“شقي وسعيد” لحسين عبد الرحيم.. إعادة اكتشاف الإنسان داخل الإنسان

شقي وسعيد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. سامح الجباس

قبل أن تقرأ:

(لا دخل لمعرفتى الشخصية للروائى حسين عبد الرحيم بما كتبته من رأى حول روايته الجديدة، ولا أحتاج إلى التأكيد أيضاً أنه لايوجد أي سبب يدفعنى لمجاملة أي كاتب – حتى اذا كنت أعرفه بشكل شخصى – وأن كل ما أكتبه هو ماسيجده أي قارىء أو ناقد – محايد – إذا ماقرأ هذه الرواية)
*
• يبدو لى – بوضوح – أن هذه الرواية ينطبق عليها – بشكل تام – مقولة ميشيل فوكو بأن الرواية هى:
{إعادة إكتشاف الانسان داخل الانسان}
*
• (شقى وسعيد) هى – تصنيفيا ً – رواية مابعد الحداثة.
هى رواية سير مكانية، تحتفل بالمكان من حيث كونه ذاكرة ورهاناً ومصيراً.
*
• الراوى المشوش التفكير، المضطرب الأفكار، الصامت، المراقب للأحداث دون أن يتدخل فيها.
لنقرأ من الرواية:
(كرات النار تتكور فى حزم ملتهبة لتتعالى فوق وابور الغاز، أنظر للفراغ، أدعك عينى مستسلماَ للخدر، يتمدد جسدى على أثر الوشيش.
أسأل نفسى:
– أين نحن؟
أتوه…)
• لنقرأ أيضا هذا المقطع:
(مابين النوم والصحو تتوقف ذاكرتى لأنصت للمقيمة وهى ترشف القهوة وتهزنى، تنادينى، تخلخل جسدى وأنا الغائب عن الجمع، الذاهب لبلاد الله خلق الله، تسبقنى خيالاتى بذاكرة منفتحة على ماحدث وكثير من آتٍ لا أعلمه…)
*
(شقى وسعيد) هى رواية واقعية.. تدور أحداثها عن تهجير أبناء بورسعيد من مدينتهم عقب عدوان 1967
يكتب د. صلاح صالح فى كتابه (سرديات الرواية العربية المعاصرة – – المجلس الاعلى للثقافة – القاهرة 2003:
“الأحداث الروائية الموسومة بالواقعية هى تلك الأحداث التي حدثت فعلاً، أو تلك التي تمتلك قابلية مقنعة للحدوث، بحيث تعيد الأعمال الروائية تشكيل بعض الوقائع الفعلية، وتُعيد أيضاً تشكيل شخصياتها، وتحافظ فى الوقت نفسه على نكهة البيئة الواقعية وخصوصياتها وتفاصيلها بحيث لايشكل الواقع إلا نوعاً من المادة الخام التي لاتصير مادة روائية قبل صهرها وإعادة خلقها من جديد.”
*
وقفة (1):
فى عام 2012 أصدر الكاتب الكبير محمد البساطى روايته (بيوت وراء الأشجار) التي دارت أحداثها حول مشكلة (المهجرين من بورسعيد بسبب الحرب)
والتى تدور أحداثها فى بلدة صغيرة تكل على بحيرة المنزلة.
لكن البساطى كتب روايته من زاوية رؤيته هو كإبن لمدينة المنزلة التي استقبلت هؤلاء (المهجرين)
أما حسين عبد الرحيم فقد كتب روايته من كونه (ابن حقيقى لهؤلاء المهجرين)
بل…..
ربما يكون هناك منظور آخر لرواية حسين عبد الرحيم انها – ربما – أو الأكيد أنها تحمل جزءا لايُستهان به من تجربته الشخصية أو حياته بالفعل.
*
وقفة (2):
• بُنيت رواية (شقى وسعيد) على ثيمة وهى:
اقتفاء حياة وسيرة الأب “الغائب” وهذا المزج بين ماهو متخيل وما هو حقيقى، وبهذه اللغة المميزة التي اختارها الكاتب، أحالتنى – دون أن أتعمد ذلك – إلى واحد من أهم نصوص السرد العربى والتجربة الفريدة فى هذا المجال وهى (تجليات الغيطانى) للكاتب الكبير الراحل جمال الغيطانى.
(مع الاختلاف الواضح جداً والتباين بين العملين الإبداعيين)
*
• لنقرأ – من الرواية – هذا الجزء الدال فى طفولة الراوى:
(كان سراج النور لهلال يُظهر بريق الخلخال فى قدم الصديقة وهى تنظر قماطى بقرف وتستبدل كفولتى ملتفتة إلى الجارة كوثر: فقرى منذ ميلادك، جئت بالحرب وللحرب جئت، للشقاء بك عدنا يافقرى يا وجه الفقر.)
*
• أسماء الشخصيات تعتبر من السمات المميزة لهذه الرواية، وهذا أمر لايمر على كاتب متمرس مثل حسين عبد الرحيم، إذ من أبجديات الكتابة (الخاصة جداً) عن بورسعيد هو أسماء الشخصيات التي دمغت بها المدينة أبنائها وهذه بعض النماذج منها:
