خروج نجلاء علام إلى نهار الثورة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 78
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد عبد الحافظ ناصف

نجلاء علام روائية و قاصة و كاتبة أطفال متميزة , من الصف الأول بين أبناء جيلها , صدر لها عدد من الإبداعات القصصية و الروائية المهمة التي حققت عددا من الجوائز المصرية و العربية مثل مجموعة أفيال صغيرة لم تمت بعد التي فازت بجائزة محمود تيمور و كانت من الجوائز المصرية المفتوحة على مستوى العالم العربي ، و قصة لمسة الفائزة بجائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام 2013 و صدر لها رواية نصف عين عن الهيئة العامة للكتاب و مجموعة روح تحوم آتية  و أمير الحواديت عن سلسلة قطر الندى التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة و عيون جميلة المرشحة لجائزة الشيخ زايد للأطفال وهى عن دار الكتاب العربى  , بالإضافة  إلى بحث مهم عن تطور مجلات الأطفال في مصر و العالم العربى في جزءين .

هل العنوان مأزق للرواية ؟

تأخذ رواية  “الخروج إلى النهار”  القارئ مباشرة إلى الفراعنة و الخروج إلى الحياة الأخرى حيث الخلود و كأن الكاتبة تبحث في أول كلمة لها عن الحياة الباقية و تشتاق إليها و لم لا ؟  و قد خرجت منها من قبل مطرودة مع آدم من الجنة لتشقى في الحياة الدنيا التي سوف تجد فيها كل الظلم و القهر و الطغيان بداية من قابيل الذى قتل من كان قلبها يهفو إليه  و كأن نجلاء علام الإنسانة تبحث عن الحياة الجديدة التي ظلت تبحث عنها مع آدم في صور مختلفة للأنثى المقهورة التي وسوس لها الشيطان فاقترحت على آدم الذي أخذ القرار بالأكل من الشجرة  و يضع العنوان الكاتبة في البداية في مأزق كبير و الغريب أنها تصدر الرواية بالسطر رقم 28 من كتاب الموتى ” بسلام إلى حقول الجنة من أجل أن يعرف ”  , فالعنوان يحمل اسم كتاب الموتى , و هو واحد من أهم الكتب عن الفراعنة و لكنها في النهاية تجعلك تؤمن بعنوانها  و تقر أنه مناسب جدا للرواية رغم أنك قد تشفق على العمل الذى تحبه و تريد له اسما مختلفا يعيش به وسط الأعمال المهمة و سوف تقتنع به بعد قراءة الرواية بتأن و هدوء و بعد تعايش مع  التفاصيل الدقيقة لسطور و فصول  الرواية و من خلال فصولها و التى تقدر بأربعة و ثلاثين فصلا .

تقنية القصة القصيرة :

كتبت نجلاء علام  رواية ” الخروج إلى النهار ” بتقنية كتابة القصة القصيرة  السريعة اللاهثة  المكثفة التى تقول الكثير و تترك للقارئ مسافات و مساحات للفهم الخاص به دون أن تسيطر عليه كليا  و تجعله أسير كل كلمة و فى انتظار الجملة التالية كى يكمل  ما ينقصه ,  بدأت مباشرة بلحظة الانفجار فى الحدث فى الفصل الأول الذى يتكون من تسعة أسطر فقط دون أن تكترث أو تفكر أنها تكتب رواية و يجب عليها أن تسرد كما تشاء كل شىء , لم تلتفت لذلك و كانت أكثر جرأة و كتبت أقصر فصل فى تاريخ الرواية على الإطلاق  , كتبت فصلا مكونا من كلمتين فقط و  هما .. ” و جاء الإنسان …. ”  و نقلت الكلمتان الحدث مثلما يفعل كاتب السيناريو و يود أن يقتصد و لأن أهم خاصية للسيناريو الاقتصاد , فلاشيء زائد لأن الأمر ليس متعلقا فقط بالدراما و لكنه متعلق أيضا بالاقتصاد , متعلق بالمال , بالمنتج الذى لن يدفع شيئا فى شيء زائد و لن يخدم العمل , فالقصة القصيرة لا تعرف الاستطراد و الوصف الزائد الذى من الممكن أن يتخيله القارئ  المجد المتابع و العائش مع القصة التى سوف تنفلت منه لو سرح لحظة  , لذا لم يكن هناك أى خيار لدى الكتابة من هذا الاقتصاد فى الكتابة . لذا اعتمدت الروائية نجلاء علام على القاصة نجلاء علام و هى تكتب هذه الرواية التى لن يجد فبها القارئ أى استطراد أو وصف زائد يعوق استمرار الحدث و تدفقه .

