قصص الفخراني تلعب بالعالم

قصص الفخراني تلعب بالعالم
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد علي عكة

يقول تشارلز ديكنز "حتى أضخم الأبواب مفاتيحها صغيرة" أظن أن هذه المقولة تصلح أن تكون مدخل جيد لمجموعة " قصص تلعب مع العالم " للروائي محمد الفخراني، فنجد أن الكاتب اختصر هذا العالم المعقد في لعب يلعبه هو بقصصه ليفتح لنا أبواب عالم جديد وفريد من نوعه هو عالم صنعه الفخراني.

العالم الذي صنعه الفخراني عالم غرائبي خيالي لكنه يجعلك وأنت تقرأ قصصه توافق على أن تلعب معه اللعبة التي رسمها هو ووضع شروطها لكنك ستشعر أنها لعبتك الخاصة وعالمك الذي تتمناه، فتخرج من عالمنا الضيق بمنطقه وعقلانيته لعالم آخر لايفرض عليك شروطه، عالم أكثر رحابة واتساعه بتساع روحك التي تملئ العالم الذي نسجه الفخراني وأخذ بيدك لتعيش هذا العالم.

لفت انتباهي في نصوص المجموعة اللغة الشاعرية التي يكتب بها الفخراني، لتجعلك دائما في حالة الأسطورية التي تسيطر على كل النصوص مع استخدام أسلوب سهل وبسيط لكنه يتميز بالعمق، فالأسلوب الذي كتب به الكاتب مجموعته هو أسلوب السهل الممتنع، كما تجده يهتم بالتفاصيل والمنمنمات التي إذا ماتجمعت تعطيك المفتاح الذي تدخل به إلى الخيالي الذي نسجه الفخراني بابداع وحرفية منقطعة النظير.

اعتمد الكاتب في نصوصه على اللعب فلا تجد نصا يخلو من اللعب ستجده في العناوين، وبين شخصيات قصص المجموعة، وكل هذا داخل لعبة كبيرة هي لعبة الكرة التي لعب بداخلها شخصيات القصة الأولى وهم الصدق والكذب، النور والظلام، والحب .. لتجد أن هذه الكرة هي العالم الذي يلعب معه شخصيات النصوص بشروط مسبقة وضعها الفخراني.

كما ستجد في أغلب قصص المجموعة الموسيقا لاعباأساسيا في هذا العالم الخيالي،ويتجلى هذا في قصة ” عيناها أجمل مكان للحزن “، حين يطلب الحزن من البنت أن يسكن عينيها لمدة محددة، فتقبل هي ثم يعزف لها الحزن مقطوعات موسيقية من تأليفه فتتعود عليه ويقترب من قلبها بفعل الموسيقى فتنسى ماتفقا عليه، وتتمنى أن يظل داخل عينيها ولايخرج منهما أبدا.

أما في قصة ” الساحر ” فقد وضع الكاتب تساؤلا قد لايتوقف أمامه الكثير منا، وهو إذا كان بإمكان الساحر أن يحقق للناس مايتمنوه ويصنع لهم المعجزات، فلماذا لايصنع لنفسه السعادة أو يحقق مايتمناه ويوفر لنفسه مايحتاجه من مستلزمات الحياة من مآكل ومشر وملبس ؟! .. مدخل القصة كان رائعا بطرح هذا التساؤل إذا كان السحرة يجلبون كل هذا الذهب بفرقعة إصبعين فى الهواء،طوك، هكذا، فلماذا يقدمون عروضهم للناس ليحصلوا على خبزهم يومًا بيوم، هكذا؟!”

الفخراني يرسم في قصة ” المرأة السيرك والرجل الموسيقا ” صورة جديدة لعالمه الخيالي، حيث انه  لايجعلهما يتقابلان فإذا مر هو بمكان مرت هي بمكان آخروبالعكس دون أن يلتقيا إلا في يوم واحد فقط من العام،أظن أن مايقصده الكاتب بالمرأة السيرك والرجل الموسيقا، النهار والليل فسيرك المرأة هو النهار الملئ بالحركة والسعي في كل اتجاه، أما الرجل الموسيقا فهو الليل الذي يكون فيه الهدوء والسكينة والذي يناسبه جدا الموسيقا، واستكمالا للعالم الخيالي الذي صنعه الكاتب جعل النهار والليل يلتقيان في مكان واحد يوم كل عام.

في قصة ” فهل يعرف جدها أنها اليوم ستجعل منه بحارا ؟ ” يقدم الكاتب رؤية للعالم من خلال ماتراه البنت التي تحكي لجدها لتعرف في النهاية أنها لاترى، ليخبرنا أن المهم ليس مانراه ولكن كيف نراه؟!، فإذا كان مابداخلك جيد سترى العالم جميل أما إذا كان هذا مابداخلك غير هذا فسترى العالم اسوأ مما هو عليه في الواقع بمراحل.

ماشعرت به وأنا اقرأ مجموعة ” قصص تلعب مع العالم ” كأني مازلت طفلا في حجر جدتي تحكي لي قصصها، فأعيش داخلها وأكون أنا بطلها وتستمر معي إلى أخر يوم في حياتي، هذا بالضبط مافعله محمد الفخراني بي ، حيث أخذ بيدي إلى عالمه المتخيل لأجدني أنا بطل القصص، وأجدني أيضا اتمنى أن أعيش في هذا العالم.

ـــــــــــــــــــــــ

*شاعر مصري

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم