محمد خير: الوحدة في ديواني استراحة تأمل وهداياها للعزاء والسخرية

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاورته : عناية جابر  *

محمد خير، شاعر وقاصّ وصحافي من مصر، مواليد القاهرة 1978، أصدر ديوانه الأول «ليل خارجي» بالعامية المصرية عن دار ميريت سنة 2002، وانتظر ست سنوات ليصدر – بالعامية أيضاً – ديوانه الثاني «بارانويا»، عن نفس الناشر، وهو ذاته الذي أصدر من خلاله ديوانه الجديد «هدايا الوحدة»، وهو مجموعة شعرية نثرية، بالفصحى هذه المرة، تأتي بعد عام من إصدار مجموعته القصصية الأولى «عفاريت الراديو» عن دار ملامح، ويكتب خير أيضاً الأغنية، فكتب العديد من الأغنيات لفنانين شبان مستقلين في مصر ولبنان، منهم: زياد سحاب، فيروز كراوية، ياسمينا فايد، إيلي رزق الله، دنيا مسعود، فرقة نغم مصري، إضافة إلى أغنيات عدد من العروض المسرحية. ويعمل خير صحافياً بجريدة «الدستور» المصرية المستقلة، كما يكتب في القسم الثقافي لجريدة «الأخبار» اللبنانية. معه كان هذا الحوار

 

في قصيدتك، وبشكل عام في أغلب إصدارك الصادر حديثاً «هدايا الوحدة « عن ميريت، ثمة الوحدة كتيمة أساسية تنهض بالقصيدة . هل تذكّر الحب، أحلى من حلوله وعيشه فعلاً؟ هل القصيدة أكثر امتلاء في النقصان الفادح للحب؟

^ لا شيء يمتلئ في النقصان، ولا تذكّر الحب أحلى من عيشه، لكننا أثناء الحب لا ننشغل بشيء آخر، وبعد انقضائه نقوم بكل ما يثبت لنا أننا عشناه حقًا، نتذكر ونكتب ونحكي، ندوّن كما كان يفعل أسلافنا على الجدران كي نؤكد أننا مررنا من هنا، نستعمل ما في الذاكرة من جماليات فننتج كتابة لا تطابق ما عشناه بقدر ما هي صورة لما كنا نحب أن نعيشه، والوحدة هنا ليست سوى استراحة تأمل، وهداياها قد تكون العزاء أو قد تكون السخرية من قابليتنا للزوال.

 

لماذا الشعر تحديداً؟ لماذا تكتبهُ؟ ثم ما الفرق بين فنية الشعر وفنية القصة القصيرة؟

^ عندما أصدرت قبل عام مجموعتي القصصية «عفاريت الراديو» أهديتها (إلى لحظات ظننتها دائمة)، لكن المجموعة – على عكس الديوان – ضمت نصوصا متفرقة من تجارب قصصية خضتها بنزق المجرّب، الضيف على هذا النوع من الكتابة، المتحرر من عبء تكريس مشوار أدبي في هذا النوع، أما «هدايا الوحدة» فهو ابن تجربته الانسانية والعاطفية المباشرة فكأنه هو الذي كتبني، أو لنقل أن قصائده انسكبت مني دونما إرادة، ليس في موضوع القصائد فحسب بل في لغتها الفصحى التي فاجأتني شخصيا فضلاً عن الآخرين، إذ أن تجربتيّ السابقتين في الشعر كانتا باللهجة العامية المصرية، والفارق بين فنية الشعر وفنية القصة فارق صغير في الروح كبير في التفاصيل، القصيدة والقصة كلتاهما قائم على التقاط اللحظة وتثبيتها، كأنما يطلان من عدسة الكاميرا، لكن بينما تهتم القصة بألوان الصورة ومقاييسها وتاريخها وأسماء أبطالها، يذهب الشعر إلى المعنى القائم وراء الصورة.

أسماء

 

ماهو موقعك في الوسط الثقافي المصري؟ هل تجمعك صداقات مع الشعراء الشباب في مصر؟ من يلفتك أكثر ولمن تقرأ وبمن تتأثر؟

^ لا أعتقد أن بإمكاني تحديد موقعي الشخصي في الوسط الثقافي المصري لكن أعتقد أنني استطيع الإشارة إلى جيل أنتمي إليه، جيل الشعراء الذين بدأوا النشر بداية العقد الحالي بعد خفوت الوهج الذي صاحب قصيدة نثر التسعينيات في مصر، نحن بدأنا ننشر أشعارنا في «زمن الرواية» ما أضاف مزيدا من العزلة التي تعاني منها القصيدة النثرية، مع ذلك فقد استفدنا – رغم كل شيء – من الرواج الذي أحدثته الرواية في سوق الأدب المصرية، لقد ازداد عدد القراء والمكتبات ومن ثم اتسعت رقعة قرائتنا بالضرورة وإن ظلت ضيقة، أتحدث بصيغة الجمع ما يعني أن لي صداقات متعددة مع شعراء شبان بالتأكيد، لكن من بين أولئك الذين قصدتهم بداية الإجابة يلفتني شعراء وأدباء معظمهم يكتبون نثر العامية المصرية، ربما كان تحيزي لهم تأثرا بتجربتي الخاصة، فمنهم على سبيل المثال عبد الرحيم يوسف ومؤمن المحمدي وحمدي زيدان ورامي يحيى وماهر شريف وعمر طاهر، ومن الفصحى محمد أبو زيد ورنا التونسي ومؤخرا الواعد محمود عزت، أما من الجيل الأكبر فبالتأكيد إيمان مرسال وعماد أبوصالح وياسر الزيات، فاطمة قنديل وياسر عبد اللطيف، وهي عموما أسماء صارت مكرسة منذ زمن ومؤثرة في القصيدة العربية الجديدة .

