أشبه جراد الصحارى

ناهد السيد
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ناهد السيد

مللت.. نعم مللت. لا ضير أنى اعترف، كفانى كتماناَ.. ألا يحق لى التذمر حتى وإن كان بين سطورى المبللة برائحة المطهر، أقولها بملء فمى المشرب بمرارة الدواء  وكتم تأوهات الألم وكبح زمام الشكوى

أقولها دونما خجل، أشعر بانتصار رهيب عندما أعترف بالعجز والفشل، وكأنهما حجران يرقدان على صدرى وأزحتهما بالاعتراف.. لا ضير فى الاعتراف، فى الاعتراف قوة وجرأة لا يعلمها إلا من أناخ رأسه للألم مرات عدة، بطواعية وقبول ورضا، حتى امتطاه الوجع ورمح به إلى غيابات الوحدة والضجر.. أين أنا بين كل هذه المفردات المعتمة التى لا تحجب سحب الحب والدفء والسلام؟.. أين أنا من بين كل اعترافاتى الجريئة التى تمنحنى قوة على قوتى بينما أشعر بالضعف فى اعماقى؟

 أشبه جراد الصحارى.. كثيراً ما أتمسك بوحدتى وأمنحها الدفء كى لا تتخلى عنى فلم يعد لى سواها.. أخشى أن تضجر من مللى ومفرداتى الكئيبة.. أخشى أن أضطر إلى ادعاء الراحة بقربها هى الأخرى وأتحول بقربها إلى مسخ  يدعى القوة، والسلام والانتصار، أفقد مشاعر الصدق والتعرى بقربها، أخشى أن أفقدها فى زحمة الأصوات التى تتلاعب برأسى وتغوينى للانتحار.

أخشى أن تمل منى وتبحث عن رفيق مسلٍ لا يدعى ما ليس فيه، رفيق طازج يتدرب على وحدته كرفاهية يقضى بها وقتاً مستقطعاً من خصام أصدقائه، أو ربما ينفرد بحياته قليلا كى يروضها وتصبح وحدته مجرد هدنة، وبعدها تذهب إلى حال سبيلها

ربما أحبت الوحده هؤلاء الرفقاء أكثر منى، وأودعتهم فى صدارة قائمة المفضلين لديها لأنهم يتركونها بعد فترة ويدعونها وشأنها لتجديد دماء مهامها الدافئة.. فما أجمل ما لديها من حضن واحتواء.

ياليتنى أستطيع إغواءها ألا تمل منى وتظل بقربى، فقد خسرت كل شىء..عداها ، لم يعد لدى ما أمتلكه لأحميها من إغواءات الآخرين.

أريدها بقوة، تلك الوحده الأم المخضرمة التى صاحبتنى سنين عمرى ومرضى وخيباتى، لا أريد أبناءها قصار القامة، أقزامها ذوى الوظائف المؤقتة لرفقاء الهدنة والخصام وخيبات الحب المتلاحقة، صغار الوحده قصار النفس لا تتعدى رفقتهم أيام وينطلقون لرفقاء آخرين.. فلتدع صغارها يتجولون فى الارض وترقد على صدرى وحدها.. رفيقه عمر، أتعرى أمامها بلا خجل معترفة بعجزى وفشلى وضعفى، لكنى برفقتها أقوى وأجرأ..  أعكس وجهى البشوش للآخرين كل صباح .

مقالات من نفس القسم