مبروك يامُهجة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 10
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. رضا صالح

تسألنى مهجة بإلحاح؛ وهى تنظر إلى ثدييها فى المرآة:

هل لدى ثدى مهدل عن الآخر؟

ابتلعت  ريقى؛ و أعدت النظر والحساب.

كانت حاملا فى الشهور الأخيرة، تخاف من المرض اللعين؛ ارتديت القفاز وتحسست المكان المصاب؛ وجدت كتلة تشى بالصلابة فى المنتصف، حولها إفراز مدمم، وشىء كالمخاط..طبعا هناك فرق واضح..

لم أقل لها ذلك؛ تركت الأمر غائما؛حتى لا تفقد المرأة صوابها.

 قلت لها:

لابد من السفر لإجراء بعض التحاليل..

***

أنا الآن بعيد بعيد.. جنوبا بالقرب من الساحل، مع بداية الألفية الثالثة؛كنت أعمل فى مركز طبى يطل على البحر، الشمس تغلف المكان ونشوة تسرى تنهض سيقان الزروع وتبعث الورود والرياحين من أكمامها، تفوح بعبقها الحانى، سطح المياه الفيروزية الممتد يبدو من تلك النافذة التى فى مواجهتى..يوميا ينتهى جودة من أعمال النظافة؛يضع شاى الصباح على المكتب،أتطلع إلى عينيه الذابلتين وشاربه السميك المتهدل على جانبى وجهه، كرشه المكور يدفع معطفه الأبيض إلى الأمام. 

  • أى خدمة أقوم بها؟
  • شكرا يا جودة..لا تنسى شراء اللانشون وتجهيز السلاطة للغداء.

جودة لا يجيد الطبخ ولا أنا.. نستطيع فقط أن نسلق البيض أو نقليه؛ ونقلى السمك بالزيت سويا مع الأرز الذى يجهزه جودة ويأكله بصفة شبه يومية.

غالبا ما أتناول طعام الغداء مع جودة بعد الانتهاء من العيادة الصباحية التى يأتى إليها عدد لا بأس به من المرضى.كنت أكتب لهم علاجا خارجيا بالإضافة إلى أدوية المركز المحدودة.

***

 تعودت أن أرنو إلى البحر؛ أراقب الآن مجموعة من الكلاب السارحة فى تلك المسافة الفاصلة بين البحر والشاطىء.تأكدت أنها عائلة تحيا حياة متكاملة تماما، بهرني منظرها وهى تعاقب أحد أفرادها يوما؛ كما بهرتنى عندما ارتفع نباحها وتجمهرت إثر إصابة أحدها بشوكة من أشواك البحر.

عن اليمين والشمال تناثرت  فيللات لعمال البترول، تمتد مساكنهم بحذاء الشاطىء، كل فيللا مستقلة محاطة بحديقة واسعة. بامتداد الأفق أستطيع أن أرى مدرسة ابتدائية ومحل صغير للبقالة كتب على لافتته ” سوبر ماركت”؛  يوميا فى المساء يجىء إلى المركز صديقى على ناظر المدرسة، يجلس معى قليلا نحتسى الشاى ثم يغادر.

قال لى يوما :

الأولاد هنا عمليون لا يريدون الاندماج فى الدراسة، أحدهم  سمين ينام فى مكانه؛ عندما يكون متيقظا  يعبث بهاتف نقال فى يده، يخرج أكوام من السندوتشات والعجائن من حقيبته، عائلته تقطن إحدى الفيللات المجاورة.

يجلس الأستاذ الناظر معى حتى أتثاءب؛ فيبتسم فى أدب وينظر فى ساعته ويستأذن خارجا وهو يقول:

 الساعة عدت 10..الوقت سرقنا..

***

توجد لافتة على باب المركز ” الكشف والعلاج مجانا “

منذ أيام استدعيت لفيللا جارى، الذهاب إلى المنازل يمثل لى مشكلة؛ وخصوصا هنا؛ كانت زوجته على وشك الولادة، تقريبا الولادة السابعة – ما شاء الله-  لها أبناء فى المعاهد والكليات الخاصة، طمأنت زوجها بأن الولادة طبيعية ووشيكة.

بالأمس شاهدت من نافذتى عجلا سمينا بحديقة فيللا جارى؛ ظللت أسمع  خواره فى أوقات متباينة من الليل والنهار؛ يعلو صوته فى أواخر الليل و مع مطلع الفجر،حاولت أن أقدر ثمنه؛تسليت بالحسبة التى أدرتها فى ذهنى؛ وجدت المبلغ ضخما.. كان جارى يضع له كمية هائلة من البرسيم والعلف الجاف .

***

بعد أيام أتت مُهجة بابنها الوليد إلى المركز، ألقت السلام؛ أزالت الوحشة من صدرى؛ رددت عليها السلام بصوت جهورى وابتسامة رسمتها على شفتى؛ تلاشت النَكتة السوداء من صدرى، رحبتُ بها قائلا:

مبروك.

من أخبرك باسمه؟

اسمه؟ أنا فقط أبارك لك

بارك الله فيك وعليك، سميناه مبروك على اسم جده ” مبروك رابح مبروك” جئت لأدعوك إلى عقيقة  مبروك. 

