هيثم أبو الغزلان
تملّك “كفاح” الفزع الشديد بعد أن شدّته السماء إلى البعيد فشعر بغربة عجيبة، وإحساس لا يُوصف.
كان ذلك منذ يومين. ومنذ ذلك الوقت وهو لا يزال يشعر بدوار السفر البعيد حين امتطى بساط الريح إلى سماء أخرى، لم يستظلّ بها قبلًا، فألقى به في ساحة مُسوّرةٍ، فيها منذ القِدَم القبّة الذهبيّة، والجامع القبلي.. فشعر أن روحه بلغت منتهاها ووصل به الشوق إلى غاية الأمل.
حاول اكتشاف المكان، لكن ما هي إلا لحظات قليلة حتى تلقّفه رجل بدا عليه أنّه في العقد الخامس من العمر، أو أكثر قليلًا، يلبس قمبازًا من كتّان، ويعتمر كوفية بيضاء مُخطّطة بخطوط سوداء، سحنته ترابية، ويداه مثل جبال الجليل لناحيتي القوة والثبات. فعرّفه على نفسه. وقاده بعد ذلك بجولة داخل ساحة الحرم. تنقّلا أثناءها بين قبّة الصّخرة، والجامع القبلي، حيث شاهدا القِبَبَ، والمصاطب، والأروقة، والمآذن، ودخلا من أبواب متفرقة، واستظلّا بفيء شجرة معمرة، قريبة من قبّة ذهبيّة تُجاور السماء.
حين مدّ “كفاح” بنظره إلى جوار المسجد رأى نفسه مُلزًمًا بمراقبة الغادين والعادين من الذين التصقوا ببلاط الأرض، ويغذّون خطاهم إليها حين ينقطع الرجاء، فرأى التاريخ يمرّ أمامه، ويصنعه من جديد مَن هو آت..
وبينما كان “كفاح” يُراقب كلّ شاردة وواردة هناك، مرّ ظلّ أسود قاتم، بسالفين طويلين، يشبه صاحبهما غراب البين الذي لا ينعق إلا للخراب والدمار.. مرّ نافشًا ريشه، وعلى حَذَرٍ يمشي كلصّ يخاف الصيّاد.
وبسرعة مرّ الظلّ الأسود كأنّه لم يكن، زاد توجّع “كفاح” واحتراقه الداخليّ، ما جعل صاحبه الذي يرافقه يخفّف عليه بلواءه، قائلًا:
لا تحزن، فالأمل ينمو هنا مثل جنين يضرب بعصاه البحر..
كفاح: متى؟
قال: سينفلق الأفق على فجر صادق ورصاصتين..
كفاح: ننتظر ذلك منذ زمن؟!
قال: عسى أن يكون ذلك قريبًا..
وما أن أنهى كلامه حتى بدا قرص الشمس يميل إلى المغيب، فشدّ بساط الريح “كفاح” مثل ومضة حلم، ليُعيده إلى بلادٍ أخرى؛ لكنّه نَسِيَ الرّوح هناك.
….
19-4-2020