الآخر مثلي .. قراءة جديدة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أميرة محمود

بعد قراءات متعددة لساراماجو يبدو ليّ أن أكثر ما يرغب به في رواياته، أن يضعك حين تقرأ له أمام أسوء كوابيسك لكن ميزة الكابوس تكمن في أنك تعلم أنه كذلك بمجرد استيقاظك ثم تتعجب من نفسك كيف كنت تشعر بهذا الخوف وأنت تحلم رغم أنه كابوس خيالي ولا مجال لحدوثه في واقعك الهادئ والرتيب.

تبدو الحياة الحقيقية دومًا أشدّ بخلاً بالصدف من الرواية والأشكال الأخرى من التخييل، إلا مع قبول أن مبدأ الصدفة هو المحرك الوحيد والحقيقي للعالم وفي هذه الحالة فإن ما يُعاش وما يُكتب يجب أن يكون له الثقل نفسه وبالعكس.


ويستغل ساراماجو الفضاء الرحب الذي تتمتع به الرواية لخلق صدف لا يجود بها الواقع كثيرًا، فيحوّل الكابوس من مجرد حلم عابر ينتهي وتعلم تمامًا استحالة تحققه إلى واقعة تحدث بالفعل، دون أن يستشير عقلك في إمكانية حدوث شيء جنوني كهذا في الواقع. هو يعلن فقط أنه يحدث؛ انتهي
ولك مطلق الحرية في أن تستكمل القراءة أو لا، من منّا يستطيع إذن كبح جماح الفضول والرغبة في معرفة كيف سيكون شكل الخيال حين يُطبق على أرض الواقع؟ كيف ستكون تفاصيله، نتائجه، مبرراته؟ هذه الأخيرة والمقصود بها المبررات لا يرهق ساراماجو نفسه للإجابة عنها ولا لتقديم أسباب لما يحدث، فقط الجنون والاستمتاع بتفاصيله.
هذا ما يحدث في كل رواية لساراماجو، الاختلاف فقط في نوع الكابوس (موضوع الرواية) وتفاصيله.

واضح أن ما يجب أن يكون سيكون ويملك الكثير من القوة، ليس من المجدي أن يتشاطر المرء مع القدر فهو خاسر دومًا.


الكابوس الذي يطرحه في هذه الرواية، ماذا لو وجدت نسخة أخرى منك؟
ليس لك شقيق توأم، ليس تشابه في شيء أو اثنين أو حتى عشرة، ليس تشابه بل تطابق فحين تنظر إلى هذه النسخة ستشعر وكأنك تنظر في المرآة؟
نسخة؟ هل هو نسختك حقًا أم أنك أنت نسخته؟ من سبّق الآخر؟
جميعنا يعلم المثل الشهير (يخلق من الشبه أربعين) لكن ماذا إذا أتيحت لك الفرصة للتقابل وجهًا لوجه مع هذا الشبيه أو حتى معرفة وجوده حقيقةَ على درجة من القرب؟

المعرفة هي حقًا شيء جميل، هذا يتوقف على ما نعرف، هذا يجب أن يتوقف أيضًا على من يعرف.


لا أحد ينكر أن التفرد والتميز هو أحد أهم الأشياء التي نسعى إليها ونرغب في تحقيقها، رغم أن كل منّا يختلف في محاولاته للوصول إلى هذا المسعى فالبعض يحاول التميز بطريقة مبالغ بها أحيانًا حتى أنها تثير الشفقة، البعض الآخر تكون طريقته في التميز هو الاختلاف مع ما هو سائد أيًا كان دون تفكير حتى ينتهي إلى أن يصبح شخصية لا تعرف ما تريده بالفعل وما تفضله وما لا تفضله وما أسبابها في ذلك طالما أن المجتمع الخارجي يستمر في فرض آراء معينة يلزم هو نفسه مسبقًا بمعارضتها بلا وعيّ.
البعض الأفضل يكتفي بكونه هو، وفي رأيي هؤلاء هم الأكثر تميزًا لأنهم استطاعوا فعل ما لم يقدر الآخرين على فعله؛ أن يكونوا أنفسهم.
لذا يصبح الآخر الذي يشبهني، الآخر الذي هو مثليّ مصدر إزعاج دائم، وكأن وجوده يأخذ من مساحة وجودي ومن قدرتي على أن أكون فريد ومتفرد، هذه المشاعر والأفكار وغيرها الكثير هي ما يتناولها ساراماجو في الرواية بتفصيل شديد، ساراماجو يكتب الأشياء التي لم تكن تتخيل يومًا أنها قابلة للكتابة بالطريقة هذه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم