وجبة سريعة باردة!.. عن فيلم Taken 3 أو المخطوف – الجزء الثالث (2014)

تيكن
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحـمد عبد الرحـيم

حسنًا، للوجبات السريعة متعتها، لكن – بكل تأكيد – ليس هذه المرّة!

هذا هو الجزء الثالث من سلسلة أفلام الأكشن الصاخب Taken، والمقصود المخطوف أو المخطوفة، التى ينتجها السينمائى الفرنسى لوك بيسون، وتنطق بالإنجليزية، ويقوم ببطولتها النجم إيرلندى الأصل ليام نيسون. Taken الأول سنة 2008، وTaken الثانى سنة 2012، حقّقا إيردات خيالية تعدت 700 مليون دولار، وهو ما جعل الطلب مُلحًا لتفريخ Taken ثالث. لكن يبدو لانشغال نيسون الشديد فى سنتى 2013 و2014، بـ13 عملًا سينمائيًا وتلفزيونيًّا ومسرحيًّا، اضطر بيسون، المشارك فى الكتابة هنا أيضًا، أن يمزج أجزاء من أفلام سابقة، مرتجلًا سيناريو جزء جديد بأقصى سرعة، كى يتمكن نيسون من تصويره فى أقل من شهر، وهو ما حدث بالفعل، لتكون النتيجة – للأسف – هذا الفيلم المتسرع، الممل، الأصفر!

راجع معى إعادة تدوير الأفلام على نحو سيئ: من جديد، نتابع شخصية عميل المخابرات برايان ميلز (نسخة رصينة متقاعدة من چيمس بوند)، وعائلته المكوّنة من ابنته الشابة وزوجته السابقة (الفيلمان السابقان فى سلسلة Taken)، حيث يُتَهم ظلمًا بقتل هذه الزوجة، ثم يهرب من الشرطة، مُحاولًا العثور على القاتل الحقيقى (فيلم The Fugitive أو الهارب من سنة 1994، مع سرقة مشهد هروب البطل من الشرطة إلى أنبوب مجارى!)، وذلك من خلال مطاردات بالسيارات، وذروة تتضمّن سيارة تطارد طائرة على وشك الإقلاع (فيلم The Transporter 2 أو الناقل – الجزء الثانى من سنة 2005، من تأليف وإنتاج بيسون نفسه!). ما ضايقنى ليس عدم أصالة ما سبق؛ وإنما النتاج الغبى لتزاوجهم!

الحق أنى لم أحتمل قصفنا كمشاهدين بنقاط سلبية لا تنقطع. إليك بعض القنابل الصغيرة: المفروض أن مرتكب الجريمة هو الزوج الجديد لزوجة ميلز (أداء دوجراى سكوت) وذلك رغبة فى صرف بوليصة التأمين على حياتها كى يسدِّد ديونه لعصابة المافيا الروسية. لكن عند كذبه على ميلز، ماذا يقول؟! يقول: “أنا أخبرت الشرطة أنك القاتل كى أنتقم منك لاعتقادى أنك أقمت علاقة مع زوجتى، ثم أخبرت العصابة أنك وراءهم كى تحمينى أنا وابنتك!” صدقنى عزيزى القارئ، لقد اضطررت أن أعيد مشاهدة الفيلم خصيصًا كى أتأكد أن ما سمعته فى هذا المشهد صحيح. إن الأمر يبدو كشخص يريد موتك وحياتك فى الوقت نفسه، وهذه ليست حماقة من الشخصية بقدر ما هى حماقة من المؤلف!

مفتش المباحث (أداء الممثل الأسمر فوريست ويتيكر) المكلَّف بقضية قتل الزوجة، والقبض على ميلز، يكتشف أن البطل برىء من الجريمة، لمجرد أنه ذهب لزيارة طليقته قبيل قتلها بصحبة معجنات ساخنة! إما أنه يقصد أن من يعتزم القتل لابد أن يذهب لهدفه بمعجنات باردة، وإما أن بيسون يقدم إعادة لشخصية Pink Panther أو الفهد الوردى كمحقِّق أبله لكن لونه أسمر هذه المرّة، وهى فكرة أفضل من الأولى بكثير! 

