استعادة أسامة الدناصوري في “التنوير”

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif";}

أسامة الدناصوري لم يكن اسماً عادياً في الشعر والنثر. ما كتبه، على قلته، يعد علامات. كان أيضاً إنساناً كبيراً، وصاحب شخصية محببة بقدرته الكبيرة على السخرية والحكي. في السخرية بدأ بنفسه قبل الآخرين، وانتصر على الشعور بالظلم تماماً، خصوصاً فيما يتعلق بمرض الكلى، الذي أودى بحياته في النهاية. كان متصالحاً إلى أقصى درجة، وكانت ندوته في دار "التنوير، الأحد الماضي، تعبيراً عن محبة وتقدير كبيرين لإبداع ولشخصيته.

أسامة الدناصوري لم يكن اسماً عادياً في الشعر والنثر. ما كتبه، على قلته، يعد علامات. كان أيضاً إنساناً كبيراً، وصاحب شخصية محببة بقدرته الكبيرة على السخرية والحكي. في السخرية بدأ بنفسه قبل الآخرين، وانتصر على الشعور بالظلم تماماً، خصوصاً فيما يتعلق بمرض الكلى، الذي أودى بحياته في النهاية. كان متصالحاً إلى أقصى درجة، وكانت ندوته في دار “التنوير، الأحد الماضي، تعبيراً عن محبة وتقدير كبيرين لإبداع ولشخصيته.

 عبدالحكم سليمان، الذي أدار الندوة، قال إنه كان سيبدأ من الظلم الذي تعرض له أسامة، غير أنه فعلاً بقليل من التفكير تأكد أن أسامة لم يكن مظلوماً، وهو نفس ما أكد عليه الروائي حمدي أبوجليل، أن أسامة كان يتحرك بين مريدين وتلاميذ كأستاذ كبير، وأنه أبداً لم يشعر بهذا الظلم في حياته.

الصحفي إيهاب الملاح قرأ شهادة للروائي ياسر عبداللطيف، المقيم في كندا. كتب ياسر في ورقته: “أتذكر لقاءنا الأخير، لم يكن الأخير تماماً، فقد ودعته على فراش المرض قبل أن يموت بأيام ذات مساء في الأيام الأولى من عام 2007، وكانت آخر جملة سمعتها منه: “دور وحش قوي”، يصف بها مرض موته، وكأنه بتوصيفه للمرض الأخير بالدور، يخفف قليلاً من روعي، ويطمئنني أنه سيتجاوز ويقوم. لكني كنت أقصد لقاءً آخر قبلها بنحو شهرين.. كنت أستريح بين نوبتي عمل على مقهى الحرية في باب اللوق ظهيرة يوم جمعة، وجاء أسامة بخطوته الخفيفة، يحمل دائماً باكيت جديداً من المناديل الورقية مع علبة سجائره “اللايت”. كان وقتها منهمكاً في كتابة فصول كتابه الجميل والمؤلم “كلبي الهرم.. كلبي الحبيب”، لكنه أسمعني يومها قصيدته الأخيرة المهداة إلى سهير زوجته. كانت قصيدة حب متأخرة، يعبِّر بها لسهير عن امتنانه العميق لحبها الكريم الذي تحمل مرضه الطويل ونزواته المتقلبة. نُشرت القصيدة آنذاك بجريدة الأهرام، وأعطاني أسامة المخطوطة أحتفظ بها الآن على مكتبي في المعادي بالقاهرة”.

وأضاف: “ولد أسامة بقرية “محلة مالك” بمحافظة كفر الشيخ، وعاش بمدن دسوق والإسماعيلية، وفي الإسكندرية عاش بشقة جميلة تشرف على محطة سيدي جابر من طابقها التاسع، ثم إلى القاهرة. ولم يغادر مصر سوى للسعودية التي عمل بها فترة كمدرس للعلوم بنهاية الثمانينيات. أنجز أسامة خلال فترة إقامته في فيصل، التي استمرت اثنتي عشر سنة، ديواني “مثل ذئب أعمى” 1996 و”عين سارحة وعين مندهشة” 2003، وكان قد أصدر أيام كان في الإسكندرية ديوانه الأول “حراشف الجهم” والذي بدا في مرحلته القاهرية وكأنه تبرأ منه ومن قصائده، لكن ذلك لم يمنعه من نشر ديوان “على هيئة واحد شبهي” عام 2001، الذي ضم قصائد عامية قديمة، وهي قصائد أقدم ربما من ديوانه الأول وتعود لبواكير شبابه، وقد أضاف لها قصيدة عامية وحيدة كتبها لاحقاً في رثاء الشاعر مجدي الجابري، وفي أسابيعه الأخيرة، اكتشف أسامة قدرته على كتابة السرد بشكل متدفق. وراح يكتب فصول “كلبي الهرم..” متلاحقةً، يكتبها ـكما يقول محمد بدوي “كأنه يأكل في آخر زاده، بتوتر وانهماك وسرعة. وكلما أنجز فصلاً حمله معه أينما حل، وبثه للأصدقاء البعيدين، وألقاه على القريبين، كما يلقي شعره…”. وينتهي الكتاب على مشهد تجدد الأمل في قهر المرض بعملية زرع الكلى. هل أنهى أسامة الكتاب. أم تم انهاؤه تقريبياً؟ لو امتد العمر بأسامة، لامتدت معه ـ فيما أعتقد ـ صفحات الكتاب”.

