هواية

رزق البرمبالي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

رزق البرمبالي

أذكر في صبانا كنا نلهو ونمرح كثيراً، فبعد أن نصلي العصر في المسجد، نذهب إلى برحة الجميزة، كانت برحة كبيرة تتوسطها شجرة جميز عملاقه تمتد فروعها في كل الإتجاهات فتظلل الساحة بأكملها، ومابين لعب كرة قدم إلى لعبة الغميضة كنا نلعب ونسعد،
وكان لكل منا هواية يمارسها، فمثلاً كان “سلطان” طويل القامة معتدا بنفسه، يحافظ على نظافة ملابسه ويغضب جداً إذا وقع أرضا أثناء اللعب وتَتَربّت ملابسه، وكان لايستأنف اللعب إلا بعد تنظيف ثيابه من أثر التراب، كانت هوايتة القيام بدور الضابط في لعبة “عسكر وحرامية”، بينما يقوم بدور الحرامية، “حليم ومتولي وعبد العال”
ولأن لكل لص في الغالب اسم شهرة فقد أطلقوا على أنفسهم، مشرط وسكينة والمقص بالترتيب، والعجيب أن هؤلاء الثلاثة، وبعد تخرجهم من الجامعة كونوا شركة وهمية للإسكان، وبعد أن استولوا على مبالغ طائلة ممن يحلمون بالحصول على شقه، فروا إلى الخارج، والأعجب من ذلك أن سلطان والذي أصبح ضابطا بالفعل ظل على علاقته الطيبة بهم!

وكان هواية “صلاح” الصحافة لذا كان يحضر معه كراسة وقلم يضعهم أسفل شجرة الكافور بجوار قناة الري جنوب البرحة، ويعود إليهم بعد اللعب الجماعي، ينظر إلى حقول القمح بلونها الأخضر كخضار القلوب الصافية، والمحاطة بأشجار النخيل الباسقة وحقول الأذرة بشواشيها الذهبية التي تعلوا كيزانها الخضراء الممتلئة، يلقى بظهره إلى جذع الشجرة، ويشرع في كتابة مايجول بخاطره، وكان يصب جام غضبه على فساد الجمعية الزراعية التي تبيع المبيدات والتقاوي بدلاً من توزيعهم على الفلاحين بالمجان، و على المجلس المحلي الذي ضرب الفساد له منزلا بين أركانه،

أما “حامد” فكان لايشاركنا اللعب الجماعي لضعف بنيته الجسدية وللنظارة الطبية فوق عينيه والموصولة بسلسلة معدنية حول رقبته، وكان يقف لنا حكم في مباريات كرة القدم، وفي نفس الوقت يقوم بدور الطبيب إذا ماوقع أحدنا على الأرض أثناء لعب الكرة، والحقيقة أن الكل شهد له بعدله في التحكيم، وبكفاءته كطبيب رياضة، فبعد أن يشد الساق ويثنيها لفك العضلات، أو يدلك العضلة المصابة بيده يذهب الألم فوراً، لذا أطلقوا عليه الدكتور، وأطلقت عليه أنا لقب الشيخ حامد،

في هذا اليوم تفرغت لممارسة هوايتي، لكن ليس على الورق وإنما على الطبيعة، ولم اشاركهم أي من الألعاب، والذي دفعني إلى ذلك فيلم أمريكي شاهدته بالأمس!
ذهبت إلى شجرة الصفصاف على قناة الري من الجهة الشرقية، وبدأت في تجميع كميه لابأس بها من التراب مع ورق الشجر الناشف بعد هرسه بيديّ، ومن نهايات الأفرع الميتة والجافة أسفل الشجرة كونت مجموعة لابأس بها من أعواد الخشب بأطوال ومقاسات مختلفة، ومن حواف قناة الري جئت ببعض الطين وتم مزجهم مع التراب وورق الشجر ومع إضافة بعض الماء، أصبحت العجينة جاهزة للعمل،
ثم شيدت مبني عظيماً من عدة طوابق، وجلست أنظر إليه بإعجاب تعلو صفحة وجهي ابتسامة عريضة،
ولم أدر بهم حولي إلا من خلال صفير سلطان الذي أعجب بالمبني أيما إعجاب، وقال في بهجة وهو ينظر ساخراً إلى صلاح وحامد: إنه أعظم سجن شاهدته في حياتي!
أما حليم ومصطفي وعبد العال فنظروا إليه بلا مبالاة ولم يعقبوا ببنت شفه،
وبدا صلاح غاضبا جداً وشاركه حامد في غضبه، وبعد أن خلع حامد نظارته و مسحها بطرف قميصه، رفعها للأعلى وهو ينظر إلى نظافة زجاجها قال:
أما كان من الأفضل أن تبني مشفى لعلاج المرضى،
رد صلاح موجها كلامه إلى حامد، ومازال وجهه متوهجاً من الغضب قائلاً :
أو كان قد شَيدَ جامعة بدلاً من مقبرة الحريات هذا!

 

مقالات من نفس القسم