– أم اللول
– أم العصفورى
– حمام
– حليمو
*
• قرية التهجير: البصراط بدمياط:
لنقرأ هذا الوصف (الدال / الموجز / السينمائى) من الرواية:
(صار الفاصل بين كل أسرة وأخرى جدار من ورق الكرتون، أو البطاطين الصوف الممزقة بثقوب صغيرة وأخرى كبيرة متسعة، مرقعة ببضع قطع من القماش السكروتة…)
• ثم تنتقل الأسرة الى طلخا بالدقهلية بعد قرار الأب حسانين أن يظل ” مستبقى ” فى بورسعيد وألا يرحل عن المدينة.
• أصبح الراوى يُعرف بلقب ” الحسين ابن المهجرين “
• له أخوة وهم: قدرى وفاطمة وعلى.
لكنهم لايظهرون فى أحداث الرواية الا نادراً، حيث يبدو الراوى كأنه ابن وحيد.
*
• العبارات فى السرد:
قصيرة، موجزة، مشدودة، لايمكن الاستغناء أو حذف أي كلمة زائدة فى السرد.
*
• انفرد “الراوى” برؤيته وسجل وحده الحدث، فسقطت المسافة المكانية الفاصلة بينه وبين مكان الحدث، فهو داخل المكان ذاته، كما سقطت المسافة الزمنية الفاصلة بين زمنه – فهو راو يروى الأحداث بعد نهايتها – وزمن الحدث، لأنه يروى الحدث كما شاهده، فيتزامن زمنه وزمن الحدث.
لنقرأ هذا الجزء من الرواية:
(أحاول أن أصل إلى نهاية لتلك الاستدعاءات، مابين حاضر وماض، أرى شبحاً لفهمى الجمال المخبول الذى يسكن بيننا فى حارة سعيد، أتساءل واعياً: “لماذا يشعل الحرائق كل ليلة فى بيته؟ فعلها كثيراً عندما حدثوه عن ناصر والسد العالى”.
*
• بعد صدمة الراوى فى اغتصاب وانتحار حبيبته (أم هاشم) بأن أشعلت النار فى نفسها، يزيد هزيان وتخاريف الراوى وتختلط بشدة الخيالات بالواقع بالأحلام بالكوبيس فى ذهنه وفيما يرويه حتى يحتاج الأمر إلى تركيز أكثر من قارىء الرواية حتى لا يتوه بعد أن يتحول السرد إلى (متاهة)
*
• فى الفصل العشرين من الرواية – وهو الفصل الأخير – تنغلق الدائرة التي بدأها الكاتب فى الفصل الأول بطقوس موت وتغسيل ودفن الأم، لتعود إلى نفس الحدث فى الفصل الأخير.
ليكون موت الأم هو بداية أحداث الرواية، وذكريات الراوى، وهو أيضاً السطر الأخير فى هذه الذاكرة المشتتة.
الفقرة الأخيرة من الرواية:
(رفرف جسد أمى، غابت الشمس فى سماء بورسعيد، كوّمت ذراعىّ فوق صدرى ثم فردتهما، نظرت فى وله وقد تجلى جسد ” الصديِقة ” شفيفاً يتعالى، يحلق، ينفذ للقبة العالية لمسجد مريم، يفارق المئذنة والقبة، يعبر رؤوس النسوة، يفارق السماوات…)
*
تساؤل موجه إلى الكاتب حسين عبد الرحيم، كان يلح علىّ كثيراً أثناء قراءة روايته المميزة:
(ألا تظن أن القارئ – العادى – ربما فقد اتجاهه وضل – ربما – بين سطور الرواية من كثرة امتزاج متاهات الحلم والخيالات والواقع فى شخصية الراوى؟)
*
كلمة أخيرة:
لا أجد حرجاً عندى من إبداء ملاحظة على الناشر (على الرغم من معرفتى الشخصية بدكتورة هناء البواب المشرفة ومديرة النشر فى الدار)
عندى انطباع – ولدته أدلة كثيرة – أن ناشر هذه الرواية ربما سيساهم – بقصد أو بدون قصد لا اعرف – فى أن تُظلم هذه الرواية من حيث توزيعها فى مصر وهذا يبدو واضحاً فى عدم وصول نسخ الرواية – الورقية – حتى لحظة كتابة هذه السطور إلى مصر.
(على الرغم من أهمية الرواية التي تخاطب جزء هام من التاريخ الانسانى الشعبى الحقيقى لمصر فى واحدة من أكثر فترات التاريخ المصرى اختلالاً.)
• وهذا يقودنى إلى سؤال ظل يراودنى طوال قراءتى لهذه الرواية.
سؤال أوجهه إلى الروائى حسين عبد الرحيم:
(ألم تخطئ عندما اخترت أن تنشر هذه الرواية – بالتحديد – مع دار نشر ليست مصرية؟)

……

الرواية: شقى وسعيد

المؤلف: حسين عبد الرحيم

الناشر: دار خطوط وظلال – الأردن   2021

مقالات من نفس القسم