إيناس حليم: ابتعادي عن الإسكندرية خلق صورتها الجميلة في مخيلتي!

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 23
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورها: حسن عبد الموجود

لم تكن الكاتبة المصرية إيناس حليم تعتقد أنها تمتلك نفَساً طويلاً يمكِّنُها من كتابة رواية، وبعد سنوات طويلة مع القصة والتكثيف والاختزال وإصدارها مجموعتين هما “يحدث صباحاً” و”تحت السرير” جاءتها فكرة رواية، ووجدت نفسها في تدريب عكسي، تحاول إقناع ذاتها خلاله بسرد التفاصيل الكبيرة والصغيرة، والاستمتاع بالوصف، وتحول حلمها بكتابة عمل طويل إلى واقع، حيث أصدرت مؤخراً روايتها الجميلة “حكاية السيدة التي سقطت في الحفرة”.

وهذه الرواية ليست واقعية بالكامل، وليست خيالية بالكامل، وإنما مزيج بين الاثنين. واقعها في وضوح الشمس، وخيالها في غموض المناطق الضبابية، لكن الرواية كذلك تكاد تنطق برائحة اليود التي تميز مدينة الإسكندرية وتصطاد لحظات الهواجس والخوف والحنين في حياة بطلتها وهي تبحث عن امرأة تُدعى ميرفت ابتلعها شارع “النبي دانيال” بالمدينة الساحلية ذات يوم. نعيش في هذا الحوار مع إيناس حليم لحظات كتابة الرواية وأيضاً نتعرف على علاقتها بالإسكندرية التي صارت أكثر رسوخاً بعد أن غادرتها.

كيف جاءتك فكرة الرواية، وهل بحثتِ مثل بطلتك في الأرشيف (أعداد مجلة صباح الخير وتحقيقات مفيد فوزي) أو في الواقع؟

جاءت فكرة الرواية صدفة أثناء مروري عبر الإنترنت على جملة “شارع النبي دانيال الذي يبتلع الفتيات”، أدهشتني العبارة وفتنتني الفكرة فقررتُ بدء رحلة البحث عن ذلك اللغز، رحلة مليئة بالكثير من الأسئلة والتأملات التي لها علاقة بكُنه الفتاة التي ابتلعتها أرض الشارع ومجاز الابتلاع نفسه الذي امتد بشكل أو بآخر إلى حياة سكان المدينة. أما فيما يخص تفاصيل رحلة البحث فقد اعتمدت على مصدرين أساسيين؛ أحدهما الأرشيف الصحفي وتحقيقات مفيد فوزي بشكل خاص في أعداد مجلة “صباح الخير” كما ذكرتُ نصًا في الرواية، والآخر المتعلق بالتواصل مع أقارب الفتاة والبحث عن معلومات تخص الفترة التي عاشت فيها والأماكن التي كانت لها علاقة بها.

لماذا لجأتِ إلى التفسير السياسي لاختفاء عروس الإسكندرية “ميرفت أحمد شحاتة” كالإيحاء بأن هناك يداً لرشيدة مهران (وهي غريمتها والزوجة الأولى للصحفي الذي صارت زوجته الثانية) بما تمتلكه من نفوذ، والإيحاء كذلك بأن هناك يداً للسادات في قصة اختفائها؟

لم أؤكد على أي تفسير للحادثة من أي نوع. ما قمتُ به هو مجرد طرح لسيناريوهات مختلفة للحكاية وأسبابها دون التحيز لسيناريو على حساب سيناريو آخر، قد يكون لتلك التفسيرات أبعاد سياسية أو اجتماعية أو حتى خرافية. ذلك الثالوث المطروح إذا ما فرّغناه من تفاصيل الحكاية نستطيع أن نعكسه على أي حادثة غامضة يمكن أن تحدث في أي مكان أو أي زمن. أما ما يتعلق بالجانب السياسي للحكاية والتي كانت رشيدة مهران جزءًا منه باعتبارها الزوجة الأولى للصحفي أنور سعيد زوج ميرفت، أو الجانب المتعلق بإشاعة أنها كانت مجرد حادثة مُدبرة لإلهاء الشعب الغاضب عن انتظار الحرب في عهد السادات، فكلاهما أيضًا كانا سيناريوهين مطروحين وقتها في الصحف وفي الشارع بعيدًا عن أي قناعات شخصية لي.

