمات التي تبين التهجين في هذه الفقرة ربط المخلوفي فكرة الإرهاب بزمنيين مختلفين: زمن الحاضر وهو زمن تحدث الروائي مع ابن رشد عن ظاهرة الإرهاب، والزمن الماضي وهو زمن ابن رشد الذي كان فيه الإرهاب أيضا، فالإرهاب هنا فكرة أو قضية حلت محل الإرهابيين الذين يقومون بسلوكات عدوانية تجاه الآخرين ( الأعداء )، وقد تولد عن هذه القضية أو الفكرة حوارا بين الروائي وابن رشد وهو حوار افتراضي، نظرا للفارق الزمني بينهما، إن التهجين هنا لا يتمثل في فكرة الإرهاب نفسها فهي فكرة واحدة، بل إن التهجين يتجلى في تقسيم هذه الفكرة إلى الزمن الماضي والزمن الحاضر والمزج بينهما في شكل حوار يتجسد في الروائي وابن رشد، فقد جعل المخلوفي قضية الإرهاب ” حوارية “، والهدف الأساسي من هذا ” السلوك السردي ” هو الحد من ظاهرة الإرهاب التي تنتشر في المجتمعات العربية المعاصرة، وذلك باتخاذ ابن رشد أنموذجا لمواجهة الإرهاب بسلاحين اعتمد عليهما في ترويض هذه الظاهرة، وهما سلاح الفكر وعقلانيته، وسلاح الوحي المنزل بسماحته وفضائله، أي نشر التسامح بين الناس، فالمخلوفي يلجأ ـ دائما ـ في روايته إلى ابن رشد لكي يطرح أسئلة على واقعه المعاصر.

إن التهجين في رواية شعلة ابن لم يقتصر على الشخصيات بمعناها الكلاسيكي، بل تجاوزه إلى تهجين الأشياء والحيوانات…، أي تهجين العوامل بحسب نظرية العوامل عند “كريماص”، ومن الأمثلة التي توضح هذا النمط من التهجين في الرواية، ما نصه: ” كنت فرحا وأنا أضع خطوي في أثر خطوك، قبل أن أفاجأ، وعلى حين غرة، بيد تمسح وبحقد غريب خطواتك التي هي دليلي، وكلما حاولت التقدم على هدى خطو بصيرتي. إلا وانتصبت أمامي وحوش ضارية تعوي  وراء حواجز مانعة “[20]، إن المتأمل لهذا المقطع يلمس بوضوح توظيف الروائي للعوامل على أنها شخصيات، كما يلمس أيضا تداخل هذه العوامل، فقد استخدم الروائي ( اليد والحقد والوحوش الضارية ) باعتبارها شخصيات فاعلة في الأحداث، حيث قامت بدور النيابة، فاليد والحقد والوحوش الضارية يمكن أن نعتبرهم شخصيات معادية لسعي المخلوفي الوصول إلى مدينة ابن رشد، وعليه فإنها ـ بحسب تقسيمات كريماص ـ عوامل معاكسة، والتهجين في هذه الفقرة يتضح من خلال جمع الروائي بين اليد التي تعتبر من الأشياء، والحقد الذي هو إحساس مصدره القلب، والوحوش الضارية التي تنتمي إلى الحيوانات، فقد مزج المخلوفي هذه المكونات الثلاثة المختلفة وجعلها شخصيات موحدة، دورها الأساسي إعاقة سير الأحداث.

لقد حضر التهجين بشكل كبير في شخصيات رواية شعلة ابن رشد واختلفت أنواعه، لذلك كان من اللازم أن نختار الأنواع التي نراها مهمة وتمثل ظاهرة التهجين بشكل واضح.

خاتمة:

 

من خلال ما سبق يتبين لنا مدى أهمية مفهوم التهجين في نظرية الرواية، حيث يُسعف هذا المفهوم في استنطاق الروايات الجديدة والكشف عن حوارية مكوناتها، مثل: ( الزمان، المكان، الرؤى السردية… )، هذا بالإضافة إلى أنه يتيح إمكانات تحليلية أخرى لنقاد الرواية تتجاوز التحليل النمطي السائد، مثل: ( تحديد الشخصية المركزية، أو الزمن المهيمن، أو الرؤية السردية المُوظفة من قِبل الروائي… )، ففي الروايات البوليفونية لا يُسعفنا هذا النوع من التحليل؛ لأن طبيعة هذه الروايات تختلف، فلا يوجد شيء ثابت، بل إن أساس هذه الروايات هو التداخل والأسلبة والتهجين، وهذا ما نجده في رواية شعلة ابن رشد التي حللنا عنصرا من عناصرها، وهي الشخصيات، فوجدنا أنها ( الشخصيات ) لم تحضر بشكل تقليدي نمطي، بل إن المخلوفي تلاعب بالشخصيات، من خلال المزج بين شخصيات تاريخية وأخرى تخييلية، أو الجمع بين شخصيات تاريخية لكنها تنتمي إلى أزمنة مختلفة، كما لمِسنا ـ أيضا ـ اختلاف مفهوم الشخصية، إذ لم يعد مقتصرا على الشخصيات التقليدية، التي تحمل أسماء، وتقيم حوارا بينها، بل أصبح حوار الأفكار والرؤى، وحوار الأشياء فيما بينها يُعتبر شخصية أيضا، في إطار ما يُسمى بـ: ” العوامل “، لذا يُمكن القول، إن رواية شعلة ابن رشد تُمثل ـ بامتياز ـ الروايات البوليفونية الجديدة.

 

 

 

 

 

 

 

 

الهامش

 

1)ـ ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، ترجمة محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 1987م، ص: 14

2)ـ ميخائيل باختين، الماركسية وفلسفة اللغة، ترجمة محمد البكري ويُمنى العيد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1986م، ص: 155

3)ـ ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، ص: 35 

4)ـ نفسه، ص: 38

5)ـ نفسه، ص: 28

6)ـ حميد لحمداني، أسلوبية الرواية: مدخل نظري، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1989م، ص: 85

7)ـ ميخائيل باختين، الخطاب الروائي، ص: 39

8)ـ حميد لحمداني، أسلوبية الرواية: مدخل نظري، ص: 86

9)ـ ميخائيل باختين، الخطاب الروائي،  ص: 30

10)ـ حميد لحمداني، أسلوبية الرواية: مدخل نظري، ص: 88

11)ـ ميخائيل باختين، الخطاب الروائي،  ص: 38

12)ـ نفسه، ص: 38

13)ـ نفسه، ص: 38 ـ 39

14)ـ حميد لحمداني، أسلوبية الرواية: مدخل نظري، ص: 85

15)ـ أحمد المخلوفي، شعلة ابن رشد، مطبعة الخليج العربي، تطوان، ط1، 2017م، ص: 55 ـ 54

16)ـ نفسه، ص: 65 ـ 66

17)ـ نفسه، ص: 114 ـ 113

18)ـ نفسه، ص: 4

19)ـ نفسه، ص: 40 ـ 39

20)ـ  نفسه، ص: 5

                                                        

مقالات من نفس القسم