أُربّي شجرة برتقال في قميص مُمَزَّق

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مروان ياسين الدليمي

1

أنا ابن الرمل،
أفكّ أزرار النهار كي لا يختنق الحلم في جيبي،
وأدلّكُ أكتافَ المساء بضحكةٍ مستعملة،
سرقتها من وجه عاملِ تنظيفاتٍ .

الفقرُ ليس لعنة،
بل طائرٌ رماديٌّ يغنّي في شقوقِ الحيطان،
أطعمه كسرةً من تأملي،
وأربتُ على رأسه كما يُربَّتُ على ولدٍ خجولٍ يَسهو في الرياضيات.

الحريةُ تسكن معي في نفس الغرفة،
لكنها تأبى أن تنام إلا على الأرض،
لأن السرير — برأيها — اختراعٌ برجوازيٌّ يقتلُ الأفق.
أحيانًا،
تتنكر في هيئة قطةٍ سوداء تعبر طريقي،
تضحكُ حين أتظاهر بالخوف،
وتخمشُ وجهي حين أنسى أن أقول لها صباح الخير.

أنا لا أملك ثمنَ المواعيد،
لكنني أملكُ ساعةً حائطيةً لا تشير إلى شيء،
تدقّ كلّما خطر ببالي أن أُهادِن،
أو أن أشتري حقي بحفنة امتيازات.

في جيبي قصيدةٌ
كتَبَتْها امرأة عاطلةٌ عن العمل،
ونقشتها بمشطٍ مكسور على زجاج نافذة مهجورة،
وأقسمتْ أن لا تبيعها إلا لمن لا يملك شيئًا.

فلا تسألني عن المعنى،
إنه يتسكّعُ في الأزقة،
يلبسُ عباءةً من الغبار،
ويشرب القهوة الباردة مع سيدةٍ عجوز
كانت حرّةً
قبل أن تُصادر الدولة فمها.

2
أنا الذي علّمت الفقر
أن يُربّي شجرةَ برتقالٍ في قميصٍ ممزّق.
علّمتُه كيف يضحك من صفيحة القمامة،
وكيف يُقنع جائعًا أن الريح خبزٌ شفاف.

كلُّ شيءٍ فيَّ يتآمر مع الحرية،
حتى الشقوق في قدمي،
حتى المطر الذي يسعل تحت ثيابي،
حتى صوت أمي وهي تَشتم الحكومات وتضحك.

لم أطلب من العالم أكثر من ظلٍّ لا يُسرق،
ولقمةٍ لا يُكتب عليها اسم البنك،
لكنهم أرسلوا لي الجوع على هيئة ضابط شرطة،
وأرسلوا النوم في هيئة زنزانة.

وحين سألني أحدهم:
“ما معنى أن تكون حرًّا؟”
أشرتُ إلى يدي المرتجفتين،
وقلت:
أن لا تبيعَ أصابعك لأجل رغيف.

الفقر
صديقي الوحيد الذي لم يخنّي،
كان يأتي كلّ صباح،
ويضع أمامي جريدةً قديمة وقطعة من السماء.

كنت أكتب الشعر على ظهر الجرائد،
وأوقظ الموسيقى في الحجارة،
وأُعيد ترتيب الذاكرة في صناديق الحنين.

وحين تعب الحنين،
بنيتُ له كرسيًّا من الخشب المكسور،
وقلت له: اجلسْ،
الحرية ستأتي،
وإن تأخرتْ.

مقالات من نفس القسم