مائدة الزعيم

محمد فرحات
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد فرحات

-لا بد من سكن مستقل يا عمدة، يعني هنقيم في مقر الخدمة طول حياتنا؟!
– أمر ضروري بالفعل، لابد من سكن مستقل، ولكن ما الحيلة والمساكن الحكومية يلزمها واسطة، ولكني لا أسأل أحدا غير الله
– ضيوفك ومريديك من المهمين كتير
ينظر العمدة للجليلة زوجته بغضب
-عاوزاني أطلب أجر الخدمة؟ يبقى لسه معرفتنيش …!
تحجم الزوجة المحرجة عن الجدال، وتومئ تسليما …
-يا عمدة، لسه نايم يا ولدي ؟!
-أمي!!
-قوم يا عمدة حضر الخدمة للضيوف
يستيقظ العمدة مستبشرا، فرحا، يعد العدس للضيوف، والساعة لم تتجاوز الواحدة بعد منتصف الليل، لم تتعجب الجليلة، فلم يعد العجب من مفردات حياتها بعد كل هذه الصحبة، قامت لتعد العجين، وقد أخذ العمدة في الغناء بصوت شجي
” ويا روحي ساعة ما القاك، مش بس اوقاتي بتحلو، دي العيشة والناس و الجو…”
-بسرعة قوم ياجدع انت قبل ما حد يصحى
ينهض مسرعا، وينسلا خفية من باب القصر الخلفي، وقد ارتدى جلبابا بلديا، وتلثم بعباءة، تنطلق بهما سيارة مرسيدس سوداء
-بسرعة، قبل ما حد ياخد باله، ضاحكا، هتبقى حكاية
– الواد كبير الياوران هياخد فيها جزه عملي ناصح قوي …!!
يبتسم السائق، ويهز رأسه بمحبة و فرح لكونهما معا وحدهما، من زمن وهو يرافقه ما رأى منه غير الود، و لين الجانب
-على فين إن شاء الله ؟
-بسرعة على الشهداء، نلحق نصلي الصبح في سيدنا الأمير، شبل الأسود
-مدد
-ألف مدد
يدخل بعصاته وهيئته ووجهه البشوش الأسمر، محييا الأمير، يفطن لوجوده المصلون
-الريس …!
يضع الرئيس أنور السادات سبابته على فمه.
-مافيش ريس هنا كلنا في رحاب الأمير خدام
يصلي الصبح، كلما ضاق صدره، جاء هنا في رحاب الأمير، بلا حراسة ولا جلبة، صحيح أن الحرس دائما يكتشف الأمر، ولا يتركه إلا وهرع لمكانه، ولكنهم اعتادوا على ذلك، خاصة حينما يكون بقصره الرئاسي بميت أبو الكوم التي لا تفصلها عن الشهداء سوى بضعة كيلومترات. ترن أصوات السيارات و الموتوسيكلات من الخارج، ويدخل رئيس الحرس المسجد …
-ياريس ده معقول ؟!
-أنا في وسط أهلي (يقهقه ضاحكا …) إزاي تسيبوا الرئيس يهرب منكم؟!..يضحك الجميع مستبشرين فرحين، شاعرين بترحيب الأمير، يخرج السادات ومن معه لميدان سيدي شبل، لتقع عين الرئيس على لافتة خدمة العمدة، يشير لمرافقيه أن هلموا للخدمة، يدخل الرئيس على العمدة الغير مصدق لما يراه، يضاحكه و يباسطه
– ما فيش أكل عندك ولا إيه…؟!
– لا، أنا كنت منتظر من الساعة واحدة، هي قالتلي أنكم جايين، بس مكنتش أعرف إن الرئيس هو إللي جاي …!، يستفسر السادات بعينيه مندهشا
-محدش يعرف إني جاي هنا …!
-لا يا ريس احنا عندنا مخابراتنا الخاصة …!
يضحك السادات
– طيب أحكي يا
– العمدة العمدة ياريس
تمد الطبالي، وتوضع أطباق العدس الساخن، وأرغفة الخبز الصبوح، والجرجير، والمخلل. يقبل الرئيس ووفده بشهية، يتابع كلمات العمدة، يهتف بسعادة مع كل لقمة وكلمة “الله”..
-كنا و احنا صغيرين يا عمدة نأتي رحاب الأمير جعانين، ويكرمنا بالخبز والعسل الأسود، دلوقتي العدس و الخبز
كان خبر قدوم الرئيس قد انتشر في الشهداء، فحضر مسؤولو المركز كله لاستقبال الرئيس في مقر خدمة الزكية والعمدة، يبادر الرئيس ضاحكا
– وفين بيتك يا عمدة ؟
– ما عنديش بيت والله …!
– يعني عمدة ومن غير بيت خاص، باين عليك عمدة فالصو!، (يقهقه ضاحكا…)
يسأل رئيس مركز الشهداء،
-أخبار الإسكان الشعبي عندكوا إيه؟
-فيه خمس عمارات هيتسلموا الشهر الجاي للمواطنين ياريس…
-أول شقة تكون للعمدة
ينصرف الرئيس مودعا، سعيدا، مستبشرا …

ببزته العسكرية ألمانية الطراز، وسط جنوده، يتابع سرب طائرات مقاتلة بنظارته المكبرة، لكنه يرى شيئا آخر غير الطائرات، خيولا مجنحة تملأ الأفق السماوي، أصوات رعد يتخللها تكبير، يقف مندهشا، لتقف سيارة نقل جنود أمامه، يقفز منها ثلاثة، يقترب أحدهم منه، يصوب بندقيته الآليه نحوه، يلوذ مرافقو الرئيس بأسفل المقاعد، يشير إلى الجندي آمرا إياه بالتوقف، يعاجله برصاصة تخترق رقبته، تهبط الخيول المجنحة أرض العرض العسكري، تنطلق سهامهم نحو القتلة، يتوقف كل منهم مشدوها وكأنه تجمد مخدرا بمكانه، كانت خططهم أسر كل من في العرض من قيادات عسكرية وسياسية ثم إعلان قيام دولتهم، وكأنهم نسوا أين هم، يودع الزعيم الأرض ومن عليها بنظرة وادعة، راضية، يخاطب قائدهم
– من أنت؟
– أنا، من كان يطعمك الخبز والعسل!
– ما كان هذا عشمي يا أمير الجيوش، كنت أنتظر باقات الورود في هذا اليوم، فلم تكن غير هذه الرصاصة القاتلة …!
– لا عليك، ومن قال أن التاريخ يسير بخط مستقيم، في دائرة يطوف التاريخ، لاعليك هلم معنا
يبتسم مستبشرا، يمتطي أحد الخيول المجنحة، ويرتفع بصحبتها إلى السموات القريبة المنتظرة

مقالات من نفس القسم