فراغات

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

شعر.. جمال القصاص

▪ ما مِن شيءٍ يحيا

ما مِن شيءٍ يموت

في الخامس ِمن ديسمبر

سيجلسُ في نفس المقهى

يتذكرُ المرأة َ التي استعارها

لبعض ِالوقتِ من طبيبِ الأسنان ِ

كان لها ألفُ رحم ٍ وحَلمَة ٌوحيدة ٌ

أكسبتها مهارة َ الحشو.

 

▪ على مقربةٍ من نفس ِالمقعدِ

في الخامس من ديسمبر

سيحتسي كأسين ِ

في نخبِ امرأةِ المقادير الصغيرةِ

سيتذكرُ صرختهَا   وهي تتململُ فوق حافة الكوبِ

وتدْمُعُ: ” أنتَ لا تحبِّني / ستتزوجني مِنّة ً ” ..

لم يكنْ في كفِّها غرقى أو صيادونَ

أو نِتفٌ من لحيةِ الإسكندرِ

كانت نصفَ امرأةٍ

نصفَ فتاةٍ

تقيسُ أنوثتهَا بقرني ثورٍ

برنـَّةٍ صَدئتْ في جِرابِ الوقت.

 

 

▪ في الخامس من ديسمبر

سيخرجُ إلى نفس الشارع

سيغمضُ عينيهِ قليلا ً

ويصرخُ : .. يا الله

كم أحببتُ هذا الوجه َ

شيء ٌ مخجلٌ

ألا أتذكـَّرَ صفة ً واحدة ً لهُ.

 

 

كلُّ حضورٍ يتلاشى

كلُّ صمتٍ يبقى .

في الخامس من ديسمبر

في الواحدة تماما ً

سيجلسُ على حافةِ الشُّرفةِ

سيلعنُ التاريخ َوالندى وقادة َالثورات

هيكلهُ العظميُّ يتقوس مثلَ حَرْبَةِ في يدِ كاهن ٍعجوز

صوتهُ يتبخَّرُ مثل َكبريتٍ فاجأهُ الثلجُ

: لا أريدُ أن أموتَ

ثمة ثقبٌ يعوي

ثمة صبحٌ لم يغتسلْ بمائي

ثمة أرضٌ لم يحرقها هذياني

ثمة شفة ٌ لم تجْرحني ابتسامتها

أيتها الشمسُ انصبي في الإبريق ِ

أو انطفئي

كوني رمادَ هذا الجنون.

 

 

▪ في الخامس من ديسمبر

في لحظةٍ ما بين السُّكر والنشوةِ

سيعدُّ على أصابعهِ :

         خصامُ الوردةِ

         شمسُ الرُّخام ِ

         ما مِن غيمةٍ تشعلُ البئرَ

         السَّحابة ُ التي في المرآةِ

         الإسكندرية ُ..

         من أعلى بمحاذاةِ الموسيقي

         الشُّرفات

         كولمبسُ على الحافةِ

 

* كلُّ هذه الجرائم ُ ارتكبتها وأنا طفل !

 

 

▪ في الخامس من ديسمبر

في اليوم الأسوأِ / في الأسبوع الأسوأِ

في الشهر الأسوأِ/ في السَّنةِ الأسوأِ

ولِدَ شاعرٌ

لا أعرفُ كيف انتحلَ اسمي

تاريخي وصوتي وفصيلة َ دمي.

لم يُتقِنْ عملا ًخارقا ً

على طريقتهِ الخاصةِ

كان يكتشفُ المشهدَ

نقطة ُضَعْفِهِ

في الرغبةِ

في الحنين ِ

في أنْ تحتمي الأشياءُ بلحظةِ عريِّها.

 

 

لماذا أفسدني إلى هذا الحد

لماذا علـَّمني محبَّة َالألم !؟

سأصنعُ لهُ تمثالا ًمن المرمرِ

أطرِّزُ جبهتَهُ بسنبلتين ِمن القمح ِ والتين ِ

وبين الفخذين ِ

أضعُ نحتا ًلأفعى منزوعةِ الأنيابِ

وفي منتصفِ القاعدةِ اكتبُ :

عاشَ وماتَ كوغد صغير.

 

 

لا..

سأمنحُهُ فرصة ًأخرى

ربما يستطيعُ الرَّاحة َ

ربما تنشقُّ الأرضُ وتبلعُهُ

أو تدعي السَّماءُ بنوتـَهُ

أو تحتسيهِ غيمة ٌُ شاردة ٌ

ربما.. يخرجُ

وكعادتهِ يتركُ الباب مفتوحا ً

كأنهُ حجرُ

كأنه شعلة ُموتٍ

سقطتْ فوق سياج الزمن ِ

كأنهُ.. أنا !

 

 

هل سيأتي الخامسُ من ديسمبر

هل سأفرحُ بدمي

اشتريتُ حذاءً جديداً

ذهبتُ إلى المتحفِ

خاصمتُ زوجتي

كتبتُ مقالا ًعن اختناق ِالهواءِ

بحاسةٍ عمياءَ

سأفكرُ في أحوال ِالطقس ِ

ليس للأشياءِ معنى

ما لم أحلمُ  بها

ربما بعد خمسين عاما ً

أغيِّرُ رأيي في الطبيعةِ البشريَّةِ

أكتشفُ أسباباً مقنعة ً

لثوبٍ ضاقَ جسدي عليه!

 

 

هل سيأتي الخامسُ من ديسمبرَ

هل سأفرحُ بدمي..

سأفتحُ البابَ على مصراعيهِ

سأنسى أنَّ لي ذاكرة ًمطويَّة في هذا الرُّكنِ

أنَّ لي قمراً سيعبثُ في أوكرةِ الشُّباكِ

لماذا أخفى عنيَ كلَّ هذا البياض ِ

مَن سيناديهِ باسمي   ؟!

 

 

في أعلى الصَّفحةِ

كان وجهُهُ مجهداً

أنفهُ يتدلى كفاصلةٍ ضلـَّتْ ظلها

كأنّه صعدَ للتو الهرمَ الأكبرَ

قطعَ المسافة َبين غيمتين ِمراهقتين ِ

كان مصاباً بلعنةِ الكتابةِ

حين يَصْعُبُ التنفسَ

يستنشقُ بخارَ الكلماتِ

: ما الحلمُ

 ما الإنسانُ    ؟!

 

 

 

وهنَ الخيط ُ الفاصلُ بينهما

بَرُدَتْ الحياة ُ في أطرافِ أصابعهِ

انسحبَ إلى الأعلى

هَوَى في مرآةِ نفسهِ

تاركاً فراغَ المشهدِ

للقطاءِ

للحكماءِ

لباعةِ التاريخ ِ ..

قال المعلـِّقُ : لم يجرحهُ الخوفُ

خانتهُ القصيدة ُ

من بعيدٍ ..

جسدهُ المتناثرُ على شكلِ ِ سؤال ٍ

كان يعبرُ الشوارع َوالأزقة َوالمقاهي

كان يفتـِّشُ عن نسمةٍ صغيرةٍ

لم تستطعْ التجوُّلَ في رئتيه !

 

 

مقالات من نفس القسم