ياسوناري كاواباتا
ترجمة: عبد الغني محفوظ
وضعت “أكيكو” الدلو بجانب نباتات الخطمى الوردي، ثم انتزعت عدة أوراق من شجرة الخيزران القصيرة المنتصبة تحت شجرة الخوخ وأسقطتها في الماء.
“إنها قوارب..هل تحبها؟”.
وحدق الصبي في الدلو بإمعان ثم نظر إلى أكيكو وابتسم.
قالت له أمه: “أكيكو صنعت لك قوارب لطيفة لأنك ولد طيب للغاية، وسوف تلعب معك أكيكو مادمت ولدا طيبا”.
كان الصبي شقيق خطيب أكيكو وخرجت أكيكو إلى الحديقة لأنها أحست أن أمه تريد أن تنفرد بأبيها، كان يثير المتاعب وقد أتت به أمه معها، فقد كان اصغر إخوة خطيبها. راح يضرب الأوراق ويحركها بشدة: “إنهم يتقاتلون” وكان سعيدا للغاية.
عصرت أكيكو الكيمونو الذي كانت تغسله ثم نشرته على حبل الغسيل ليجف.
وضعت الحرب أوزارها ولكن خطيبها لم يعد بعد.
قال الصبي وهو يخض الماء بعنف أكثر:”قاتلوا..قاتلوا بشدة أكثر”.
“انك تنثر كل الماء على نفسك”
“ولكنهم لا يتحركون”
وكان ذلك صحيحا فعندما سحب يده صارت الأوراق ساكنة بلا حراك.
“سوف نأخذهم إلى النهر وسوف يجعلهم ذلك يستمرون في الحركة”.
جمع الصبي الأوراق وسكبت أكيكو الماء على نباتات ثم أعادت الدلو إلى المطبخ.
ووقفت على صخرة ناحية اعلي المجرى وأسقطت الأوراق واحدة تلو الأخرى.
وراح الصبي يصفق بابتهاج:”قاربي يفوز..انظري، انظري”.
وركض باتجاه مجرى النهر حتى لا يفقد أثر القارب الذي يسير في المقدمة.
ورمت هي بالأوراق الأخيرة في النهر وانطلقت خلفه.
يجب أن تكون حريصة على استقرار قدمها اليسرى كلها على الأرض، فقد أصيبت بشلل الأطفال وكعبها الأيسر لا يمس الأرض. كان ضئيلا وواهنا وقوس القدم عاليا.
لم تكن قادرة على نط الحبل أو السير لمسافة، واستسلمت لفكرة عدم الزواج ثم خطبت. وليقينها أن ثبات العزيمة يمكن أن يتغلب على العيوب الجسمية، فقد حاولت بجدية أكثر من ذي قبل أن تسير وكعبها الأيسر على الأرض. ورغم أن قدمها تقرحت بسرعة، إلا أنها مضت في تصميمها، ثم حلت الهزيمة واضطرت إلى الاستسلام. كانت الندوب التي تركتها القروح مازالت هناك مثل قروح قرصات البرد الشديدة.
كانت تستخدم كعبها الأيسر لأول مرة منذ فترة طويلة لأن الصبي الصغير كان شقيق خطيبها.
كان النهر مجرى ضيقا تتدلى فيه الأعشاب التي علق بها قاربان أو ثلاثة، وكان الصبي يتقدمها بحوالي عشر خطوات منصرفا إلى العناية بالقوارب غير منتبه لاقترابها ولا عابئ للطريقة التي تسير بها.
وجعلها التجويف البادي في مؤخرة عنقه تفكر في خطيبها وودت لو ضمت الصبي بين ذراعيها.
خرجت الأم وقالت: “وداعا”، ثم أخذته من يده منصرفة.
وقال هو الآخر بهدوء:”وداعا”.
إما أن خطيبها قد مات أو أن الخطبة فُسخت.
لعله طغيان العاطفة على العقل في وقت الحرب هو ما جعله في المقام الأول يرغب في الزواج من فتاة عرجاء.
لم تدخل المنزل وذهبت بدلا من ذلك لتطالع البيت الذي كان يقام بجانب منزلهم. كان أكبر بيت في الناحية كلها وكان الجميع يتطلعون إليه. توقفت أعمال البناء فيه أثناء الحرب حتى نمت الأعشاب واستطالت حول ألواح الخشب ولكن فجأة كان البناء يمضى على قدم وساق مرة أخرى، وكان هناك شجرتا صنوبر قلقتان على البوابة. بدا البيت لأكيكو جامدا وقاسيا إلى حد ما ولكن به عدد هائل من النوافذ وبدت الردهة كما لو كانت مكسوة تماما بالزجاج.
كان ثمة تكهنات عن الناس الذين سينتقلون إليه ولكن لم يكن أحد يعرف على وجه اليقين.