لقاء إيمان مرسال..عن هذه اللحظات الساحرة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

كنت قد قرأت بالصدفة أثناء تجولي علي شبكة الإنترنت هذا البيت للشاعرة المصرية إيمان مرسال: "ربما الشباك الذي كنتُ أجلسُ بجانبهِ كان يعدني بمجدٍ غير عاديّ/كتبتُ علي كرّاساتي /إيمان...../طالبة بمدرسة :إيمان مرسال الابتدائية".

فتنهدت قائلة إنها كما لو كانت تتكلم عني..هذه اللحظات الساحرة التي تقرأ فيها شيئاً يشبهك، بل ويتطابق مع أفكارك لدرجة تصيبك بالدهشة.

أنا أيضاً كنت أجلس في المدرسة بجانب الشباك، وكنت أحب أن أرسل نظري إلي الخارجفي جولةٍ تأملية خاصةً في أيام امتحانات اللغة العربيةحين أكتب موضوعات التعبير،فكنت أتأمل طويلاً في شكل الأشجار وحركة السحب حتي تكتمل الأفكار في ذهني فأبدأ الكتابة.

وكثيراً ما وبّخني المدرسون علي هذا التأمل ظناً منهم أني شاردة وسأضيّع وقت الامتحان دون أن أتمكن من الإجابة، فكنت أجيبهم-بدهاء الطفلة التي كنتها- أني أحاول التذكرفحسب، فكانوا يتركوني وشأني فأعود ثانيةً إلى تأملاتي وكتابتي، وأستشعر هذا الوعد بالمجد غير العادي.

وبعد سنوات من قراءتي لهذا البيت عرفت بإقامة مناقشة لصاحبته الشاعرة الكبيرة، فقررت علي الفور أن أحضر ليس لأنها هذه الشاعرة الكبيرة، لكن لأنها تلك الإنسانة التي تشبهني إلي هذه الدرجة.

ثم ترددت في قرار الحضور لأني مقتنعة بما قاله الروائي الأمريكي آرمستيد موبين “إن مؤتمرات الكتّاب مهرجانات من الحسد والحقد فإن الأعصاب تكون مشدودة علي طول المكان فلتبقَ بعيداً عنها وكذلك عن الحلقات النقاشية”.

ثم عدت وقلت لنفسي أنه حتي لو كانت هذه قاعدة -ويمكنني أن أقول بضمير مستريح أنها كذلك- فلكل قاعدة استثناء، ولحسن الحظ فحين ذهبت أخيراً بعد كل هذا التردد تأكّد لي أن هذا اللقاء هو بالفعل أحد الاستثناءات القليلة لهذه القاعدة، فالأمسية لم تكن  مهرجاناً للحسد بل للمحبة، فكلما تلفتّ وجدت عيوناً ممتلئة بالسرورالنابع من محبةٍ حقيقية، حتي برغم اضطرار البعض للجلوس علي الأرض لعدم وجود أماكن فلم يظهرعليهم الضيق بل كانوا في كامل الانتباه لكل كلمة.

أتي هذا اللقاء مع صاحبة “ممر معتم يصلح لتعلم الرقص” أواخر الشهر الماضي في شكل مناقشة مفتوحة عقدت في ساحة روابط التابعة لمكتبة تاون هاوس بوسط البلد، والذي قام بإدارته الشاعر والمترجم أحمد شافعي للإجابة عن الكثير من الأسئلة يتصدرها تساؤلاً رئيسياً وهو “ما الذي قرأته إيمان مرسال فكتبت ما كتبت؟”

وها هو أبرز ما جاء في المناقشة أضعه هنا كما هو في شكل سؤال وجواب، دون أن أسمح لنفسي بالتدخل، وهكذا فإن كنت لم تحضر اللقاء سوف يتسرب إليك الشعور نفسه كما لو كنت حضرت فعلاً، وإن كنت قد حضرت فسوف تستعيد ثانيةً ما عشته من قبل.

– ماذا عن القراءات؟

– قرأت في البداية لصلاح عبد الصبور وأمل دنقل ومحمود درويش، وقدكان هناك ما يمكن أن نطلق عليه مجتمع من الأفراد والنصوص، حيث كنا كمجموعة أصدقاء من الكتّاب نتحدث عما قمنا بقراءته،حيث كان هناك هذا الجوع للمعرفة ومحاولة الإجابة عن الأسئلة، حتي أنني يمكن أن أقول أني أحب قراءة الأدب الرديء لأنه يوضح لنا دون قصد كل تلك الأفكار الفجة التي نكرهها فيمكننا أن ندرك أسباب كراهيتنا لها.

– هل هناك قراءات فلسفية؟

– يعتبر النقد الأدبي مثل الكتابات الفلسفية مهمته فتح الأفق وتطوير وعي الكاتب حول الكتابة.

أذكر مقالاً لميشيل ريفاتير قال فيه إنه ليس مطلوباً الاصطدام بالمجتمع، لكن الحفر عميقاً في الجزء الخاص بك حتي تعثر علي صوتك الخاص.

– هل كان ينطوي شعر جيل التسعينيات علي أسباب لإثارة الضيق من حيث الخوف على اللغة والشعر؟

– النقد لم يكن موجهاً للشعر نفسه ،ولو كان الأمر كذلك ربما كان بإمكانه أن يخلق تأثيراً إيجابياً على الكتابة، لكن النقد كان ينطوي علي اتهامات أخلاقية وتهديد شخصي.

-هل كان للسفر والاحتكاك بثقافة أخري تأثير علي كتابتك؟

توقفت عن الكتابة لعدة سنوات بعد بداية الإغتراب،حتي لا تؤثر هذه النقلة علي كتابتي.

-هل يستطيع طموحك الجمالي لكتابة قصائد جميلة أن يقهر إحساس الغربة؟

– وجودي خارج بلدي لا يشعرني بالغربة لأن لي عالمي الخاص،حتي إن القصائد التي كتبتها عن قريتي لم يكن ممكناً أن أكتبها إن بقيت هنا، لأن رؤيتي للصورة من بعيد هي ما جعلتني أستطيع الكتابة عنها.

وفي إطار إجاباتها عن أسئلة الحضور قالت رداً علي سؤال حول وجهة نظرها في ترجمة الشعر إنها لا تتفق مع فكرة أن الشعر يفقد الكثير من قيمته حين تتم ترجمته؛ فهذا يحدث في حالة واحدة أن يكون فقيراً في مضمونه.

وحين سئلت عن علاقتها بالموسيقي وما هي أنواع الموسيقي التي تؤثر علي كتابتها ،وإن كانت تستمع للموسيقي أثناء لحظات الكتابة قالت إنها تحب الاستماع للأغاني الشعبية القديمة، كما تعشق موسيقي الجاز وتعتبر أن الاستماع لموسيقي الجاز بمثابة عملية استشفائية، فكما يمارس البعض اليوجا حتي يحصلوا علي الصفاء الذهني والشفاء تستمع هي بانتظام لموسيقي الجاز، لكنها لا تستمع إلى الموسيقي أثناء الكتابة بل تفضل هذا الصمت الذي يتسم بالكثافة.

ختاماً يمكن القول أن اللقاء أتى عفوياً، كما تميز بروح دعابة قوية تمكنت من انتزاع كثير من الضحكات من الحضور،لكن قبل كل شيء فإن سحر هذه المناقشة يكمن في متعة الاستماع إلي أفكار صادرة عن عقلٍ مبدعٍ تدرّب طويلاً علي النجاح.

__________________________________________________-

*نشر في أخبار الأدب.

*بعدسة كرم يوسف

مقالات من نفس القسم