هنا سترد إلى أصلك.. إلى ضعفك وفناءك، فترتاح بهذا الإحساس، أنك ضعيف وفان، ستصير جزءًا من حقيقة.. من نور..من وحى .. إلهام.. تكون من ماء وهواء وأجنحة وموسيقى وشىء لن يشعر به سواك ولن تستطيع أبدًا أن تصفه لغيرك، فكأنما هو منحة لك وحدك، تجربة تعيشها وحدك، هنا دمك مراق فى الشوارع مثل نهر كبير تسبح فيه الموسيقى، وتسقطفيه أقمار وشموس وكرات من ثلج ونار، ستجرى فيك كل المخلوقات والمشاعر التى ستكون كلها حريصة على أن تردك لأصلك الفانى فتعيش حرًا خفيفًا محلقًا للأبد.. أبدك الخاص بك، تظل المخلوقات والمشاعر تفعل بك ذلك حتى تعيش أنت الموت والحياة عدة مرات وتراهما عدة مرات، وتعرف أنهما مجرد فكرة بسيطة ضعيفة وفانية مثلك، ستأتيك كل أفكار الكون وتذوب فيك أو تذوب فيها حتى تكون أنت لا شىء وكل شىء، ستعرف أنك وكل الأشياء مجرد فكرة واحدة جميلة تبتهل لمبدعها.
يستهوينى الصخب والجموح، أحب الموالد، الأسواق، الحضور الكونى، أعتبر أن الصخب هو قلب الحياة، هو أصل الأشياء، حتى تلك التى تبدو ساكنة، فإنها صاخبة بطريقتها، وعندما تمل مما يمكن اعتباره هدوءًا فإنها تنفجر بالماء أو النور أو الحركة أو الصراخ أو تموت-إن كان هناك موت-بحثًا عن المزيد من “الصخب”.
تستهوينى الأجساد القادرة على العرق.. وهل هناك جسد غير قادر على العرق؟
إعرق هنا بكل قطرة فى دمك.. للعرق هنا رائحة أخرى وإحساس آخر ولمعان آخر، عش الصخب والجموح، انبض بكل دقات قلبك، عشها كلها هنا.. هنا فى “المولد” حيث اعتدت أن أقضى أيامًا غير محسوبة من عمرى القصير الفانى، أرمى كل شىء ورائى وأسلم روحى وجسدى بتفانى لحقيقة لا أدركها ونور لا ينتهى، أفرغ جسدى وروحى تمامًا لأستقبل هذا العالم، وأعيش فيه أعمارًا مضاعفة أو عمرًا ممتدًا بلا نهاية أو لحظة واحدة أموت بعدها راضيًا.
تجربة “المولد” يمكن أن تكتب بألف طريقة، أى شخص يعيش هذه التجربة، ولا أقصد هنا مجرد أن يحضر المولد، سيصفها بطريقة تختلف عن الآخرين، لأنها التجربة التى لا يمكن الإحاطة بها وتحديدها فى وصف أو شعور ما، كما أنها تختلف من شخص لآخر رغم أن جوهرها فى النهاية واحد، أنا أسميها تجربة “الفناء”، الفناء فى الحب، فى الصعود، فى الحرية، فى المعرفة، فى الوصول، فى النور، والأبدية.
كل من يعيش هذه التجربة ثم يحكيها أو يكتبها سيبقى لديه سر غامض لن يعرفه، وإحساس لن يستطيع أن يصفه، لكن سيبقى فى كل هذه التجارب إحساس واحد مشترك أعرف أنه ما يجلب كل هذا الرضا، كل هذه الراحة والسعادة والخفة ووضوح الرؤية.. هذا الإحساس هو معرفة الإنسان بأصله وإدراكه لجوهره.. وهذا الإحساس/الأصل/ الجوهر هو.. الضعف والفناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*روائي من مصر