وائل عبدالتاح ألقى كلمة شدديدة العذوبة والتأثير. قال وائل: “لا أعرف لماذا حبست نفسي في غرفة المكتب أربعة أيام بعدما (خبطني) الخبر: أسامة الدناصوري… خلاص. لم يكن الخبر مفاجأة بالمعنى الكامل للكلمة. كنت أنتظره منذ أول يوم عرفته فيه، فهو من نادي الفشل الكلوي. ومفردات مثل المرض والموت المرعبة، كانت طبيعية وأليفة في عالمه، منذ عرفته. التقينا قليلاً، مقارنة مع مساحته عندي، في كل مرة أكتشف جزءاً منه. كنت مطمئناً، رغم القدر المحتوم، إلى أن هناك وقتاً لكي أعرفه أكثر. لكنه فعلها واختفى بعد أيام قليلة من انتهاء كتابه الجديد الذي كتب فيه بروفة الموت. وظننت أنه انتصر إلى الأبد على تجربة عاش معها 12 سنة متنقّلاً بين وحدات الغسيل الكلوي التى عثر بين تفاصيلها على حكايات وأصدقاء، ودراما منحته حياة إضافية، قرر قبل أن يختفي أن يتركها وديعة. وديعة أربكتني بأبطالها وأسرارها وحفراتها في ذاكرة لا أعرف من أين تمتلئ. كيف صنع أسامة من المساحة الضيقة كل هذا العالم المتسع؟ كيف التقط، وهو على أريكته التي قضى عليها معظم سنواته الـ47، كل هذه الحياة؟ هو وسهير، والضحكة بينهما سر لا آخر له. قصة لم تتعلق فقط بالشعر الذي اختاره عكس دراسته علوم البحار، ربما هي الخبرة الخاصة لجسد مطارد بمرض شرس وروح شرسة تلك الشراسة المرحة. في قفزها بعيدا عن كيتش المريض وفيتيش الزائر الدائم للمستشفيات. تلك الروح أدرك الآن قدرتها علي التقاط الحياة في المسافات الضيقة”.

وأضاف: “كيف يمكن أن تفلت من جنازة صديق؟ كيف يتحول الصديق صوراً تبحث عن ملف للحفظ؟ وكيف تعيش حياة واسعة، في مساحة أقصر من مشوار بين السرير والسرير؟ الأسئلة هي مهدئ المرعوبين من الموت. الآخرون يغرقون في الإجراءات والتفاصيل. أما أنا فأهرب إلى عزلة إجبارية مع أسامة. أحاول أن أجمع مشاهدي معه. هو صاحب اللغة المفتونة بالماضي لكنها تسير إلى حداثة تعرف أنها مترجمة. وهو الذي تلمع عيناه ببريق غير بريق الصحة يرثي كلبه الماهر في اصطياد الطرائد ويعزيه عن قدرته على الصيد. هو الذي كتب العزاء بنفسه وأخرج من أجندته الخضراء كل تلك الحكايات القاهرة للموت ثم مات. ها أنا أعترف. هو اعترف قبلي حين استسلم لخطيئة طبية قاومها كثيراً. تسرّب بوداعة من يعبر نفقاً شفافاً. كنت أراه وأكذب عينيّ حين غادر مقهى (الجريون) يوم انتصار الأهلي وحديثنا عن (أورغازم) الكرة وعن علاقته بالكتابة الأخيرة. يومذاك كنت بين نقيضين: بين أنّه سيعود لأنه كتب النهاية واستراح من همّها، فيمكنه الآن أن يعيش أطول… وبين أنه في الهالة التي لا نراها، سينتهي من كتابة البروفة وينزع الأنانبيب ويرتاح من التفاصيل المملة ويطير. يطير إلى أرض الشعراء، هناك على قمة جبل سيسمّيه وإلى جانبه كلبه الحبيب ربما بعافية جديدة”.

الشاعر والمسرحي باسم شرف قال إن علاقته بالشاعر أسامة الدناصوري بدأت في دار ميريت، وتوطدت به خلال لقاءات كثيرة بصحبة الناشر محمد هاشم، وأضاف أنه قام بانشاء مدونة خاصة بالشاعر بعد وفاته، لأنها كانت رغبته، وسماها “أنا دلوقتي ميت”، ووضع عليها بعض النصوص الخاصة به.

الشاعر علاء خالد قال إنه تعرف إلى أسامة الدناصوري في كلية العلوم، ولم يكن وقتها قد بدأ في كتابة الشعر، وبعد التخرج، رقد الدناصوري بالمستشفى بسبب مرض مزمن كان يعاني منه، وذهب إلى زيارته كثيراً حتى أصبحت علاقتهما قوية، مضيفاً أنه في هذا التوقيت قرأ الكثير من الكتب مع الدناصوري، مشيراً إلى أن الشفاهي كان يسيطر على تجربة أسامة، فعلى سبيل المثال لو أعجبه ديوان لأحمد عبدالمعطي حجازي يبدأ في تسجيل القصائد بصوته على شرائط كاسيت.

وشهدت الندوة قراءة من قصائد ونثر أسامة الدناصوري لحمدي أبوجليل وأحمد ندا وباسم شرف ومحمد عبدالنبي.

مقالات من نفس القسم