يمحو ميلز المافيا الروسية من على وجه الأرض، بينما الشرطة لا تحقِّق معه فى هذا الأمر مطلقًا، رغم المذبحة التى أتمها قبل قتل زعيم العصابة! تنقلب سيارة ميلز من فوق الجبل، ثم تسقط متفجرة إلى ألف قطعة، ثم نكتشف فى اللقطة التالية أنه حى يرزق، هكذا بدون تفسير، أو احترام لعقلية المشاهد! قرب النهاية، يباغت زوج الأم، أى شرير الفيلم، باختطاف ابنة البطل، أو أقرب ما يكون لبطلة الفيلم، ليطارده البطل كوسيلة لإنهاء الفصل الثالث من الفيلم. ألا تعرف ما اسم ذلك؟! اسمه أكثر الحيل ابتذالًا فى التاريخ الحديث لسينما الأكشن الأمريكية، وأستطيع أن أعدِّد لك ما لا يقل عن 100 فيلم أمريكى، من إنتاج العقد الأخير فقط، تقوم فيها الذروة على اختطاف الشرير للبطلة، وتفرغ البطل لإنقاذها!

وأخيرًا، لماذا يمسك مفتش المباحث قطعة شطرنج فى مشهد المطعم؟ هل وجدها هناك؟ هل يوزِّعون واحدة مع كل وجبة كومبو؟ هل هى لعبته التى تحادثه منذ الصغر، وهى التى أخبرته على دليل “المعجنات الساخنة” العبقرى؟!

تيكن

برايان ميلز بطل سلسلة Taken ليس شخصية عظيمة فى الأساس. إنه يبدو كخارق، ويتصرف كخارق، وإن كان أقرب للملل الخارق من الرجل الخارق. إنه كبطل أكشن لا يملك أى شىء أصيل، ولا يصاب بأى أذى، ومجرد من أى روح مرحة (رغم أن شوارزنيجر بطل معدنى بالكامل فى سلسلة The Terminator، أو المُدمِّر، فإن لديه على الأقل أفيهات لطيفة يقولها!). مما يجعل مجمل ما يمكن حبه فى ميلز هو أنه أب / زوج سابق مخلص، ويلعبه نجم محبوب اسمه ليام نيسون. إذا لم يكفك ذلك، وهو لا يكفينى أنا شخصيًا، فإن هذا يتركنا مع مميزات ميلز المتبقية وهى: معداته المتطورة علميًا، وغضبه الجارف، وقدراته القتالية؛ والتى يتصادف أنها تظهر – كلها – فى هذا الفيلم على نحو دون المستوى!

فى هذا الجزء، انْسَ أى معدات مبدعة أو مدهشة. وبالنسبة للغضب والقدرات القتالية؛ فالمحصلة صفر. ستشاهد ميلز يقاتل عشرات الخصوم، ويواجه مئات الرصاصات، ويقتحم الزجاج بجسده، وينجو من انفجارات، كل ذلك بدون خدش واحد على وجهه، أو نقطة دم تنزف منه! هذه الشخصية التى لا تُقهَر على طول الخط مضجرة للغاية، وتجعل كل تتابع مثير سهل التنبؤ بنتيجته. كما أن خلوها من الضعف، واجتنابها لأى خطأ، يفقدها الصلة الإنسانية مع المشاهد؛ ليتحوّل ميلز إلى روبوت متبلد وسمج، وهو ما ينفى الانفعال به من جانبنا. أضف لذلك عدم اهتمام نيسون ذاته هذه الجولة. إنظر لردود أفعاله فى كل مشهد، بل فى كل لقطة، وستكتشف ببساطة أنه غير مكترث تمامًا فى المشاركة بهذا الفيلم. كمثال، راقبه فى معركته بمنزل زعيم المافيا الروسية عندما يتلقى لكمة على وجهه ويسقط أرضًا. إن ملامح وجهه لا تعطى إيحاءً بأى شعور، سواء كان ألمًا أو غيره، وكأنه – كممثل – زهق من تكرار المواقف، ويريد إنهاء العمل دون بذل مجهود يذكر!

