كيرياليسون

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

علاء الديب

"هانى عبد المريد" كاتب قاهرى من مواليد 1973 ، كيرياليسون هو عمله الرابع وقد حصل قبل ذك عن جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة عن مجموعتة القصصية " إغماءة داخل تابوت " 2002 ، كما حصلت روايته هذه عن نفس الجائزة 2007.أذكر هذا لأننى أعتقد أن هذه الجائزة هى جائزة مهمة يجب أن تسلط عليها أضواء أكثر وأن تحظى برعاية جادة واهتمام أكبر ، فهى وسيلة لاكتشاف وتقديم المواهب والاتجاهات الجديدة فى الكتابة وفى التفكير عند أجيال جديدة مليئة بالاحتمالات .

 كيرياليسون رواية قصيرة “119 صفحة” جريئة وسريعة وصادمة يحاول الكاتب فيها أن يدخل إلى كل المناطق الحادة والحارقة : الجنس ، والدين ، والعشوائيات ومشاكل التجنيد ، وحرب العراق ، ومظهرية التدين والبطالة ، ووحدة الانسان فى هذا العالم!

لم يترك الكاتب مشكلة إلا وحاول تضمينها فى عمله القصير السريع المتهور ، كذلك جرب فى روايته كل طرق القص : من السرد المباشر ، إلى المنولوج ، إلى التذكر العشوائى ، بل والرسوم التوضيحية ‘ والرسوم الشارحة ، ومع ذلك فقد استطاع فى النهاية أن يقدم عملا لافتا يكشف فداحة الأزمة التى تعيشها قطاعات عريضة من المجتمع القاهرى العشوائى الذى أنفجر وتحول إلى عشوائيات فى المسكن والقيم والسلوك وفى الرؤيا والتناول الفنى كذلك!

بطل الرواية “ناجح تيسير عبد الواحد” خرج ولم يعد وقد طبع والده الشيخ تيسير إعلانا صغيرا يعلن فيه إنه خرج ولم يعد وأن عنوانهه مسجد التوبة – حى الزرايب – منشأة ناصر ، ومن يجده يتصل بتيفون ، وله الأجر والثواب عند الله “هكذا سيتم الشيخ تيسير محوك ، والسخرية من كيانك ، ولتأكيد ذلك قد يضيف ، “ويعانى من حالة نفسية” أو “متخلف عقليا” ، كتب الشيخ الوالد الصيغة بنفسة ،ولم يبغل على طباعتها ونشر أولياءة بها لتوزيعها على حوائط وأعمدة إنارة القاهرة، قد يكون رفض كل ما سبق ، لتاكده أن غيابك ليس بالغياب الطبيعى ، فأمثالك قد تخسق بهم الأرض فجأة ، أو تأتيهم صاعقة من السماء ، لذا فلا أمل من البحث ، ولاطائل من دموع أمك، التى تسمع من أحدى الجارات عن شيوع عصابات تطحن جماجم الناس لتضيفها لمسحوق الهيروين فتزداد حالتها سوء ، وإصرار على مقاطعة الزاد ، حتى تصبح كهيكل عظمى حزين “

اخترت أن أنقل لك مدخ الرواية، أما الدخول إليها بعد ذلك فهو على مسئوليتك الخاصة ، فأغلب الأحداث تدور فى تذكر عشوائى للبطل المحبوس فى مكان غامض يتذكر حياته البشعة فى حى “الزرايب” فى منشية ناصر حيث تجمع زبالة القاهرة وتربى الخنازير وتمارس كل أنواع الرزيلة والقبح وكأن الدنيا قد خلت من الهواء وغابت عنها الشمس والقمر واختفى الأفق والانسان ، تخوض فى صفحات الرواية مشدودا إلى تلك “الذاكرة العشوائية” التى تصدمك فى كل سطر وفى كل جملة مشدودا إلى مقدرة جديدة على تعذيب النفس ، واسأل نفسى هل هذا الذى أقرأه أشد بشاعة من الواقع الذى أعرف أنه موجود وأقرأه فى صفحات الحوادث أم أن هذه كتابة فنية جديدة لها رسالة وقصد فنى أو اجتماعى محدد ؟

الكتابة الجديدة فى أعتقادى هى العمل على بناء شكل جديد أو مختلف ، شكل قادر على أمتلاك الموضوع أو المضمون أو الرسالة الجديدة التى يحاول الكاتب التعبير عنها أو ايصالها ، يقول هانى عبد المريد فى روايته ” نحن الذين نعاقب أنفسنا “، بل نحن ننضم إلى الذين يعذبوننا ، فإن موجة الكتابة والأفلام ومسلسلات العشوائيات ، وأولاد الشوارع وجرائم الاغتصاب والمخدرات التى تقدم لنا اليوم كطعام يومى ، ليست بالقطع معالجة لمشاكل اجتماعية ولكنها فى أغلبها نوع من السادية التى تستتر خلف أنواع غير ناضجة من التناول الفنى والتباهى بالقدرة على ممارسة القبح ومعايشة وإخراج الصوت العالى الصادم !

ليس هذا رفضا للرواية التى حاولت أ، أهيد قراءتها أكثر من مرة محاولا التوقف عند مناطق فيها تحمل أكثر من الصراخ والبشاعة والألم ، أعلم أن فى الواقع وفى حى “الزرايب” وفى “الدويقة” و”منشية ناصر” وآلاف الأحياء الشعبية المتنوعة والممتدة عبر الوادى الخصيب ما هو أبشع وأفظع مما كتبه الكاتب فى عمله ، ولكن المهمة الأساسية المهجورة فى الكتابة الجديدة هى إعادة البناء هى التشكيل الفنى حتى من هذا “الطين” .

فى نهاية الرواية إشارات لدير “سمعان الخراز” القائم وسط هذه المنطقة ، وأطياف الصوفية الذين عاشوا فى حضن المقطم ،والجبل الذى أنتقل بقوة الإيمان من قلب المدينة إلى أطرافها ، ولكنها مجرد أطياف ،كما تنتهى الرواية بالبطل يقدم نفسة وعذابه للناس كما أفتدى المسيح شعبه:

“أنا مثلكم ملئ بالخطايا ،لكننى هنا بالداخل ،فداء لكم حزينا لتفرحوا”!.

أمام الكاتب الموهوب “هانى عبد المريد” طريق مفتوح لكى يقدم لنا روايات جديدة تقف على قدميها غير معتمدة أو مستندة على بشاعة الواقع فقط .

 

عودة إلى الملف

 

 

مقالات من نفس القسم