أيها الرب.. طريقك لا يؤدي إلى روما

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عمّار ذياب

أخذ قطعة القماش المخبأة تحت ملابسه اللزجة، مسح وجهه من الدم المتطاير جرّاء قطع رأس المدان بجريمة الهرطقة، أُقحم وسط الأحداث غير مستوعب الأمور بعد. العباءات المذّهبة، والصلبان اللامعة، بخور أخذ على عاتقه مداعبة أنوف من حضروا، فالأحلام لا حدود لها.

......

لم أدرك الأمور دفعة واحدة، فالارتباك كان سمة حضوري و إنصرافي. الزنزانة رطبة، الظلام رفيقي، الهمس كان لغة دارجة، كلغة (الحسچة ) الجنوبية، سومر لا وجود لها، بابل لم تولد من ثنايا الموت المحيط بكل من مرَّ قاصداً هذا المكان، البحر يداعبُ الشباك المرتفع عنا بذراع ويزيد، جوٌّ شاحبٌ، الرمادي سمته الغالبة، موج البحر يجيء و يذهب كبحر الموت في (الخطيئة السابعة). أترقّب ظهور ملك الموت لا لشيء سوى أن ألعب الشطرنج معه، لا لأغلبه، لكن لأرى كيف يلعب، لا لشوقٍ سوى رؤية هيبة الحضور.

سألني رجل جلس على مرمى نفسٍ مني عن الوقت، أجبته النهار نصفه راح، لا أعرف إن إنقضى نصفه الآخر دون سوقنا للمجهول.

حضوري كان سوريالياً، كحلمٍ وجومٍ، لم أحبذ خوضه، الرجل يتكلم لغة أقرب إلى الهمس، أردت معرفة مضمون كلامه، لم أستطع، وددتُ إستنطاقه، لم أ فلح، رائحة الفزع هبّت بدخول الحارس قاطعاً سلسلة الأفكار والهلوسات كل حسب مصيبته، أخبر الرجل أن الموعد قد حان، أقتاده حرسٌ يرتدون الحديد، و السيوف على جنبات الخصر. أوقفونا بطابور طويل و رحنا نخرج تباعاً، وصلنا لباحة البناء الحجري. ساحة واسعة، تتسع لألفٍ و نيّف، وقفنا نترقب ما يمكن حدوثه، صعد متحدثٌ بإسم الرب على خشبة مسرح الموت، وقد سبقه رجلٌ بلباس أسود، انتقب بقطعة قماش سوداء، قربه فأس كبيرة، راهنت نفسي إنه لن يستطيع حملها، حال كل الرهانات، خسرته. بعد هذا بقليل، أُستقبل الرجل الذي أقتيد من وسطنا و أنحنى على رُكبتيه عند الخشبة، و أخذ المتحدث بالكلام إليه بصوت عالٍ تشعر أنه أستهدف الحضور وليس الرجل، يَعِضهُ بإسم الرب و بيت الرب و  أصحاب الحق الإلهي، و و و ، أسماء عديدة، هم نوّاب الرب.

لم ينطق الرجل بكلمة، أوعز المتحدث باسم الرب بانقضاء مهمته مترجلاً عن مسرح الموت، أو هكذا أسميته بالنسبة لي على الأقل، ثبّت الحارسان الرجل على الخشبة، حمل صاحب الرأس المجهول، الملفوف بالسواد رهاني عالياً، أسقط الفأس لتخلع الرأس عن الجسد، في لحظة الرعب الكبيرة، صوت عفوي صدر عنا جميعاً تداركه البعض بالصلوات، البعض الآخر في البكاء، ومنهم بالصمت وهو ما لذت به، إلا من دمعة سالت على خدي الأيمن، أستدركتها برفع رأسي للسماء، مناجياً متضرّعاً، يا ربِّي، لِمَ هذا العذاب ؟ لِمَ جعلت من يتكلمون بإسمك أحراراً؟ هل حقاً أنت من أرسلهم؟ لمْ يجبني، رغم رؤيتي له جالساً على كرسيّ رمادي، يلبس جُبّاً رمادياً، وجهه إتشح باللون الرمادي، والملائكة تدور حوله، بملابس رمادية. و إجابته الصمت بلونٍ رماديّ.

…..

أحسست بضوءٍ يداعب عيوني، فززتُ من فراشي، في غرفتي بالطابق العلوي، يتراقص على أُذنّي صوت عصفورٍ يشتكي من طبيخ عصفورته، و قد ثار على أطفاله، الذين لم يوفقوا في دراستهم على ما أعتقد، بعد أن اغتسلت جلست عند الطاولة في المطبخ، أمسكت جهاز التحكم بالتلفاز، عند نشرة الأخبار ظهر رجلٌ يلبس اللون البرتقالي، سُعدت لرجوع الألوان بعد الحلم الرمادي، مستمتعا بها، مبتسماً على صوت المذيعة التي لا تنطق جملة دون خطأ لغوي، و هو ما أصبح نوعاً من الرتابة اليومية لسماعِ نشرة الأخبار.

استوقفني حينها الرجل ذو اللباس الأسود، خلف البدلة البرتقالية، استرجعت لحظة رهاني الخاسر في الحلم، لم أتذكر، أكان فأساً أم سكيناً، وهل يهم ؟!.

خفضت صوت التلفاز رافعاً  رأسي للسماء، الرب مازال جالساً على الكرسي الرمادي، يلبس اللون الرمادي، تدور حوله الملائكة يتشحون باللون الرمادي. مبتسماً أنظر…… لكني لم ……………………………. على الأقل، لم أرفع سقف الرهان.

…………..

*قاص من العراق

  

مقالات من نفس القسم