التفسير الخرافي بأن ملك الجان اصطحبها إلى الأرض السفلى هل سببه سهولة تصديق المجتمع لتلك الخرافات؟

أعتقد أن جزءًا كبيرًا من مجتمعاتنا العربية في ذلك الوقت وفي كل وقت يؤمن بهذه الأفكار والتفسيرات للعديد من هذا النوع من الحوادث، ربما لأن الموروث الشعبي العربي الذي يعتمد في كثير من الأحيان على حكايات خيالية، جعل التصديق بأن هنالك عالماً غامضاً له علاقة بالجان والعفاريت والسحر، وهو الطريق الأقرب والأسهل لتفسير ما لم يستطع العقل مَنطَقته، بالإضافة إلى غرابة ولا منطقية حيثيات حادثة اختفاء الفتاة، مما جعل الناس يوقنون بوجود ذلك العالم رغم غموضه وشفافيته، لا سيما أن الإعلام والصحافة وقتها كانا لهما دور مؤثر في الإيحاء بمثل تلك الأفكار.

البطلة كانت أكثر ميلاً إلى الخرافي بحكم حكايات جدتها ماري أو بحكم حكايات أمها “الكاتبة”.. ما رأيك؟

البطلة درست الصحافة لكنها ظلّت في منطقة وسطى بين ثلاث مناطق؛ عوالم جدتها المعتمدة على القصص الخرافية والحواديت القديمة، وعالم أمها التي درست علم الأساطير وتأثرت به وعكسته على حياتها بشكل أو بآخر، والعالم الثالث الخاص بدراستها للصحافة وما خلّفه ذلك على شخصيتها من الاعتماد على تحليل الأحداث عن طريق الوقائع والأدلة المادية. يصعب أن أقول إنها كانت أكثر ميلاً إلى التفسير الخرافي لحادثة النبي دانيال لأنها كباحثة وكاتبة للرواية داخل الرواية كانت تطرق كل المناطق للبحث عن الحقيقة دون وضع تأويلات مسبقة، فقط بحث بِكر – إذا صح الوصف – رغم تأثرها بعالمي أمها وجدتها، غير أن علاقتها المتوترة بأمها داخل النص جعلتها تميل لطَرق الجانب الواقعي الذي يحاول أن يجد تفسيرات للحادثة تخص طبيعة التربة أو تحليلات سياسية للوضع.

تقول البطلة في نهاية العمل وهي تتحدث عن روايتها إنها ربما تكون قد كتبتها من أجل نفسها في الأساس، وليس من أجل ميرفت أحمد شحاتة.. ما الأقرب إلى التصديق في وجهة نظرك؟

كلنا نكتب في الأساس من أجل أنفسنا، وفي حالة البطلة شادن فقد كانت شخصيتها المهزوزة بسبب نشأتها داخل بيت مفكك تحت ظل علاقة متوترة ومسمومة بين الأب والأم، سببًا رئيسًا في تعزيز رغبها في أن تجد طريقًا منفصلاً ومختلفًا عن مآلات أمها في الحياة، وأن تُثبت لنفسها أن لديها القدرة على ذلك الانفصال المتمرد في ظاهره وشديد العاطفية في باطنه، وعلى تجاوز الأزمة التي خلّفتها طبيعة الأم وتعاملها في نفسية ابنتها وحياتها نتيجة أنها لم تستطع أن تحب نفسها لأسباب تتعلق بفشل زواجها، ومشاكل أخرى حقيقية أو وهمية تتعلق بطفولتها. فكاتبة النص – سواء داخل الرواية أو في الحقيقة – تأثرت بحكاية ميرفت فقررت أن تكتب حكايتها الشخصية أو جانبًا منها نتيجة ذلك التأثر، وأن تكتب حكايات من حولها بكل ما يحملونه من هشاشة وأحزان وخسارات.

لماذا لجأت إلى تحديد الزمن في بدايات الفصول، مع أن الزمن اتضح في ملابس ومجلات وأسماء مطربي وممثلي “الزمن القديم” و”الأقدم”؟

فكرة تحديد الزمن في بدايات الفصول لم تكن فقط بغرض تحديد تفاصيل الأماكن والملابس والأثاث أو أي تفاصيل تخص تلك الفترة، ولكن أيضًا بغرض توضيح التسلسل الزمني لكتابة الرواية حيث كُتب كل فصل خلال شهر كامل بدايةً من يوليو 2002 إلى يوليو 2003، بالإضافة إلى أن التأكيد على تفاصيل تلك المرحلة وتوثيقها يعتبر جانبًا مهمًا ومقصودًا من الرواية وليس جانبًا هامشيًا لمجرد رسم صورة لمسرح الأحداث.