شكرتها؛ أردفت:

ألا يوجد لديكم ميزان؟

ميزان؟

نعم أريد أن أزن المبروك

لقد تسلمت المركز قريبا وسوف نطلب ميزانا من الإدارة..

ردت ساخرة:

  • يا عيني!.وحدة صحية وتقولون مجانية؛ ولا يوجد لديكم ميزان؟

حاولت أن أغير الحديث؛ قلت:

  • هل كلكم تفهمون فى الزراعة؟

تبسمت وقالت:

– لا أفهم مغزى سؤالك.

– أرى حدائق محيطة بالفيللات؛ وكلها تقريبا مزروعة بطريقة ممتازة.

– نعم.هناك جناينى مخصص، أكثر من واحد؛ كلهم يشرفون على الحدائق، سوف آخذ الرجل المخصص لى هنا  ليزرع لى حديقة منزلى الذى بنيته فى البلد بالصعيد، لقد رفعنا خمسة أدور – وأشارت بيدها- وحولها مساحة كبيرة للحديقة !

– لهذه الدرجة؟ لابد أنه جناينى فذ!

– نعم! إنه يفهم فى جميع أنواع الزراعة  الشتوية والصيفية، يفهم فى زراعة الخضر والفاكهة بأنواعها، يفهم فى الكنتالوب والفراولة والزهور والورود بأنواعها..قال لى جارى إنه يعلم أبناءه فى الكليات الخاصة، خمسون ألفا فى العام، وستون ألفا للآخر، سألته:

كل عام؟

أجاب:

نعم؛ كل عام

***

يوم السبوع ذهبت لألبى الدعوة، نُحر لمبروك العجل السمين.

***

الوقت هنا فيه متسع للقراءة والاستجمام؛ انتويت على إجازة موافقة لموسم معرض الكتاب، لم أستطع أن أشترى نصف ما أعجبنى من الكتب، اكتفيت  بمجموعة صغيرة ونفدت أموالى، تعجبت من ارتفاع الأسعار؛ لم أتأكد.. أهو ارتفاع فى الأسعار؛ أم ندرة المال فى جيبى؟

عدت من إجازتي القصيرة بالقاهرة لأجد المركز وقد خرجت أمعاؤه؛ عرفت أن المقاول قد بدأ العمل، “أعمال التجديد والصيانة ” هكذا يسمونها،، نزع الأبواب والشبابيك..قام بتكسير السيراميك الأرضي والحائطي..

قلت: وما الداعى؟

قالوا :هكذا المناقصة.

بعدها قام بتكسير النوافذ وإزالة الملاط.

تساءلت بدهشة ممزوجة بالحزن:

وما الداعى؟ النوافذ سليمة و ملاط الحوائط على ما يرام.

رد بخشونة :

لابد من الالتزام بكل البنود.

***

لم يغادر ذهني طيف المرأة، هى لا تدرى ما أفكر فيه واعتقده؛ أخاف أن ينتشر المرض اللعين فى جسدها؛ ترفض أن يكون أحد ثدييها مشوها، هذا حقها، واجبها أيضا أن تخاف وأن يدفعها الخوف إلى البحث عن علاج، وهذا أيضا شعور مطلوب، الإنسان وحدة واحدة..لن تسعد المرأة إلا  بتساوى الثديين، الأيمن والأيسر؛ لو ترك هكذا  سوف تهاجم الخلايا باقى الجسد ستنفى عن ذلك الثدى الآخر روعته ودفئه  وليونته وتدفقه بالحياة ستهاجم العظام والكبد والطحال، ستأتى على الرئتين؛ ستقضى على البناء كله سينهار الجسد رويدا رويدا..

نعم كلنا سنسعد باعتدال الدفة، هل افتقدنا السيمترية و صرنا كالجسد المشوه؟ مجرد أشلاء متجاورة تحتاج إلى جراح ماهر ينفى عنا الخلايا الأكولة المتطفلة؛ التى تنهش الجسد نهشا ! نصحتها بالسفر لعمل الأبحاث اللازمة، حتى لا يميل القارب وينقلب مع عنف أمواج الداء..

***

تناولت رشفة من فنجان القهوة الموضوع أمامى على المكتب، سمعت طرقا خفيفا قلت: ادخل..تبسمت وهى داخلة؛تبدو كأنها لا تكترث ولا تعرف شيئا عما يدور داخلها؛ انتزعت ابتسامة رسمتها على شفتى..

– أمازلت هنا يا مهجة؟

– نعم يا دكتور..

– لن يفيدك البقاء، يجب أن تبحثى عن حل لمشاكلك..لابد أن تذهبى إلى هناك.

– لا أحب السفر، أنا فى حيرة، ألا ترى أننى قد تحسنت؟

سكت برهة وقلت:

– أريدك أن تأخذى الأمر بجدية

– ذهبت إلى ضاربة الودع، وسألت شيخا طاعنا فى السن، وعدنى أعرابى بعلاج سيحضره لى؛ أجلت السفر قليلا!

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون