إرث الخصوبة

محمد العنيزي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد العنيزي

– 1 –
… وكان صائداً.. يردد تعويذة القوس والسهم.. ويعبر ببوصلة قلبه غابة تمتلئ بالحكايات.. وفي كل مرة يعود إليهم وفي جعبته حكاية.. وكانوا يقتاتون من مائدة حكاياته.. ولمَّا حملوا أقواسهم وسهامهم لفظتهم الغابة ولم يعودوا بحكاية واحدة.
كان في مواسم الجني يحاكي الثمار بلغة القطاف.. ويعود إليهم بقمح وتفاح.. وكانوا يجنون نبتات صبار شوكية تدمي أياديهم ويظلون ينزعون أشواكها المنغرزة في أصابعهم.
وكان ينثر أغنياته في البساتين.. حتى وهبته الأغصان مزهرية من إرثها.. استودعت فيها أسرار الزهور.. وغدت اليمامات تحط على بابه كل صباح وتشدو:
– يا حارس المزهرية امنحنا دفقة من عطاء الزهور..
وكانوا يلهجون بهسهسات الرمال.. فيختزنون في حناياهم السوافي.. وتمتد الكثبان في حقولهم.

– 2 –
كان يطير مع الأحلام المثيرة.. يحدثهم عن حلم يتأبط جناحيه.. يرى فيما يراه النائم أن حرف ( لو ) مجسم كبير ومجرور على عجلات.. يربط المجسم بحبل متين.. يجره عبر شوارع المدينة.. والمارة يتأملونه باستغراب.. يظل يجر المجسم حتى يتوقف به أمام باب بيته.. وحين يستفيق من نومه يهرع إلى باب البيت.. يفتحه ولا يجد المجسم.. ويقول لنفسه في كل مرة :
– هي أضغاث أحلام..
وكانوا يُقَلبون الحقائق فيشعرون بالغيثان.. ويحتكمون إلى عدالة إدراكهم فيصيبهم الذهول.

– 3 –
ذات حكاية قال لهم إن الحب بذرة.. وإنه غرسها في شبر من أرض قلبه الخصبة فأنبتت شجرة.. كلما هبط فوقها خريف تسَّاقط أوراقها.. ثم لا تلبث أن تعود للإخضرار حين يطل عليها الربيع مرة أخرى.. وقال لهم إن العالم متاهة كبيرة.. ثم أغمض عينيه وأردف:
– لن أحدق في هذه المتاهة..
اختصر المزهرية والحلم والحكايات في زفرة واحدة.. تتبعها رغوة طفحت فوق شفتيه.. راحوا يتلمسون برودة جسده المسجى.. ثم عاشوا يقتاتون من حكاياته المعلبة في قلوبهم.

مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

ثقوب