ما الفارق بين الإسكندرية الخاصة بك وإسكندرية لورانس داريل وإبراهيم عبد المجيد وعلاء خالد الذي استعرتِ عنواناً له هو “الحكاية علامة شفاء الراوي”؟ هل هي الإسكندرية التي يتخيل الزائر أنها مجرد شارعين طويلين وبحر؟ أم أنها إسكندرية الشوارع الجانبية المتقاطعة التي راكمت عبر زمن طويل جبلاً هائلاً من الحكايات والأسرار؟

أحب مقولة أن الإسكندرية ليست مدينة واحدة بل أكثر من مدينة تختلف ملامحها باختلاف ناظرها، فهي في روايات إبراهيم عبد المجيد المدينة التي لم تنفصل أبدًا عن تاريخها، حيث يجعل الكاتب الكبير من تحولاتها التاريخية البنية الأساسية للنص لتنعكس تلك التحولات على أهل المدينة وصورتها. وفي نصوص علاء خالد مكانًا تتغلغل تفاصيله في شخوص ساكنيه لتتشربها ملامحهم، فيعبر عن حياتهم بمشاهد شديدة البساطة والألفة لتكتمل بسرد حكاياتهم حكايته التي تُظهر بدقة انتمائه للمدينة ككاتب سكندري اختار ألا يبتعد عن الإسكندرية. أما ما كتبه لورانس داريل في رباعية الإسكندرية من وجهة نظري هي رحلة هدفها الأساسي الكتابة عن شخصيات إنجليزية، ربما أُغرموا بالمدينة لكنهم لم ينتموا إليها بشكل حقيقي، مُطِعمًا رحلته بقصص حب تحت مظلة مرحلة تاريخية معينة، متخذًا من المدينة مسرحًا للأحداث ليس أكثر.

أما الإسكندرية التي أكتب عنها فهي المدينة التي خلقت الظروف بيني وبينها مسافة كانت كفيلة بأن تمحو أي انتماء أو تعلق بها، لكن ما حدث هو العكس؛ ساعدت تلك المسافة على خلق الدهشة أمام كثير من المشاهد التي خزنتها ذاكرتي، فأصبحت تلك المشاهد التي يمر عليها سكان المدينة كل يوم مرور الكرام مصدرًا مغويًا وملهمًا للحكي، كما خلقت اندماجًا أكبر مع تفاصيل المدينة والتماهي فيها ورؤيتها والتعبير عنها بشكل مختلف ينتصر لصورتها الجميلة في ذاكرة جيلي ويرفض أي تغير طرأ على ملامحها أو أية محاولات لتشويهها. أستطيع القول إن بُعدي عن الإسكندرية بسبب ظروف السفر رسم في عيني صورتين مزدوجتين للمدينة؛ الأولى بعين زائر تُدهشه صورتها كشارعين وبحر، والثانية بعين شخص ينتمي للشوارع الداخلية بتقاطعاتها وأزقتها ومبانيها ومقاهيها، فأصبحت مزيجًا من صورة الكورنيش مع الشوارع المتقاطعة الواسعة والضيقة، ومزيجًا من الحكايات والأسرار المدهشة التي حدثت يومًا ما في المدينة، مع الحكايات شديدة العادية التي يرويها الناس في الشارع كل يوم.

لماذا يجب أن تحدث كل الحكايات في مدينة تطل على بحر كما تقول بطلتك؟

بالطبع ليست كل الحكايات تحدث في مدن تطل على بحار. ما كتبته في النص مجازًا يخص حكاية البطلة التي رمت أمها سُرتها الجافة يومًا ما في البحر ليرتبط مصيرها بالإسكندرية، وكذلك يعكس ويُكثف شعوري تجاه المدينة وبحرها. ربما لأن حكاياتي الأكثر حميمية حدثت في الإسكندرية؛ المدينة الأكثر إغواءً للكتابة عنها بالنسبة لي ولكثيرين من أهلها أو حتى الأغراب عنها.

