مهاب محمود
التقيت بفراشة، لأول مرة، في صلاة جمعة.
جاءت الفراشة أثناء الصلاة، وحطت بجناحيها بجانب أصابع قدمي على سجادة الصلاة. أفسحت لها. كانت جميلة بحق. بيضاء ملونة بشتى الألوان. والأجمل من لونها، صراحةً، كانت فرحتي حيذاك لإقتراب فراشة جميلة مثلها مني إلى هذا الحد. هل تطاردني فراشة؟ اعتبرتها مغازلة كونية.
ظلت الفراشة قابعة مكانها حتى أنهى الإمام الصلاة. قبضت عليها بيدي، حتى وصلنا البيت، وهناك افرجت عنها.
كانت بي حاجة شديدة لاقتناءها. لكن فراشتي طارت من غرفة إلى أخرى تبحث عن نور الشمس الذي تعرفه جيدًا، حتى التصقت بزجاج نافذة إحدى غرف المنزل، وظلت عليه دون حركة.
فهمت أنها تريد الخروج، إلى النور، لكني كنت صغيرًا إلى الحد الذي لم أفهم معه لماذا لا تريد البقاء معنا. ماذا
لو أن الفراشات تتكلم ملثنا حتى أفهمها وتفهمني، لعلي أساومها، اثنيها عن قرار الرحيل، وأنجح في اقناعها بالبقاء معنا في البيت. سنقدم لك الحليب، وقطع الشوكولاتة. جهاز التحكم في التلفاز سيكون لك طوال اليوم.
لكن هذا لم يحدث طبعًا. لا أتذكر مصير فراشتي الأولى بالضبط. هناك نهايتين لا أستطيع القطع أي منهما حدث فعلًا. يبدو أن واحدة منها يمليها علي ضميري، والأخرى تمليها علي نظرتي الحزينة للحياة.
الأولى مفادها أنني فتحت لها النافذة، وودعتها، دون أي شك في أننا سنلتقي قريبًا، ثم حلقت، هي، بعيدًا.
أما الثانية مفادها أنني أبيت أن اتركها ترحل، فظلت حبيسة تنظر إلى الشمس من خلف الزجاج، حتى سقطت وحيدة أسفل النافذة.
لكن في الحالتين خسرتها، ومع الوقت نضجت، وأدركت، رويدًا، أنه ليس بمقدورنا دائما أن نقتني كل جميل.
لا يمكننا أن نقطف كل ورود العالم، ولا أن نطارد كل الفراشات. لا يمكننا أن نقبض على كل اللحظات الجميلة، وألا نغادرها أبدُا، ولا حتى يُسمح لنا دائما أن نعبر لكل جميل عن مدى جماله أو عن مدى إعجابنا به.
على الواحد أن يعي أنه لاحيلة لنا أمام الجمال، وأنه لايستوي أن نرغب في إقتناء كل جميل نقابله في دنيا الله. يكفينا أن نحافظ على ذاك الجانب الداخلي الهادئ فينا الذي مازال يعرف الجمال، يتذوقه، ويقدره، ولنمضي بعدها في حياتنا ممتنين لكل جميل، ولصانع الجمال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب مصري