بين الواقع و التجريب :

رغم إيحاءات التجريب التى تشى بها  رواية ” الخروج إلى النهار”   فى البداية إلا أنها  تبدأ برؤية تقترب من الواقع  , الخاص بشأن  تكوين الكرة الأرضية التي تشير رغما عن ذلك إلى رؤية فلسفية و تساؤل عن أسباب انفصالها و عدم قدرتها على الاتحاد مرة أخرى , و رغم أنها عادت مرة أخرى تبحث عن وحدتها  من خلال إشارة البحث عن الجاذبية الأرضية التي تشد الإنسان إليها مرة أخرى ص 9 ” .. و الآن بعد الانفصال نشأت جاذبية جعلت كلا منهم يدور في فلكه دون أن يلتصق بأخيه أو يفلت إلى أعماق سحيقة ” و تبدأ رواية الإنسان الضعيف في وسط تلك الأنواء الشديدة التى رمت به وحيدا على قمة جبل لم يره من قبل , الإنسان الذي تحمل الأمانة بعد إن رفضها الجميع خائفا من حملها معتقدا جهلا أنه قادر عليها فظلم نفسه ظلما كبير ” فكان ظلوما جهولا ” و ما بين الحلم بذلك  و الرغبة في الحياة الكريمة , يأتي إهداء نجلاء علام إلى الشهيد المبسم في ثورة 25 يناير لتشير إشارة واضحة أن الحياة فى مصر و لمصر الكيان قد تكون بدأت من 25 يناير , من عند ثورة الشباب الذين لم يأخذوا شيئا حتى الآن فى مصر أو حتى في العالم العربى , لذا أعتقد أن الثورة ستظل مستمرة في البلدان العربية إلى إن يحقق الشباب ما يريدون و على الكبار و تيارات الإسلام السياسى أن يفهموا و يعوا ذلك حفاظا على تلك الأمة العربية و تحقيقا للصالح العام لو كانوا يفقهون . 

و تحاول نجلاء تشكيل ملامح الأنثى المحبة لزوجها و المطيعة له بعد أخذته و نزلت إلى الأرض ليواجها معا الشيطان الذى أخرجهما من الجنة و  فضلت أن تكون نفسها و ليست حواء الأم , فضلت أن تكون إيزيس أو أفروديت أو بليقيس و بعد أن فكر لحظات أختار لها اسم ” ديما ”  و أطلقت عليه ” جبل ”  و الغريب أنهما استأنسا الاسمين و اتفقا على تغيرهما كلما احتاجا لذلك .

و رغم أن الرواية بدأت بلحظة أشبه بالتجريب من بداية لحظة الخلق و النزول على الأرض و حكاية قابيل و هابيل و القربان و فوز قابيل بحواء بعد أن قتل أخاه ظلما و عدوانا إلا أنها ختمت الرواية بشكل واقعى جدا  عند ثورة 25 يناير لما وضعت مصر التوأم آدم و حواء   , و لم أكن أتوقع أن الإهداء الأول للشهيد المبتسم سوف يأخذنا إلى ميدان التحرير فى النهاية و كأن الكاتبة أرادت أن تقول لنا أن ميدان التحرير هو بداية الخلق و عنده سيكون المنتهى والختام .   ومع أنها  – الأنثى – كان تحب هابيل إلا أنها رضخت لقابيل و ظلت تعتب عليه فى نفسها أن ربط المتعة دائما بالألم  و لم تكن ترضخ له و تستكين إلا عندما ترى عيون هابيل فى كل الأشياء التى حولها  من الأشجار و الأنهار و الغزلان  و فى كل شىء نابض حولى و تهذى قائلة :

لم رهنت متعتى بالألم ؟

كونية الرواية :

 أرى أن رواية ” الخروج إلى النهار ” تنقسم إلى ثلاث أقسام  و تتشابه مع فكرة وجود الإنسان على الأرض و هى الوجود الأول لآدم و حواء و فناء البشرية ثم الوجود الثانى  للكون كله بعد وصول سفينة نوح التى رست بعد الطوفان على جبل الجودى فى تركيا و قد أشارت الرواية لذلك  ص 100   ” و رست فوق الجبل , فوقف ليرى الأرض من جديد بعد انحسار الماء , من فوق الجودى  يلمح انهارا تجرى , و أشجارا تعلو , و بحارا تهدر , و أرضا استوت لساكنيها , يهتف :

هذا هواء مخلوق الآن , لم يتنفسه أحد من قبل , يا بنى اثبتوا أنكم تستحقون هذه الفرصة .