 

وما علاقتك بالشعر العربي الكلاسيكي عموما؟ هل تقرأ في تراث الشعر العربي؟

^ من إمرئ القيس إلى محمود درويش خيط واحد ممتد تعلقت به منذ بدأت القراءة، لكننا عندما نتحدث عن التراث الشعري العربي تبرق في ذهني لؤلؤتان، أولاهما «قصائد المعلقات»، وثانيتهما شعر العصر العباسي، بيد أن المتنبي أوقعني في مشكلة شبيهة بالتي ورطني فيها غابرييل ماركيز، فكما وضع الأخير حاجزا بيني وبين بقية كتابة الواقعية السحرية لإحساسي بأن ماركيز أخذ هذا اللون الروائي إلى ذروته، فإن أبو الطيب يجبرني على العودة إليه كلما امتدت يدي إلى القصيدة التي انجبتنا، أو كلما بحثت عن اندماج الجمال والحكمة وقوة التعبير.

 

هل تعمل على مشروع شعري خاص، أم تكتب مكتفياً بما يلّح عليك من توتر شعري؟

^ أعتقد أن كلمة «مشروع شعري « يساء فهمها أحيانا، فالمشروع الشعري ليس خطة عمل تستهدف الكتابة وفق كذا، أو عن كذا، أو بالطريقة الفلانية والتأثير الفلاني، بل هو في رأيي البحث المخلص عن الحساسية المختبئة داخل كل كاتب، أثناء رحلة البحث تلك لا نتعرض فقط للتوتر الشعري بل للخداع أحيانا، للتجاذبات المقلقة، أو حتى لغياب الثقة، المسألة هي أن لا ينسى الشاعر – والمبدع عموما – نفسه فيقع في رتابة الحياة ومن ثم رتابة الكتابة، إذا استنفدت الموجودات في غرفتك وفي مكانك بعد فترة، فإما أن تتوقف أو تعيد استهلاكها، أو تلتزم بالبحث عن متع جديدة.

 

ما هو رأيك بالمشهد الشعري العربي؟ هل من أصوات خارج مصر تتوقّف عندها؟

^ محرج هذا السؤال فهو عادة يعيد تأكيد سمعة الشوفينية المصرية، في الواقع فإن غزارة الإنتاج الأدبي داخل مصر وعزلتنا الجغرافية قياسا بانفتاح بلدان الشام على بعضها البعض أو المغرب العربي أو الخليج، كل ذلك يجعلنا نتأخر في قراءة جديد الشعر العربي، لحسن الحظ أن الانترنت ساعد في حل تلك المشكلة إلى حد طيب، مع ذلك فقد توقفت متمهلا عند تجارب أنسي الحاج، وديع سعادة وسركون بولص، ومؤخرا استمتعت بالمختارات التي صدرت في القاهرة لمنذر المصري، أما على مستوى الشبان فقد اطلعت على تجارب لفتني بعضها لكنها لا تكفي كميا كي أكوّن من خلالها وجهة نظر.

 

هل ترى على ما يقول بعض النقّاد، أن القصيدة الحديثة أصبحت واحدة عند أغلب الشعراء الجدد؟

^ هل قصيدة عماد أبو صالح هي قصيدة إيمان مرسال؟ هل قصيدة أحمد اليماني هي قصيدة أسامة الديناصوري، أعتقد أن في ذلك القول الكثير من التجني والتسرع، ربما مبعثه النظر إلى تجربة نثرية ما زالت بمعيار الزمن تجربة حديثة في مجملها، هم ينظرون إلى زحام النشر كما ننظر نحن إلى زحام شعب ما فنشعر أن أبناءه متشابهون، لكن أفراد ذلك الشعب يميّزون أنفسهم بسهولة، كذلك المنخرطون في التجارب الجديدة يميّزون بين أصواتهم جيدا، وكذلك يفعل المتلقون المهتمون فعلا.

 

ما رأيك بمهرجانات الشعر؟ كيف ترى الى الجوائز الأدبية بشكل عام؟ كيف ترى الى الملتقيات والمهرجانات، سلبياتها وإيجابياتها؟

^ أرى أن العالم العربي يعيش مهرجانا دائما كعرض متواصل، لذا تضطر المهرجانات لصنع ضجيج أعلى تمييزا لها عن المهرجان الأصلي الكبير، لم أشارك في ملتقيات بما يكفي كي أقيّمها لكنني بصفة عامة أميل للملتقى الذي ينشأ لسد نقص ما «كالملتقيات الأخيرة لقصيدة النثر» بأكثر مما أميل لمهرجانات تكاد تنطق بأنها زائدة عن الحاجة، أما جوائزنا فلا أحد يمكن أن ينكر سلبياتها لكنها سلبيات لا تزيد بصفة خاصة عن سلبيات كل عمل جماعي عربي، مع ذلك فإن بعض الجوائز لها فضل الكشف عن أصوات وعن أعمال كان مآلها – لولا الجائزة – النسيان

ــــــــــــــــــــــــــــ

* شاعرة وصحافية لبنانية 

مقالات من نفس القسم