كانت هناك محاولة دائمة في الرواية للإيحاء بأنها واقعية من خلال وصف لأماكن وأسماء وأفلام حقيقية ومع هذا كانت الغرابة حاضرة في قلب هذا الواقع، فمن بين الهدايا التي تلقتها البطلة مثلاً من أمها “صائدة كوابيس”، وكذلك أقلام.. كل قلم منها لا يكتب إلا شهراً واحداً فقط.. لماذا كنت تمسكين العصا من المنتصف إذا جاز لي التعبير بين الواقعي والخيالي؟

أُحب مدّ ذلك الخيط بين الواقع والخيال، تُغويني الكتابة عن تلك المساحة بينهما وتسليط الضوء على الجانب الفانتازي الذي يمكن أن يعكس ملامحه على أي حكاية مهما كانت، سواء حرّضت الحكاية على اختلاق تلك الفانتازيا، أم كانت الغرابة من نسيج الحكاية نفسها كما حدث في هذه الرواية، التي كان مجرد حدث غريب ومدهش وغير منطقي بذرتها. تعبير إمساك العصا من المنتصف لائق تمامًا على هذه اللعبة التي حاولت الانخراط فيها والاستمتاع بها أثناء الكتابة.

لجأت إلى لعبة الكتابة داخل الكتابة، فالأم كاتبة والبطلة كاتبة وهناك تداخل حدث بين روايتيهما.. ما الذي منحته هذه اللعبة في وجهة نظرك للرواية؟

رواية الأم المعتمدة على عرض مذكراتها كانت مهمة لسرد تفاصيل الماضي الخاص بالأب والابنة والعمة من وجهة نظرها الشخصية، التي تختلف بشكل كبير عن وجهة نظر ابنتها شادن بطلة الرواية، تضارب وجهتي النظر على مدار الرواية سواء فيما يخص تأويلات حكاية ميرفت وأسلوب كتابتها، أو الأفكار الخاصة بعلاقتهما معًا أو حتى علاقتهما بمن حولهما، هو في الأساس جزء أصيل من فكرتي عن الكتابة التي تعتمد على المناطق الرمادية لسرد الأحداث، وتقف على مسافة واحدة من جميع الشخصيات دون تصدير أي أحكام. هذه اللعبة تمنح مصداقية أكبر للنص وشخوصه لأنه يُحاكي الواقع ويرفض أي ثنائيات تخص الخير والشر، القوة والهشاشة، الصدق والكذب، وكذلك.. الأبيض والأسود بكل أشكاله ومآلاته.

هل يمكن القول إن الأم والبطلة هما مرآتان لبعضهما؟

يمكنك القول إن الأم والبطلة وجهتي نظر مختلفتين للعالم، لا أعتقد أن إحداهما مرآة للأخرى فيما يخص طبيعة الشخصية، لكن بالطبع التفهم الذي حدث نسبيًا في نهاية الرواية من البطلة تجاه الأم كان مقصودًا لتوضيح فكرة الحيادية في التعامل مع العالم والبشر.

الرواية تستدعي كذلك كتابات وسير كتاب مثل فيرجينا وولف.. هل اختيارها هي تحديداً لمزيد من التأكيد على كآبة العالم؟

فيرجينيا وولف في نصوصها كانت تسعى وراء معرفة الحقيقة؛ حقيقة الأشخاص وحقيقة العالم وفلسفاته، وذكرها في الرواية كان انعكاسًا لشخصية الأم التي طلبت من ابنتها أن تقرأ قصتها لتبحث بدورها عن الحقيقة التي تخصها. نستطيع أن نقول إن ما يربط فيرجينيا وولف وشخصية الأم هي ثيمة الوحدة التي عانت منها كل منهما، وقصة المرأة والمرآة التي تم سردها في الرواية بشكل خاص كانت تُعبر عن الصور المزيفة للأشياء ومحاولة تنقيتها للوصول إلى تلك الحقيقة.

ماري الجدة المسيحية تزوجت من الجد المسلم عبد الحافظ.. ما المختلف الذي ترين أنك أضفتيه إلى الأعمال التي تتناول تلك المسألة الحساسة؟

في صعيد مصر يُعتبر زواج المسلم من مسيحية ذنبًا لا يُغتفر. أردتُ ببساطة تمرير فكرة احترام حريات واختيارات الأفراد، دون الحديث بصوت زاعق عن هذه القضية الحساسة ولكن فقط من خلال عرض قصة ماما ماري وعبد الحافظ التي يمكن أن تحدث في الواقع، والتي نتج عنها في الرواية زواج ناجح وحب ممتد حتى بعد وفاة ماري.

