أزمة النقد/ أزمة الوطن(5)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. مصطفى الضبع

 تعتمد الجامعة على مصدرين لتشكيل قوتها البشرية من أعضاء هيئة التدريس:

  • نظام المعيدين: القائم على تكليف أوائل الطلاب حسب حاجة الأقسام العلمية وهو نظام كان صالحا منذ عقود يوم كان طالب الجامعة قادما من سنوات الشموخ للتعليم الثانوي وماقبله، ويوم كانت القراءة ركنا أساسيا في تشكيل الأجيال، ويوما بعد يوم وجيلا وراء جيل فقد هذا النظام قيمته فلم يعد الطالب المتفوق دراسيا ( وفق نظم امتحانات من مخلفات القرون البائدة ) بالضرورة متفوقا علميا، والتفوق الدراسي وفق هذه النظم الامتحانية يعتمد على الحفظ والاستظهار لا الفهم والتحليل والقدرة على التأويل ‘  يحدث هذا  في ظل رسوخ قاعدة مجهولة المصدر فاقدة المنطق: أن المقررات الأدبية لا طريق لتحصيلها إلا الحفظ وأن طلاب الأدبي يحفظون ولا يفهمون وأن طالب العلمي هارب من الحفظ وطالب الأدبي يستثمر قدراته عليه ( الحفظ طبعا ).
  • نظام الإعلان عن الحاجة لأعضاء هيئة تدريس ممن حصلوا على درجات علمية ( الدكتوراه غالبا ) من خارج الجامعة وهو نظام يبدو الأفضل شريطة تطويره وتعميمه وتخليصه من جينات المجاملات وأنظمة الفساد.

والحقيقة المريرة أن الأزمة تكشف عن عوار النظامين إذ هما يعتمدان على مصدر واحد: طالب الأمس بوصفه منتجا لتعليم نعرف جميعا مشكلاته ( الجهة الوحيدة التي لا تعرف هي وزارة التربية والتعليم طبعا)، ولنتفق على مبدأ واحد لا خلاف عليه ولا مساحة للجدال فيه أعني أهمية القراءة للإنسان عامة وللناقد خاصة (راجع مثلا كتاب قسطاكي الحمصي النادر في بابه: منهل الوراد في علم الانتقاد الصادر مطلع القرن الماضي وفيه يحدد  شروط الناقد وما يجب أن يكونه من يتصدى للنقد ولنا عودة للكتاب لاحقا )، ولكن فكرة الأهمية هذه تبدو نظرية لا وجود لها على أرض الواقع إذ تبقى القراءة الفريضة الغائبة في جملة تشكيل الباحث والناقد على حد سواء (هناك فارق بين الاثنين سنعود إليه لاحقا )، أعرف أساتذة متخصصين في تدريس النقد توقفوا عن القراءة فور الحصول على الدكتوراه، وأعرف نقادا لا يشغلون أنفسهم بقراءة حتى الأعمال التي سيناقشونها وكثير من أبناء الوسط الأدبي في مصر يعرفون تماما وقائع ندوات يأتي فيها الناقد ولم يقرأ حرفا في الرواية وندوات ينبري فيها أحدهم ليقول: أنا الحقيقة لم اقرأ النص لكني أرى كذا  وكذا وكذا.

لقد قصرت الأقسام العلمية حين لم تضع برامج متطورة لمقرراتها وحين لم تطور برامجها لتعالج مشكلة الحفظ والتلقين وحين لم يشجع الأساتذة الطلاب على القراءة ثم حين قبلت بين أبنائها من يحفظ فقط ومن يسرق ومن يكون القسم العلمي بالنسبة له مجرد وظيفة للرزق وقبلت هؤلاء بوصفهم موظفين وليسوا باحثين.

ثم لماذا لا نعترف أن طالب الجامعة الآن لا يقرأ ( لاحظت مرارا أن معظم طلاب الجامعة الذين يهتمون بالقراءة هم من تخصصات علمية أكثر منها أدبية أو معنية باللغة العربية  ) وأن طالب اليوم هو ناقد الغد وأن كثيرا من أجيال أعضاء هيئة التدريس اليوم من المتخصصين في اللغة وآدابها هم نتاج مؤسسة التعبئة والتعليب، معيد اليوم- في الأغلب –  هو حامل جينات تعليم التلقين.

لا أدري ولا أعرف كيف لأستاذ يتفاخر إنه ناقد وهو يجمع كل هذه الفضائل أو بعضها ( واحدة منها كفيلة بإدانته):

  • لم يقرأ رواية واحدة عالمية (أضعف الإيمان لم يقرأ رواية واحدة لنجيب محفوظ ).
  • لم يقرأ ديوانا من الشعر الحديث (آخر شاعر يعرفه أحمد شوقي ).
  • لم يكتب مقالة نقدية واحدة (خلاف أبحاث الترقية إن كان قد أنجزها ).
  • يعيش عالة على غيره فيسرق أفكارهم (نموذج بات متوفرا بصورة واضحة كل الوضوح ).
  • يقبل المشاركة في مناقشة  رسالة علمية عن الرواية وهو لا يعرف روائيا واحدا ولم يقرأ رواية واحدة من الأعمال محل الدراسة، وفي كثير من الأحيان لا يكلف نفسه بقراءة الرسالة التي يشارك في مناقشتها (يحدث كثيرا أن تشعر في المناقشة أن معرفة الباحث أوسع من معرفة المناقش !!!!!)

إن منح باحث درجة علمية ليس مكافأة على حسن خلقه ( كثيرا ما يبرر مايمهد الأستاذ للحديث عن تلميذه بأنه طيب وعلى خلق، نعم من المقبول ان يمتدح الأستاذ تلميذه أو يسانده ولكن ليس على حساب العلم)  إن خطيئة الباحث العلمية ( أعني السرقة مثلا وما أكثرها ) خطيئة يتحملها الاثنان: الباحث وأستاذه ( وخاصة بعد اكتشافها ) فليس مقبولا بالمرة أن نساند لصا وليس مقبولا أن يصاب البحث العلمي بثقافة التبرير السائدة خارج الجامعة وقد تصلح لما هو دونها.

قديما كان لمصطلح “الجامعي  ” قيمته إذ يعني أن الجامعي شخص متفرد علميا ومعرفيا وأخلاقيا، اليوم فقد المصطلح قيمته وراح الجامعيون الجدد يضيعون اللغة العربية وأخلاقياتها على صفحات الفيس بوك ويكفي الإشارة إلى نموذجين أكثر انتشارا على صفحات تواصل الاجتماعي:

  • أخطاء لغوية فادحة حيث جمهور غفير من الجامعيين (بعض الأساتذة أحيانا يقعون في الخطيئة نفسها ) يكتبون: إنشاء الله، ويخاطبون الأنثى: أنتي وعليكي بدلا من أنت وعليك بكسر تاء التأنيث وكاف المخاطبة وقس على ذلك آلاف الأخطاء.
  • ألفاظ يندى لها جبين البشرية جميعها تجري على ألسنة أساتذة يعبرون عن مواقفهم من الآخرين، تغيب عنها كل بلاغة وتفتقد لأدنى حدود اللياقة، وتكشف عن ذائقة لا مثيل لها في السوء

فإذا كان هذا حال الأستاذ فأي ذائقة سيربيها لدى تلميذه وأي قدوة سيكونها وأي علم سيكون بيئة صالحة له.

وللحديث بقية

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)