الفنانة التشكيلية ماجدة سعد الدين : بدايات الأشياء قد تكون في لحظة هي نهايتها

الفنانة التشكيلية ماجدة سعد الدين : بدايات الأشياء قد تكون في لحظة هي نهايتها
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورتها: أريج جمال

الفنانة التشكيلية والكاتبة والأكاديمية المصرية ماجدة سعد الدين هي رحّالة دائبة داخل الزمن، تنظر لرحلة الحياة الإنسانية على أنها رحلة "حيرة" تقود إلى الخالق، وتتمثل لوحاتها حالات صوفية هائمة تعبر من خلال اللون عن تساؤلاتها الفلسفية العميقة.. سافرت إلى بلاد كثيرة حول العالم منها باريس، هناك حيث تعلمت فن صناعة الحُلي وتنسيق الزهور اليابانية وأقامت عدة معارض فنية للوحاتها، بعدها عادت إلى مصر وبدأت الاشتغال بتدريس الفن في أكاديمية الفنون بالقاهرة، وتوالت كتاباتها الأدبية والنقدية المختلفة منها "نهاد بهجت وهمس الجماد"، "الجلال والجمال في مدائن الصحراء"، "محمود سعيد بين المادية والروحانية"، "سفر المغيب"، "طلول الغسق" وأخيراً "سَفَر النور".

على هامش معرضها الأخير بالقاهرة كان هذا الحوار معها..

حاورتها: أريج جمال

الفنانة التشكيلية والكاتبة والأكاديمية المصرية ماجدة سعد الدين هي رحّالة دائبة داخل الزمن، تنظر لرحلة الحياة الإنسانية على أنها رحلة “حيرة” تقود إلى الخالق، وتتمثل لوحاتها حالات صوفية هائمة تعبر من خلال اللون عن تساؤلاتها الفلسفية العميقة.. سافرت إلى بلاد كثيرة حول العالم منها باريس، هناك حيث تعلمت فن صناعة الحُلي وتنسيق الزهور اليابانية وأقامت عدة معارض فنية للوحاتها، بعدها عادت إلى مصر وبدأت الاشتغال بتدريس الفن في أكاديمية الفنون بالقاهرة، وتوالت كتاباتها الأدبية والنقدية المختلفة منها “نهاد بهجت وهمس الجماد”، “الجلال والجمال في مدائن الصحراء”، “محمود سعيد بين المادية والروحانية”، “سفر المغيب”، “طلول الغسق” وأخيراً “سَفَر النور”.

على هامش معرضها الأخير بالقاهرة كان هذا الحوار معها..

ـ كيف بدأ اهتمامك بالفن؟ وفي أي مرحلة ؟

ـ البداية أتت من البيت، نشأت في بيت جميل وكبير في مدينة “شبين الكوم” يُطل على بحر شبين، في هذا البيت تعرّفت على الطبيعة بكافة ألوانها، صوتاً وصورة، البيت كان موقعه متميز للغاية، إضافة إلى اهتمام والديّ بالثقافة والفن، تعلمت العزف على البيانو وأنا بعد في سن صغيرة وكنت أمارس البينج بونج والتنس والسباحة، وكنت شغوفة أيضاً بمكتبة والدي، كانت مكتبة عظيمة تضم مؤلفات لأسماء هامة في عالم الفكر، وجدتني أسعى للاطلاع على هذه الكتب التي كانت متوافرة أمامي طوال الوقت؛ فتعلمت احترام الكلمة واعتبارها مقدسة، لم أكن أفوّت ورقة من غير قراءتها حتى الأوراق المُهملة في الشوارع كنت أنحني لقراءتها.

البداية كانت في الكتابة.. بدأتُ أمارسها على مهل وبشكل متواضع ثم جاء الرسم، وفي مرحلة الدراسة الجامعية التحقت بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية ولم يتوقف نهمي للمعرفة والقراءة أبداً، في وقت لاحق عرفت عن معهد النقد الفني بالقاهرة الذي يقوم بتدريس كل فروع الفن، فقررت الالتحاق به أيضاً، كنت في فترة قلق أشعر برغبة ملحة في المعرفة وفي تعلم الفن .. بعد الدبلومة تعرضت لأول حادث مأساوي في حياتي كان له تأثير كبير عليّ، حدث أن فقدت والدتي فقررت الاتجاه إلى الرسم بقوة وبدأت أشعر أنه المُتنفَس والوسيلة التي أعبر بها عن ذاتي، دعمني والدي في تحقيق أحلامي وفي تكوين رأي خاص بي في الحياة والأشياء كلها.

