عــندمــا وقــعت بــالـــحب

حسام جليلاتي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسام جليلاتي

اقترب جدي يحمل بيده شريط فيديو نوع Vhs ومن خلفه أخوالي يجلسون على الأرض أمام تلفاز قياسه 20 بوصة من طراز سيرونكس ذي الصندوق الخشبي. الجميع ينتظرون لحظة البدء. كنتُ عندئذ في السادسة من عمري، أقبع في إحدى زوايا بيت جدي أراقب الجميع بعيون طفلٍ فضوليٍّ مشاغب. صَمَتَ الجميع، ثم بدأ الفيلم بظهور ثلاثة فرسانٍ يرتدون ثياباً بيضاء ويمتطون خيولاً بجانب بعضهم البعض وسط صحراءٍ مهيبة في صورةٍ سينمائية ساحرة تأخذ عقل المشاهد مع خلفية موسيقية مُختارة بعناية وخاصة جداً. في لقطة عامة شيّقة، تفرقَ الفرسان كلٌّ في اتجاه وهنا بدأ جدي بشرح المشهد للجالسين بسبب تفاوت الأعمار فيما بينهم. تزامنت مداخلة جدي مع ظهور عنوان الفيلم: الرسالة /1976/ لِ مصطفى العقاد. بعد حوالي ثلاث ساعات، انتهى الفيلم تاركاً أثراً عظيماً لدى الجميع. وبدأ خيال ذاك الطفل يبحر. لم أستطع في ذلك الوقت صياغة السؤال التالي: هل الذي شاهدته حقيقةً أم خيال؟! كثيراً ما تخيلت نفسي آنذاك أمتطي فرس أسد الصحراء، حمزة (تجسيد الفنان المصري عبد الله غيث) وأجوب الصحراء، لقد كنت مفتوناً بما شاهدت. توالت الأعوام وأصبحت فتياً أجول الشوارع في مدينة حلب بعين الفتى الشغوف.

كيف تعيش الأفلام؟

أصلُ إلى شارع سينما أوغاريت الذي عُرِفَ باسم السينما التي تقع فيه والتي كانت تزيّن واجهتها ملصقات عديدة لأفلام مصرية شهيرة آنذاك، ولا يخلو الأمر من ملصق يتوسط الواجهة للفنانة الجميلة إغراء. أكمل طريقي نحو الشارع الحلبي الشهير “شارع بارون” الذي يتقاطع مع شارع شكري القوتلي. تتوسطه سينما الكندي، التي كان يزينها أيضاً ملصق الفيلم السوري تراب الغرباء /1997/ للمخرج السوري سمير ذكرى كنتُ أقف طويلاً أمام سينما الكندي أتأمل ملصق الفيلم لبطله الممثل السوري بسام كوسا وأفكر ملياً كيف أستطيع عندما أكبر أن أصنع فيلماً سوريّاً خالداً مثله. يتناول الفيلم السوري تراب الغرباء قصة حياة المفكر عبد الرحمن الكواكبي وهو آخر فيلم في السلسلة السينمائية التي عَمِلَ عليها وقدّمها سمير ذكرى. تبيّنَ لي فيما بعد أنّ بداية المخرج كانت مع فيلم حادثة النصف متر /1981/ المقتبس عن الرواية المصرية لـ صبري موسى، حيث ذهب ذكرى إلى أبعد ما يمكن في الحكاية عبر شخصيته الرئيسية (صبحي) مستعرضاً من خلالها حال الإنسان العربي بعد نكسة حزيران 1967.

اضطلعتُ على كامل التجربة السينمائية للسوري سمير ذكرى. بعد ذلك، تعرفتُ عليه عن قرب وتبادلنا لأربع ساعاتٍ من الزمن حديث سينمائي كنتُ أقلل فيه من المداخلات كي أستمعَ لأفكار هذا السينمائي الشيقة وأتعرفُ أكثر على تجربته السينمائية ومدى تأثيرها على السينما السورية. صحيح أنّ ذكرى قد تجاوز السبعين عاماً من عمره، لكنه مثقفٌ كبير وسينمائي حقيقي ومازال لديه الكثير لكي يقدمه للسينما السورية إذ يقول: ” إنّ السينما هي مفجر الخيال، وتبعدك عن الواقع لتأخذك لعوالم أخرى، وهي الترجمان لأحاسيس لا يمكن للمرء أن يترجمها”.

في ظل البحث الدائم. كيف أصنع فيلمي السينمائي بأقل الإمكانيات؟

أعلم بأن المشوار صعبٌ وشاقّ. لا تكفي الرغبة فقط، وإنما يتطلب الأمر المثابرة والاجتهاد المستمر. سوف تتدرّب في البداية على تقوية البصيرة كصانع أفلام مستقل لمواجهة العقبات التي تواجهك من بداية تحويل فكرتك إلى سيناريو. بعد ذلك تأتي المراحل الأكثر تعقيداً وهي الحصول على الإنتاج مع الأخذ بالحسبان قلة عدد قنوات التمويل، وذلك لعدم القدرة على الوصول إلى الأموال العامة والتي غالبًا ما تتطلّب إجراءات طويلة ومعقدة وسجلاً طويلاً يتناسب مع خطط الممول لذا تختار الطريق الأخرى والأقل جهداً في تعبئة الأوراق الرسمية والحصول على الأختام وهي القطاع الخاص أو التمويل الذاتي. لكن من الضروري أن ترتكز فكرتك وطموحاتك على فهم واضح للسوق لأن صناعة الأفلام مثل أي صناعة، تعمل من خلال الشبكات والمصالح المشتركة والصداقات لذا، فكرة قوية وبسيطة لفيلم ما هي أكثر جاذبية لمنتج يبحث عن أصوات سينمائية جديدة. لكن السؤال: أين هو هذا المنتِج؟ كل صانع أفلام مستقل لديه خططه وإرشاداته الخاصة التي يرسمها لنفسه لكي يصنع فيلمه في ظل صعوبة ايجاد منتج يبحث عن صوتٍ جديد. لكن ماهي تلك الارشادات التي يجب اتباعها لكي أستطيع إنجاز فيلمي الروائي الطويل الأول؟ أولى هذه الارشادات برأيي هي البساطة.

البساطة التامة!

استطعتُ التأقلم على العيش بِلا كهرباء لمدة سنتين على التوالي واعتمدتُ الورقة والقلم عوضاً عن الحاسب. وفي الظلام أصبحتُ ماهراً بعَدّ النجوم وبارعاً جداً في استغلال مساحات السماء ليلاً وانا أنظر إليها متخيلاً الفيلم الكبير Dogville  /2003/ لمبتكر سينما الدوغما “لارس فون ترايير” وأتلذذ بروعته العظيمة وإتقانه لعمله فهو فيلم مختلف تماماً عن السينما التقليدية التي ألفناها وشديد البساطة في صنعته.

نستطيع أن نصنع الأفلام بميزانية محدودة وأن نصل إلى أبعد من ذلك، لكن علينا أن نكون أذكياءً باختيار لغة الفيلم السينمائية وليست لغة الفيلم فحسب.

………………….

[email protected]

 *مخرج سينمائي سوري مستقل

 

 

مقالات من نفس القسم