“البحث عن روسيا في الماتروشكا” للدوسرى.. يعيد تشكيل نظرتنا إلى وطن تشيخوف وأنفسنا

"البحث عن روسيا في الماتروشكا" للدوسرى.. يعيد تشكيل نظرتنا إلى وطن تشيخوف وأنفسنا
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

ندى الهاشمي

لا يكتب احمد الدوسري دون أن يثير فينا الأسئلة التي يقدمها بطريقة تجعل من صياغة الأجوبة حالة إبداعية أيضا.

ولكنه في نفس الوقت لا يتركنا بدون أن ننهال عليه بأسئلة أخرى قد تعني في الكثير من الأحيان إننا نتفق، أو نختلف في نقاط معينة.

 

ندى الهاشمي

لا يكتب احمد الدوسري دون أن يثير فينا الأسئلة التي يقدمها بطريقة تجعل من صياغة الأجوبة حالة إبداعية أيضا.

ولكنه في نفس الوقت لا يتركنا بدون أن ننهال عليه بأسئلة أخرى قد تعني في الكثير من الأحيان إننا نتفق، أو نختلف في نقاط معينة.

غير إن الدوسري يمتاز بأسلوب يجعل القارئ يتعلق بكتبه رغم اختلافها من حيث الشكل والمضمون بين شعر ورواية ودراسة ومسرح وصلت إلى أكثر من 60 عملا .

وهو ما يجعل العمل يحمل موسوعية كاتبه الذي يحمل درجة الدكتوراه في الأدب والحضارة والفلسفة العربية من جامعة جنيف.

في كتابة الصادر حديثنا /2013/ “البحث عن روسيا في الماتروشكا” يكشف الدوسري عن جوانب مهمة في تلك الدولة العظمى، وفي نفس الوقت يضيف لتجربة الكتابة عن الدول بصورة مختلفة، مشوقة، ومثيرة.

لكن لماذا علينا أن نبحث عن روسيا مع الدوسري في “الماتروشكا” تلك الدمية الروسية المميزة والتي لا يمكن فصلها عن وطن بوشكين وتولستوي وغوغول .

كأنه يستعيد مقطع بوشيكن

 ” أريد أن أتغنى الحرية الإنسانية   

 وافضح الرذيلة في عروشها”.. لكن هل روسيا بحاجة لمن يسرد عليها ما عاشته وما تعيشه، الجزم هنا إننا من نحتاج ذلك، فروسيا اكبر من الكرملين. والكتاب موجه للقارئ العربي.

هنا يضعنا الدوسري ليس أمام روسيا جديدة، بل انه يبتكر نظرة جديدة لنا لروسيا والآخرين، وبنفس الوقت ان الكثير من هذه النظرة يجب أن يعيد تأملنا لنفسنا.

من يقرأ الكتاب سيجد ان الدمية ليست تذكار يمكن حمله، أو قطعة توضع على طاولة. انها علاقة المكان مع ساكنيه، علاقة ثقافتهم مع ذاكرتهم، وفي انصع كشف انه نظرتهم للتاريخ والمستقبل معا.

روسا تحب الأبطال، والعرب كذلك، لكن ما يفرق بين الاثنين إنهم لا ينتظرون الفارس القادم من بعيد بل يصنعونه.

لذلك وجد الدوسري نفسه يكتب عن السياسة والثقافة والنكات الشعبية والأكل الروسي والمبدع وتجارة الرقيق والمافيا والمطاعم العربية والاستثمار العربي في روسيا ولينين ويلتسين وبوتين و و و و. روسيا كل هذا.. هذا ما يجب أن نفهمه من الدوسري.

هذا الكتاب علاقة شخص أحب روسيا، لكن حبه من نوع مختلف. انه حب يصنع في ذاكرتنا روسيا كما يحب ان نراها معه مؤكدا بان روسيا لا تملك حقيقة واحدة. وذلك يعني إن ما تناوله الكاتب هو ما رغب ان نعرفه عن روسيا كما في خياله وكما هي في واقعها .

هذا المزج المثير للدهشة بين روسيا الخيال وبين روسيا الحقيقة جعل من الكتاب رقيا وحادا، مفرحا وحزينا، لكنه وقائع وحقائق لا يكن التغاضي عنها، وجميل ان نكتشفها.

حقيقة ان روسيا لا يمكن النظر إليها من جانب واحد لتعشقها، إنها العالم الواسع الذي يمكن ان تعشقه من كل جانب ، هذا ما أرادنا ان نعرفه الدوسري، لكن بالمقابل يطرح علينا ما يبعث على القلق في روسيا وتحولاتها التي مرت بحادث الشيشان وصولا للتطور والتدبل في الموقف الروسي تجاه قضايانا.

الدوسري يحفر في المشهد الروسي وذاكرتنا معا، وذلك ما يجعل هذا الكتاب عملا إبداعيا لا يمكن إلا التسليم بأنه إضافة مميزة للمكتبة العربية.

انه ببساطة الفارس الذي لا تنتظره روسيا، لكن نحن بحاجة لكتابه لنعيد تجذير نظرتنا إلى روسيا وأنفسنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

د. أحمد الدوسري – البحث عن روسيا في الماتروشكا – البحرين – مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع –  2013 – 309 ص.

مقالات من نفس القسم