على زهرة البستان…زمان ، ومشينا خطوات عزيزة فى بداياتنا بالقاهرة بالتسعينيات، وسعينا بمخطوطاتنا الأولى للنشر، وصعدنا درجات دار شرقيات معا لنقابل النبيل (حسنى سليمان) لأرى ناشرا يدفع من جيبه ثمن تصوير مخطوطة ديوان لشاعر لا يعرفه، ولكى يخفف عنه قال له: ” حتى لو مش هانشر الديوان أنا عايز أستمتع بقراءته” وهو موقف أكرر حكايته معجبا بهذا الرجل المثقف النبيل.
وكنت أتابع ما يُنشر لــ”عزمى عبد الوهاب” قبل ذلك من قصائد حتى قبل أن ألتقى به ولفت انتباهى أن منطقة مشتركة بيننا ظاهرة فى شعره بعذوبة وهى موقف من يحتفظ بروح القروى من تناقضات المدينة وأهلها ، والعائش فى المدينة متسائلا بشفافية وهو على باب بار صاخب: ( كيف دخلت إلى هنا ولم تخلع جلباب أبيك).
وحين التقينا على مقهى زهرة البستان وتعارفنا وعرفت مكان عمله فى مدرسة بعد كوبرى غمرة أثناء اشتغاله المؤقت بالتدريس قبل الانتقال رسميا ليعمل بالصحافة، وبسبب رغبتى فى توطيد الصداقه معه ذهبت إليه بلا موعد فى مكان عمله ولكنه كان يومها (غياب) أو مزوغ كعادة الشعراء .
وحين كتبت قراءة بسيطة عن ديوانه (الأسماء لا تليق بالأماكن ) أعطيتها له لينشرها بمعرفته، و فرح بها جدا، ولكنه بعد عدة أيام أعادها لى معتذرا، وطلب منى أن أنشرها بمعرفتى لأنه يتحرج أن يطلب شيئا لنفسه رغم أنه كان ينشر للجميع فى المتاح من الصحافة العربية والمصرية فى دائرة معارفه وعمله، ولكنه التعفف والخجل القروى الجميل الأصيل الذى لم يفلح أن يتخلص منه، ونشرتها حينها فى الأهرام المسائى.
وكعادتى فى الابتعاد عن الأصدقاء حينما يتواجدون فى أماكن النشر أو الصحافة الأدبية درءا لشبهة الاستفادة من الأصدقاء، ابتعدت تدريجيا عن “عزمى” لأؤمن مساحة كافية ترضى عادتى، وكان هو بمحبة يلح على فترات ويطمئن علىّ حتى فى عزلتى التى عشتها لعدة سنوات.
وكنا نلتقى على فترات فى الأتيليه والندوات نتبادل بعض المشاكسات والأخبار والمحبة ونمضى حتى موقف الباص أو المترو ونفترق على وعد باللقاء، ولكن رغم تواجده داخل الوسط وعلاقاته المحترمة بالجميع؛ ظل “عزمى عبد الوهاب” يحتمى ببعض المكر بين الأشرار ليحمى تجربته الشعرية وخصوصيته، وفى الوقت نفسه تجده يمد بساط المحبة كقروى كريم أصيل للطيبين حوله حتى لكأنك تنسى من سماحته وبساطته أنك أمام شاعر مهم ومثقف نادر .