ـ هل يحتاج الفنان التشكيلي إلى حالة ذهنية أو نفسية معينة قبل ممارسة التشكيل؟

ـ بالتأكيد.. لا بد أن أعيش حالة مزاجية وروحانية عالية ومختلفة حتى أتمكن من ممارسة الرسم، وينطبق الأمر نفسه على الكتابة.

ـ ما هي المراحل التي تمر بها اللوحة منذ تكون جنيناً في ذهنك وحتى تخرج لنا إلى النور كعمل فني متكامل؟

ـ سأقول إنني إنسانة شديدة التأثر بالأماكن، قد أتواجد في مكان ما لفترة معينة دون أن أقوم برسمه بالضرورة، لكني حين أعود وأعيش حالة استحضار لهذا المكان أحاول الاستغراق في هذه الحالة كأنها وسيلتي للمكوث فيه مرة أخرى.. ولا أنتهي إلا وقد فرغت من ممارسة الرسم بالشكل الذي يُرضيني ويعبر عن المكان، قد يكون نتاج هذه الحالة مجموعة من اللوحات وليس لوحة واحدة، لكن الأهم بالنسبة لي هو ما تمنحه لي هذه الحالة من الانتقال إلى زمن ومكان مخالفين تماماً للزمن والمكان المحسوس أو العادي.

ـ في تاريخ الفن التشكيلي هناك فنانون كُثر كانت لهم علاقة بالشعِّر بالاهتمام فقط أحياناً وبالممارسة أحياناً أخرى.. بول كيلي مثلاً وأنتِ أيضاً .. في رأيك لماذا الشعِّر بالذات؟

ـ في تصوري هذه العلاقة مردها لكون الكلمة هي تعبير عن صورة ما، وكذلك الصورة هي تعبير عن كلام معين، أعتقد أن هذه المزاوجة بين الشعِّر والصورة هي أصل هذه العلاقة التي تتحدثين عنها.

ـ يحمل كتابك الأخير “سَفَر النور” مزج بين تقديم رؤية فلسفية للتاريخ وبين تقديم الذات بهمومها الوجودية والجمالية.. حدثينا عن هذه التجربة؟

ـ “سَفَر النور” بدأ معي كفكرة وأنا أزور منطقة الأهرامات، وقررت أن أبدأ من هناك رحلتي في الكتاب التي هي مجموعة رحلات قمت بها بالفعل على فترات إلى منابع النيل في أوغندا وإلى سوريا قبل الأحداث الأخيرة.. وإلى الأردن، والكتاب يقدم رحلة بين العمارة المقدسة في هذه الأماكن؛ الأهرامات ودير سمعان في حلب والجامع الأموي بدمشق وانتهاءً بمكة، ويربط نهر النيل بين كل هذه البقاع أبدأ به وأنتهي إليه؛ اخترت العمارة بالذات لأنها بالنسبة لي اختزال لحيوات وتواريخ وأفكار وعلاقات إنسانية عديدة ومختلفة.

ـ الزمن عندك تعبير لوني فهو شمس أو ليل أو مغيب أو غسق، وهذا واضح في الكتابة أيضاً .. ما الذي يشغلك في فكرة الزمن فنياً بالتحديد ؟

ـ الزمن بالنسبة لي هو تساؤل فلسفي بالأساس، الزمن يقود إلى الخالق، وهو الإنسان في هذه اللحظة وهو بشكل ما الحضارة. كل المشاعر والعواطف الإنسانية تتمثل حضورها من خلال الزمن حتى الطقوس الدينية من صلاة وزكاة وصيام هي أيضاً مرتبطة بالزمن.. مع ذلك أشعر أن الزمن تساؤل أعظم من كل محاولات الإجابات عليه.

