عائد زاده الصلف

موقع الكتابة الثقافي writers 18
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ميمون حرش

يعود منتصب القامة، في قمتها عنقه يلتاع بشكل غريب في كل الاتجاهات، حقيبة السفر التي يجر وراءه تشبهه في تعثرها، كان يمررها فوق طريق محفرة ، محدثة صوتاً مزعجاً لا يعبأ به، ومرات كثيرة تحرن كما البغل ، ولا تنقاد له، فترتطم بأحجار بلدته التي غاب عنها طويلا.. كان يبدو وهو يجر حقيبة السفر، فوق تربة بلدته، كمن يقصد حماماً شعبياً.. تشي سحنته بتعب السنين، لباسه الغريب، بالنظر إلى طريقة جره لحقيبته، علامة يريدها أن تترسخ، بالنسبة إليه على الأقل، بأنه ليس “من هنا”.. إذ لم تكن عودته الأولى بعد سفره، كل مرة يعود فيها يجتهد في أن يجعل نفسه غريباً عن أترابه غربة كاملة..

بعد مدة من مكوثه في البلدة، قر قراره بعد تردد أن يحضر عرساً أحياه شاب من شباب الحي، كان يوماً، قبل أن يسافر، جاره القريب، وصديق طفولته، ولو لم تلحّ والدته على أن يلبي الدعوة ما كان ليحضر أبداً؛ إنه، منذ سفره، بات يعتبر طقوس الأعراس في بلدته ضرباً من ضروب التخلف حين يقارنها بما يحصل هنالك حيث يعيش وراء البحر..

وصل مكان العرس متأخراً، وبدون هدية، نظر إلى أترابه، وسلم عليهم دون أن يصافحهم، كانوا كثراً، لم يكن يرى منهم أحداً، كان مثل هر يحاكي صولة الأسد، مترفعاً كأعجاز نخل.

أومأ إليه العريس أنْ تعال فسار إليه وهو يهز عِطفيه، أحس نفسه فوق أرض لا تسعه بسبب صلف مجاني.

أخذ مكانه بين أترابه بعد أن هنأ العريس، ثم أثار أعصاب الجميع، حتى الذباب، حين بادر أترابه بالقول دون مقدمات:

ـ “نحن عندنا هناك في الضفة الأخرى، الأمر مختلف عما لديكم هنا”.

التقط أحد الحاضرين كلامه، ثم همس لجليسه قائلاً:

ـ ” (عندهم وعندنا)، إنها قسمة ضيزى والله، هم عندهم، ونحن عندنا، ألسنا من طينة واحدة؟!.

يرد الآخر:   

ـ بعضهم يقول ذلك عرضاً دون قصد، لكن غيرهم- وهذا واحد منهم- يعنون ما يقولون، ويحرصون على أن نسمع منهم ذلك متخيلين أنهم أفاضل ماداموا يعيشون وراء البحار..

أضاف متنهداً:

ـ أجلاف، ومساكين لأنهم ينسون الطينة التي جُبِلوا عليها.

ـ أليس من حقهم أن يتبجحوا؟ (تساءل أحدهم ).

أجابه رفيقه:

ـ من حقهم ذلك، لكن عليهم فقط أن يعلموا، أن أكاذيبهم أصبحت بائخة مثل نكتة، ومن كثرة شيوعها، لم تعد تثير ضحك أحد، ببساطة لأن العالم قرية صغيرة الآن، ونحن نعرف جيداً- وهم أيضا يعرفون- ما يحدث هنا عندنا، وما يحدث هناك حسب تقسيمهم، فعلى من يضحكون، فليوقفوا ترديد أغانيهم السخيفة”.

شاب أنيق في زاوية أخرى علق بغضب وهو يحدق في عائدهم:

ـ ما أغرب حال بعض العائدين إلينا!

التقط شاب آخر يجلس قربه الكلام وعلق قائلاً:

ـ والله صحيح، البعض منهم مخمورون بنشوة العودة إلى مدنهم بنوع من التباهي، يلبسون سراويل قصيرة تثير الضحك، ويضعون الساق على الساق، ليسردوا لنا نحن – المغضوب عليهم- حكاياهم عن مغامراتهم، وهي بالمناسبة كلها بطولية…

ضحكوا بهستيرية، وقال أحدهم:

ـ أضف أن منهم من لا يتكلم، لكن الصمت،الحركات، الإيماءات، ونظرات العيون تفضح المستور.

قال أكبرهم سناً في المجلس:

ـ إيه، يا أولاد، حين تقتنعون وتفهمون لماذا يفعل أحدهم ذلك ستدركون أنه معذور، فلا تدعوا صدوركم بالعتاب يمور، وليكن كل واحد منكم الناصر والمنصور.

…………….

*كاتب من المغرب

مقالات من نفس القسم