بذكر الروبوتات، أنا أؤمن بأن لوك بيسون نصف إنسان، نصف روبوت. فهو كمؤسسة إنتاج وتأليف وإخراج، يطلق سنويًا مجموعة أفلام أغلبها أكشن آلى لا تلعب المشاعر دورًا فيه، وفى Taken 3 قام بدوره كمنتج ومشارك فى الكتابة بشكل يخلو من ذرة طرافة أو خيال أو جاذبية. موسيقى ناثانيل ميتشلى عانت من عقم عاطفى، وبعد اصطدام الطائرة فى النهاية انقلبت إلى خطابية طنانة، وكأننا انتقلنا فجأة لفيلم The Ten Commandments أو الوصايا العشر (1956) لسيسل بى دى ميل! لمدة ساعتين إلا الثلث، ما ستشاهده لن يخرج عن ذلك: حدث شهدناه من قبل فى فيلم أفضل حالًا، ثم نقطة غبيّة فى السيناريو، ثم تتابع أكشن ينتصر فيه البطل على نحو بديهى معروف سلفًا. كل ذلك فى دورة تتكرّر وتتكرّر، عبر مونتاج أشبه بمدفع سريع الطلقات، لا يعطيك الفرصة كى تفكر، أو تستمتع، أو حتى ترى أى شىء!

لدى بعض الأسئلة لمخرج الفيلم، الفرنسى أوليفر ميجاتون، مثلًا: ما سر إصرارك المَرَضِى على طمر صورة الفيلم كلها فى اللون الأصفر الفاقع؟ إذا كان الغرض فنيًا، لتجسيد حرارة الأحداث ورطوبة الأجواء، فقد تمت المبالغة فى ذلك لدرجة أصابتنى بضربة شمس، وإذا كان الغرض مجرد شكل مختلف، فهى حذلقة سخيفة أعمتنى! لماذا أخرجت قفزة بسيطة للبطل من فوق أحد الأسوار عبر العديد من الكاميرات وزوايا التصوير، و13 قطع مونتاجى فى 6 ثوان؟! إن هذه اللحظة بالذات تحولت إلى نكتة عبر اليوتيوب (إبحث عن عشرات الفيديوهات المعنونة “Bryan Mills jumps a fence” أو “برايان ميلز يقفز من فوق سور”) كمثال نموذجى للتقنية المفرطة إلى حد إثارة السخرية، والمحاولة المراهقة لصناعة شىء من لا شىء. أستاذ ميجاتون، لا أريد أى إجابات، وإنما أريد إخبارك أنك صنعت إعلانًا طويلًا بلا روح، بمقارنته مع إعلان الفيلم التجارى سيتفوق الأخير بجدارة! سؤال أخير “فوق البيعة”: لماذا أظهرت زعيم المافيا الروسية طوال تتابُع الذروة وهو شبه عار؟! واضح أن الفيلم لم يكن بحاجة إلى مزيد من القرف!

إنه فيلم لا يملك ما يفخر به، اللهم إلا مشهد كسر سيارة البطل لعجلة الطائرة خلال تأهبها للإقلاع. حتى هذه اللحظة ستهزمها بعد ثوانٍ جملة الختام جبارة السخف؛ حيث تتفق أسرة ميلز على تسمية حفيدتهم الأولى على اسم جدتها القتيلة؛ من ناحية، هى حركة مكشوفة جدًا تمت سابقًا فى آلاف الأفلام والمسلسلات، ومن ناحية أخرى، قد يضطرب قولونك حينما تدرك أن فى ذلك تلميح لفرد أسرة ميلز الذى سيتم اختطافه فى فيلم جديد محتمل من السلسلة!

صحيح أن الوجبات السريعة، كالبيتزا والهامبرجر، مجرد خلط لا تروى فيه، لأشباه عناصر، يقود إلى مُنتَج لا يحمل تميزًا كبيرًا عن باقيه، لكنها – كما قلت – وجبات لها متعتها. نوعية فيلم حرف B، أو ما نطلق عليه الفيلم التجارى، يظهر أحيانًا كوجبة سريعة، لكن حارة أو لذيذة. المشكلة هذه المرّة ليست أننا بصدد وجبة سريعة باردة، المشكلة أننا أمام وجبة سريعة باردة.. مأكولة سابقًا!

…………….

نُشرت فى موقع Film Reader / الثامن من إبريل 2017.

مقالات من نفس القسم