لماذا ربطت اختفاء ياقوتة باختفاء ميرفت وما المتشابه بين الشخصيتين؟

ياقوتة شخصية حساسة وهشة كانت لها أحلامها الخاصة في البحث عن السعادة والحب قبل أن تتزوج من عدنان الذي بهرها عالمه رغم أنه لم يكن يُشبهها أو ينتمي إلى عالمها، وبالرغم من أنه اعتبرها مجرد بديل لزوجته الأولى. شعورها الدائم بأنها ناقصة وغير كافية جعلها تقبل ذلك الزواج برضا تام لأنها عاشت طفولة قاسية في ظل زوج أم يُصدِّر لها فكرة أنها تعيش في كنفه حياةً لا تستحقها. رجوعها وعيشها في بيت أخيها كان محاولة لإثبات وجودها وجعلهم يتأملون حزنها، واختفاؤها المفاجئ كان محاولة لمحو شعورها بالثقل على هذا العالم. هذان الشعوران المتناقضان ربما هما نفسهما ما شعرت به ميرفت يومًا ما في بيت زوجها أو في بيت أهلها، بعيدًا عن أي تأكيدات تخص تفاصيل حياة ميرفت ومشاعرها قبل اختفائها، لكن ما كان واضحًا في مذكراتها الحقيقية التي تم نقل نصوص منها في الرواية يُظهر بما لا يدع مجالاً للشك أنها عانت حزنًا وألمًا ما.

ما جيلك؟ ومن الأسماء الأقرب إلى ذائقتك ولماذا؟

أنا من جيل التسعينات، لكنني غير مؤمنة بالتصنيف الجيلي فيما يخص الكتابة لأنني أرى أن الكاتب في الأساس يكتب من أجل الإنسان، والأزمات الخاصة بالإنسان لا تختلف كثيرًا من جيل لجيل حتى وإن اختلفت القضايا التي تؤثر على حياته.

لا أتمسك بالقراءة لكاتب معين، أقرأ لكتاب كثيرين عرباً وأجانب وأتعلم من الجميع. أحب ميلان كونديرا، ماركيز، خوسيه مياس، إيزابيل الليندي، فيرجينيا وولف، أوسكار وايلد. تأثرتُ بالقراءة لإبراهيم أصلان، محمد المنسي قنديل، بهاء طاهر، صنع الله إبراهيم، علاء خالد وإبراهيم عبد المجيد وأمير تاج السر، ومن أبناء جيلي منصورة عز الدين، طارق إمام، ميرال الطحاوي، محمد الفخراني، وغيرهم.. كل هؤلاء لم يقصدوا الكتابة عن مجتمعات بعينها، بل كتبوا عن الإنسان وماهيته وشعوره وأحلامه ومأساته.

هذه أول رواية بعد مجموعتين قصصيتين ما المختلف بين الرواية والقصة وأيهما وجدت نفسك فيه أكثر؟

الفرق بين القصة والرواية يشبه الفرق بين بناء شقة في طابق في بناية، وبين تشييد بناية كاملة الأساسات والمعمار. بالطبع القصة القصيرة لها جمالها ودهشتها وأدواتها وشروطها كي تُكتب بشكل صحيح ومؤثر، لكن الرواية أيضًا لها وهجها الخاص بما تحمله من تحريض على الاسترسال والتدفق في السرد وتعميق للشعور ورسم للشخصيات وخلق حالة من الاتساق بين كل عناصر الرواية.

هل كنت تعتقدين أنك تمتلكين هذا النفَس الطويل الذي مكنكِ من كتابة رواية ضخمة؟

في الحقيقة لا؛ لقد قضيتُ وقتًا طويلاً في تدريب نفسي على ترك التكثيف والاختزال المتعلقين بالقصة القصيرة وتحويلهما إلى تكثيف واختزال من نوع آخر يلائم النص الروائي، كما درّبتُ نفسي على وصف التفاصيل الخاصة بالأماكن والشخصيات وأبعادها النفسية ومشاعرها.

أخيراً.. ما طموحك للكتابة؟

طموحي أن أكتب مشروعًا يهتم بالإنسان وأزماته في ظل علاقته بمحيطه ومدينته، كما أطمح في أن أستكشف وأكتب عن أسرار وحكايات كثيرة غير مروية ترتبط بالإسكندرية.

 

مقالات من نفس القسم