أدريانا ليسبوا
ترجمة ناصر الحلواني
كان هناك أربعة أفنية في منزل جدي.
يقع المنزل في الفناء الرئيسي، حيث البوابة المؤدية إلى الشارع، ومن فوق السور المنخفض، كنا نختلس النظر إلى الرؤوس التي تمر متأنية. وأحياناً، من الشرفة، كنا نشم رائحة النهر ـ رائحة القماش والصلصال. وفي الموضع المفتوح المخصص للسيارات، كانت سيارة جدي الفولكس فاجن البنية اللون.
إلى اليسار، المفصول بجدار آخر وتعريشة، كان عالم من أشجار الأفوكادو والبيت الصغير الملحق. التقطنا حبات الأفوكادو لنصنع بها أبقارا ذات أرجل أربعة نجعلها من عيدان الكبريت. لا أذكر بالضبط الغاية من ذلك البيت الصغير الملحق، كان عبارة عن حجرة صغيرة مغلقة معظم الأوقات، ولكن كان بمقدوري رؤيتها في أحلامي.
إلى اليسار أيضا، مفصول بجدار آخر، وتعريشة أخرى، كان عالما مختلطا: مستنبت وأزهار أوركيد، ودجاجات، وأشجار جوافة، وشجرة رمان، تكاد تكون مهملة، تقع في أقصى المكان، بعيدة عن أي شيء. وقعت أختي ذات مرة من أعلى شجرة جوافة، واصطدم بطنها بالصنبور، وانتهى بها الأمر في المستشفى.
إلى اليمين من الفناء الرئيسي، كان الفناء الأخير، المحظور تقريبا، كان هناك جدار، أما التعريشة فكان لها بوابة خشبية صغيرة، كنا نحب القفز فوقها، لمجرد الاستمتاع بذلك. كان هناك الكثير من الأعشاب، والأشجار العالية، والظلال، وأشياء يصعب وصفها تزحف على الجذور، وضوضاء الحشرات التي لم نرها أبدا. كان الجو حارا، وكان وقت العطلة، مثلما هو الأمر دوما، ولكنها قد تُمطر، ولكن الأمطار أمهلت أقدامنا حتى تدوس بساط الأوراق القديمة، والفاكهة المتعفنة، والديدان البطيئة الطرية.
أفنية منزل جدي الأربعة تكتنفها بوصلة، وحينما ركبت، لأول مرة، المركب الشراعي الكبير المزدحم بالناس، كنت أضعها في جيبي: إن لم يكن لأجل الاسترشاد بها، فعلى الأقل لأجل سحرها.
……………….
أدريانا ليسبوا: كاتبة برازيلية، عاشت لفترة في فرنسا، والآن في الولايات المتحدة، لها 12 كتابا، بين رواية وقصة قصيرة وشعر وقصص للأطفال، حصلت روايتها “السيمفونية البيضاء” على جائزة خوسيه ساراماجو (وهي مترجمة إلى العربية).