هاجر شويط
يثبت المشاهد العربي مرة أخرى ميوله إلى قصص الدراما الرومانسية، ينجذب لها بشكلٍ أو بآخر وربما هربًا من الواقع المحبط، وقصص رومانسية فاشلة من حوله، كذلك الظروف التي تمر بها المنطقة العربية ككل، إذا أضفنا حقبة الستينات المتمثلة في الأزياء والمكياج والأثاث كانت عاملًا مهما في نجاح عملٍ كأفراح القبة، راح الكل يتحدث عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أوائل الحلقات التي بثت، التشويق الذي صنعه اللغط بين الحقبة الماضية للأبطال وبين حاضرهم على المسرح، واستمراره باستعمال أسلوب التلميح بحيث يظهر مشهدٌ واحدٌ في الماضي دون تفسير ليعاد ظهوره في الحلقات التالية واضحًا من كل زاوية، الاعتماد على تقنية الفلاش باك كطريقةٍ ناجعة في صنع تشويقٍ آخر، مبينا تأثيره على سيرة كل بطل وتأثيره على القصة، اتضاح الصورة واكتمالها من كل الزوايا.
قصص الحب المتداخلة، تعش طويلا في ذاكرة المشاهد
قصص الحب المتداخلة والمتشابكة، المتنوعة والغريبة أحيانا كانت سببا مهما لشد انتباه المشاهد، كذلك اعتماد السيناريست على الدخول في خط شخصية ما بين الفينة الأخرى والتعمق فيها مما خلق قصةً إبنة داخل القصة الأم، التي تعمل بطريقة ما على إنارة أجزاء من الحكاية ويكتمل العمل في النهاية، كتسليط الضوء في الحلقات الوسطى على عائلة تحية عبده، على شخصية حليمة الكبش، وفي الحلقات الأخيرة عند ظهور شخصية فُتنة التي أدتها السورية "كندة علوش" ولو أن المبعض قد رأى أنها جاءت متأخرة، اعتماد الغموض في مواقفٍ ما، الحديث المستمر عن السر بين تحية عبده ووالدتها بدرية "سوسن بدر"، أيضا في الشكل الذي ظهر به الأبطال على المسرح وفي العرض الذي يدعو للتساؤل عن سبب غياب البعض وظهور آخرين مع تغير شكلهم كما حدث مع عليا "دينا الشربيني" وظهورها على وجهها حروق ترتدي جلابية وشالا أسودا، وكغياب أفراد عائلة تحية.
القصة الأولى، الملحمة التي لا شك أنها ستعلق طويلا في أذهان المشاهدين، جامعة بين تحية عبده "منى زكي" وطارق رمضان "إياد نصار"، هذه الملحمة التي باتت موضوعا طويلا بين المتابعين والتي تخللتها أغنية ارتبطت بحالتهما "الهاشا باشا تاكا"، وظهرت في أكثر من مشهد، قرار تحية الانفصال عن طارق رمضان بعدما فشلت سبل إقناعه بضرورة الارتباط وبين رفضه لذلك، كشخصية فنان مغمور ومجنون له توجهات سياسية كثيرا ما كانت سبب بلواه، من جهة أخرى علاقة الحب التي ربطت أم هاني "سلوى عثمان" بطارق رمضان، علاقة قد نراها كثيرا غير متوازنة ولا متكافئة فطارق يخرج من عتبة شبابه ويبقى مغمورا بالحياة والحب، بينما أم هاني سيدة سبق لها الزواج والانجاب، مع ذلك الحب لا يعترف بكل تصنيفٍ، وبلغت المشاهد تساؤله البليغ في أول مشهدٍ جمعهما بعد وفاة تحية، وهي تحممه ولم تكن إلا حضنا مواسيا لأزمته، بينما تخبره أن عليها أن تكون سعيدةً لوفاة "ضرتها في قلبه"، أما حقيقة فهي حزينة كما لو أن شقيقتها من ماتت، تتوسله "متسبنيش .. متسبنيش"، وتبكيه وتبكي نفسها، بينما يظهر طارق في قمة انتشائه بحب تحية، واحدةٌ من علامات الاستفهام التي ظلت مرفوعة حتى النهاية، حول استمرار زواجهما الذي لا يحمل أي مقومات للزواج، ولا سببه أساسا بعد