ـ هناك رافد صوفي في تجربتك الفنية عموماً .. الأشكال التي تتجه إلى الاتحاد مع كيان أعظم في اللوحات، وفي الكتابة كذلك.. في “سَفَر النور” مثلاً تأتين على ذكر ابن عطاء وابن عربي وابن الفارض.. كيف تشكَّل هذا الرافد عندك؟

ـ أتصور أن هذا الرافد بدأ في التشكُّل منذ مرحلة الطفولة، أنا نشأت في بيت يمكن القول أنه متدين، كنت أسمع بانتظام ترتيل أمي للقرآن الكريم، وهو ترتيل كان يحافظ على وجود إيقاع جميل ومختلف للقراءة، بشكل عام كان بيتنا مُمتلئاً بالأجواء الروحانية طوال الوقت، حدث تفاعل بين هذه النشأة وبين الحالة الفنية التي اقتفيتُ أثرها في اللوحات وفي الكتابة.

ـ تقومين بتدريس الفن التشكيلي بأكاديمية الفنون بالقاهرة.. كيف أفادتك مهمة التدريس كفنانة؟

ـ أنا أتعامل مع محاضراتي على أنها عمل فني يتطلب مزاجاً وحالة ذهنية أسعى لتهيئتها مثل التشكيل والكتابة، حين ألقي مُحاضرة عن الفن اليوناني مثلاً أشعر أني أسافر إلى اليونان فعلاً، أعايش الأجواء بالكامل. أتعاطى مع التدريس على أنه نوع من الفن الذي له بالضرورة طقوس معينة فأحرص على عدم استقبال مكالمات تليفونية قبل المحاضرات، وأؤجل كل المتطلبات الحياتية العادية إلى ما بعد المحاضرات في سبيل الحفاظ على هذه الحالة.

ـ وماذا كان هدفك الأساسي من تدريس الفن التشكيلي ؟

ـ كنت أحب أن أكون قد ساهمت في تقديم جيل جديد من الفنانين ومحبي الفن، أشعر أن هؤلاء الطلبة هم امتدادي الطبيعي في الحياة، أحس بسعادة غامرة لوجودهم في حياتي ولتأثيري في حياتهم أيضاً.

ـ كيف تُقيّمين حال النقد التشكيلي في مصر حالياً ؟

ـ بشكل عام أتصور أن أية حركة فنية لا بد أن يصاحبها حركة نقدية، أتمنى وجود عدد معقول من المجلات التي تُعني بالفن التشكيلي، إضافة إلى وجود مساحات ثابتة للنقد في الصحف، وأن يكون هناك بالطبع عدد كافي من النقاد كي يكون بإمكانهم مواكبة الحركة الفنية بشكل جيد.

ـ كيف ترين انعكاسات الوضع السياسي والثقافي على الفن التشكيلي في مصر حالياً؟

ـ بشكل عام أنا متفائلة للغاية، أشعر أننا تجاوزنا مرحلة سيئة جداً، وأننا بإزاء وضع أفضل في كل المجالات.

ـ أنتِ عاشقة للحضارة المصرية القديمة وتقولين أن المعمار المصري الحديث لم يحتذ العمارة القديمة على الرغم من أصالتها واتجه لاحتذاء النموذج الأوروبي.. كيف ترين إمكانية تنفيذ هذا على أرض الواقع في العصر الحديث؟

ـ لم أكن أقصد وجوب الاقتداء بالعمارة المصرية القديمة بالذات، لكن يعنيني أن يكون لمصر مهد العمارة في العالم عمارة حديثة يدرك القائمون عليها الأبعاد الحضارية للتاريخ الخاص بها، وبالتالي أن تحمل هذه العمارة الجديدة تصور شامل للشكل المعماري وشخصية خاصة وطراز فريد لا مجرد تجميع لأشكال معمارية من حضارات وأزمنة متباينة، هذا رأيي الشخصي.

ـ في “سَفَر النور” تقولين “بدايات الأشياء قد تكون في لحظة هي نهايتها” .. كيف؟

ـ أتصور أن هذه الفكرة لها بُعد فلسفي، في أمور كثيرة في الحياة يحدث أن تكون لحظة البداية هي نفسها لحظة النهاية، ربما نرى وردة تموت في لحظة تفتحها، لحظة الغروب تبدأ وتنتهي في نفس الزمن.. في الواقع هذا أمر يثير حيرتي بشدة، وحين ذكرت هذه العبارة في الكتاب قصدت ألا أعلق عليها أحببت أن أتركها مفتوحة للتأويل كما هي في ذهني.

 

  

مقالات من نفس القسم