لا أبالغ عندما أقول إن فرغلي كان له تأثير شخصي كبير علي، تعرفت عليه من خلال زوجته التي تبنتني وشعرت بأمومة تجاهي، كنت ومازلت في بداية مرحلة النضوج الثقافي والمعرفي، أحسست من خلال هذه الاسرة الصغيرة قبول مسؤليتي بصدر رحب، وكنت دائما عندما تدور فكرة في ذهني بشأن تحقيق أو لقاء صحافي، كان إبراهيم فرغلي أول من أفكر بالاتصال بِه، فيرد قائلاً: “أيوه يا فاشلة” وكنت أضحك لأنني أعلم جيداً أنه يريد أن يراني أفضل، ولكنني كسولة، ثم يتبادل معي النقاش حول الفكرة التي أقوم باستشارته بشأنها ويدعمني بأرقام الشخصيات التي تستطيع أن تفيدني في هذا الموضوع، فالتداخل مع أسرة روائي وخصوصاً إبراهيم فرغلي والحياة شبه اليومية مع زوجته وبناته الاثنتين ليلى وعالية- اللاتي كانوا ومازالوا يطلقوا عليّ “أختنا الكبيرة” أضافت لي الكثير من الخبرات الحياتية والعملية التي لا يمكنني إنكارها.
“وجود الرقيب في هذا العصر وكل عصر في الحقيقة لم يكن يوما منطقياً، لأنه فعل سياسي، ويرفع شعارات أخلاقية ويعتبر نفسه وصياً على الأخلاق أو العقائد، بينما لا يدرك أن فكرة وجوده هي فكرة لا أخلاقية لأنها فكرة تمنحه وصاية لا تليق بالمجتمعات الديمقراطية التي يفترض أن يتساوى فيها حق الجميع وبينهم الرقيب في المعرفة وكل شخص مسؤول عن رفض أو استقبال ما يقرأه بحرية تامة”هذا كان رأي فرغلي في أول تحقيق عن ظاهرة الرقابة عن الكتب ومنع نشرها، فلم يقول فرغلي هذه الإجابة الا لأنه مقتنع تماماً بحرية الرأي ليس في الكتب فقط بل في الحياة أيضاً، فمن يعرف فرغلي عن قرب يعلم جيداً أنه شخصية متحررة من تلك القيود التي فرضتها مجتمعاتنا العربية، لا مانع ان تُمارس حريتك دون أن تسبب أَذًى لأي شخص مهما كان نوعه.
رأيت فرغلي في بيته، يتعامل مع زوجته وبناته ومعي بكل أريحية دون تصنع، لم يضع نفسه رقيباً عليهن، بل يطلق لهن الحرية الكاملة حتى في تناول وجبات الطعام، فلم يجبر أحداً على أي شيء، تعلمت من فرغلي أن أكون متحررة مسؤولة عن تصرفاتي، لن أنتظر العتاب من أي شخص عن موقف اتخذته، تعلمت المصداقية مع نفسي أولاً قبل الآخرين.
فرغلي يفهم تفكيري، يدرك عمري العشريني، أحياناً يلقبني بـ”المجنونة” التي تفعل دون أن تفكر في عواقب هذا العمل، ولكنه يتحدث معي ويناقشني دون تعصب أو فرض رأيه على، ويدرك تماماً أن كلامه لن يكون”فض مجالس” فيتركنني لأكتشف ذلك بنفسي.
عندما أتذكر فرغلي تستوقفني لحظات وجوده هو وزوجته فور علمهم في الخامس من شهر ديسمبر الماضي بدخول والدتي المستشفى ليلاً، عندما وصلنا المستشفى وجدتهم من أول الحاضرين، ولم أبال بأي أحد إلا حضن زوجته تهدئني قائلة إن والدتي سوف تكون بخير، ولكن بعد علمي بوفاتها، أتذكر كلمات فرغلي عندما كان يسألني عن والدتي قائلا: “الأم عاملة إيه؟“.
هكذا كان يتحدث عن أمي بوصفها شخصية عظيمة بتأثيرها في حياتي رغم خلافاتنا أحياناً) أتذكر جيداً نظرات فرغلي لي وعيونه تتحدث”الأم سوف تكون بسلام، ولكن الفراق هو الصعب، وأنتي أقوى من أي هزة تأتي لكِ في عمرك هذا“.
لم يتركني إبراهيم فرغلي ولم يبال بانشغال زوجته معي خلال هذه الفترة العصيبة علي ولا إهمالها لبناتها وبيتها وتواجدها بجواري ليلاً ونهاراً، شعر بمسؤوليته تجاهي والتي طالما باقتربي منه وجدت أن كثيراً ما يمارس ذلك أو يشعر بالمسؤولية، حتى مع أشخاص ليسوا من دمه ولا تربطهم به أية صلة سوى الصداقة. فشكراً لإبراهيم فرغلي على وجوده بحياتي.