طلاقها من العم برغل، قصةٌ أخرى كانت بطلتها تحية عبده وكان البطل شابا صغيرًا خرج للتو طازجا من مراهقته، بدأ في حياتها مجرد طفلٍ ابن موظف وموظفة هناك، يكبر عباس مراقبا لتحية وبطريقة لا يعلمها أحبها، وشغفها رغم العلاقة التي كان يعرفها الجميع، بالإضافة إلى علاقة مضببة بين التكبر والقوة جمعت بين درية النجار "صبا مبارك" و سرحان الهلالي "جمال سليمان"، لم يكن دور صبا الشابة المحبة للمسرح التي يتم إيقاعها بسهولة أو التي تحب ببساطة كما كان الحال مع تحية عبده، ولا كان سرحان الهلالي الذي كانت تناديه حليمة الكبش "الشيطان" برجلٍ محبٍ، يتضح استياء درية من سرحان في مشهدٍ جمعهما : (أنا كل يوم كنت أحبك أكثر، كنت بكره نفسي أكثر)، اللامبالاة والبرود التي يُقابلها بها مقابل نفسه وتحقيق مآربه، دون أن ننسى العلاقة التي جمعت حليمة الكبش "صابرين" بسرحان الهلالي، والتي ظل المشاهد يبحث عن تفاصيل سبب كرهِه الكبير لها، لاسيما بعد المشهد الذي ربط بينهما وبين طارق رمضان في الضريح، حيث قال (آخر واحد كنتي تفتكري تلاقيه هنا / لأ قبل الأخير / والأخير كرم يونس /لأ / سرحان الهلالي ) ثم تصمت، علاقةٌ أخرى ثانوية ولكنها كانت سببا مهما في انتقامات متتالية، علاقة عليا شقيقة تحية عبده بأشرف شبندي "أحمد صلاح السعدني"الذي تتزوجه شقيقتها الأخرى سنية "رانيا يوسف" فيما بعد.
القصة، الإضاءة، والماكياج والعمل على جذب المشاهد
الحبكة الرئيسية التي اعتمدها نجيب محفوظ في روايته، عرض مسرحيةٍ، يعد السيناريو فيها قصة حياة الأبطال أنفسهم، ويعيدُ فيها طارق رمضان تجسيد شخصيته الواقعية، وما يسببه عرضُها من مشاكل، وفضح حقائق سريةٍ، وتأثير ذلك على حياتهم كانت حبكة مختلفة، وجذبت المشاهد.
الجو الإخراجي الذي صنعه محمد ياسين، من إضاءة وديكور يضعنا في حقبة الستينات، شكل البيوت بأثاثها إلى ورق الحائط، ماكياج الشخصيات والذي يعدُ موضة اليوم أيضا من الآي لا ينر البارز إلى أحمر الشفاه، تسريحات الشعر واللباس، خاصة التنانير القصيرة والأحذية ذوات الكعب العريض للسيدات، كلها صنعت جوًا جعلت المشاهد لا يشك للحظة أن العمل مجرد محاولة استعارة لزمنٍ ماضٍ، أغاني شكوكو التي أعادت أمجاد ذلك العصر كأغنية (حبك شمعة وقلبي فانوس)، وحتى الأغنية التي رقصت عليها درية وتحية (أغار عليكي).
صناعة خطٍ ما لكل شخصية والتعمق فيها، جعلت المسلسل يتجه في كلِ مرة إلى بطلٍ ليصنع صورة متكاملة في الأخير، إرضاء للتشويق الذي صنعته بمشهدٍ من زاوية ما، ثم تسليط الضوء عليه من زوايا أخرى، لتتضح الصورة عميقا، عمل درامي لا تشعر معه أنك بصدد متابعة مسلسل بقدر ما أنه فيلم سينمائي.
تكرار الكثير من المشاهد أزعج المشاهد، بين حلقة وأخرى، غير أنها جاءت لضرورة طريقة كتابة سيناريو الفيلم التي اعتمدت الفلاش باك، ثم الغوص في الحقائق في حلقات متقدمة، كذلك الوقت القصير للحلقة الذي يسبقه تلخيصا للحلقة الماضية، والذي وصل في حلقةٍ ما إلى عشر دقائق من أصل 35 دقيقة بالأكثر، عملٌ جميل وجيد لم يكن يستحق تمديد 30 حلقة، رغم ذلك فهو ناجحٌ ومؤثر ومختلف، يحيا طويلًا في ذاكرة جمهوره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة جزائرية