ثم نزلوا من السفينة يسعون فى كل اتجاه . “

  ثم بدأ الوجود الثالث للإنسان  و خاصة المصري و العربى , هذا الوجود الذى بدأ يدب فى تصور الكاتبة مع سقوط النظام السابق و تنحى  مبارك  .. تقول الكاتبة : ” كنت قد وصلت ميدان التحرير  و قررت الجلوس للاستمتاع بشمس حنونة بدأت تظهر , و رأيتهم يأتون من كل اتجاه , لم أساوم نفسى فى البقاء معهم , فخروجى من الميدان كان معناه ألا أنظر فى المرآة بعد اليوم ”  و قد قدمت  نجلاء علام نموذجا للثورة التونسية لضرورة ترى وجودها فى الرواية و إن كانت قريبة من أدب الرحلات الذى يتماس مع السيرة الذاتية لرحلة الكاتبة نفسها إلى تونس و جاءت تلك الرحلة مناسبة للرواية و للفكرة المطروحة و الخاصة بالثورة المصرية بصفة خاصة و ثورات الربيع العربى بصفة عامة  , فلم تكن أية رحلة أخرى للكاتبة تتناسب مع ذلك أبدا و أحسنت الروائية أن جمعت أبطالا فى رحلتها من أبناء الربيع العربى , من ليبيا و اليمن  و سوريا و أشارت إلى مظاهرات البحرين و السعودية و المغرب و الأردن .. تقول البطلة ص 87 : ” يحكى لى سي حميد بصوته الرخيم و عربيته الفصيحة عن ثورة الياسمين و التفافهم حول كلمة واحدة , يقول :

لولا وحدتنا لضعنا , قضينا الليالى و الأيام فى شارع بورقيبة نقاوم الشرطة , و بن على يرتجف فى قصره , لم يكن بو عزيزى مفجر الثورة وحده , بل سبعة عشر عاما من الخوف و الترقب .

حواء تنبت فى ميدان التحرير :

   ثم أشارت البطلة / الراوي الأنثى إلى حلمها كوردة نبتت فى ميدان التحرير و مشاعرها المختلفة و الرائعة طوال مدة 18 يوما , مشاعرها الرائعة التى أكدت لها أنها أنثى خالصة , وجدت نفسها أخيرا كتفا بكتف و قدما بقدم بجوار الرجل , و جدت نفسها ربما لأول مرة فخورة بكونها أنثى وقفت موقفا شجاعا و نبيلا  حتى تحقق الهدف الأول من الثورة و هو رحيل رأس النظام , وجدت المشاعر مختلفة من كل أبناء المجتمع المصري و العربي تجاهها , شاهدت ولادة مصر الجديدة بعد أن رأتها تنازع فى لحظتها الأخيرة , أحست أنها ولدت من جديد منذ أن كان كل شىء كما تقول يبعدها عن كونها إنسانة , كانت تعيش حالة البين بين , لأن المجتمع كان يريد لها أن تتحدث كرجل  و تمشى كرجل و تتحمل الأعباء كرجل  و تخفى كل ما يشير أنها أنثى  و حين حدثت الثورة حدث الانقلاب فى حياتها فتقول : ” انتابنى شعور بالرجفة , كأن دماء جديدة طاهرة تدخل قلبى , و تروى أعضاء جسدي  .”   

النهاية المتشائمة الخائفة :

و رغم الأمل الكبير الذى أشارت إليه الروائية نجلاء علام فى فصل الختام حين جاء المخاض لمصر و أنجبت طفلين جميلين , أكدت أنهما آدم و حواء , و أكدت إنهما البشرية للمرة الثالثة و الحياة الجديدة , إلا أن طائرا أسطوريا بدأ يحلق فى سماء مصر , هذا الطائر يود أن يسيطر على كل الأشياء و يصادر مصر لنفسه دون مشاركة الآخرين .. تقول : ” لففنا آدم و حواء بقماش أبيض يكسوه العلم, صعدنا تحت إلحاح الجموع إلى أعلى منصة فى الميدان , قالوا إنهما التجسيد الحى للانتصار , و يجب أن تراهما الأرض كلها و عندما رفعناهما وسط هدير البشر, و انطلقت الاحتفالات , كان هناك غرابا أسطوريا يحلق فى السماء.”

و المدهش أن نبوءة الكاتبة تتحقق الآن على أرض الواقع  و يحلق طائر الخلاف و التشرذم فى سماء دول الربيع العربى جميعا و منها مصر  و بدأت حالة أنا و من بعدى الطوفان  و أنا  و حزبى و جماعتى و تيارى و لا أحد يجب أن يكون موجودا , و بدأ غراب المواجهات و الاعتقالات و الاغتيالات و السحل و التعرية  و العنف , لا أحد يود أن يتنازل عن مفاهيمه التى سوف تأخذ العالم العربى و مصر إلى دائرة بشعة من العنف , لا حل إلا بالمشاركة بين جميع أطياف التيارات السياسية فى مصر , هذه المشاركة هى السبيل الوحيد لقتل طائر الفرقة و العنف الذى حلق فى ختام رواية  الخروج إلى النهار للكاتبة نجلاء علام ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مجلة المجلة : العدد 14 ، مايو 2013 .  

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم