حسين عبد الرحيم
بماذا يحس أو يشعر في لحظته هذه، لا خوف ولا خجل ولا ملامة، أزمته في نفسه، كيف سيتحرك من مكانه هذا، ملاذه، سلواه، مكانه الأثير، حكيه لنفسه، لحسن كبريت، نعم. لنفسه ولحسن كبريت، فكثيراً ما يشعر بانه مراقب خاصة في عقديه الأخيرين. منذ أن ضرب عليه نار في 99 ومظلوم، وهرب، واختبأ كثيرا. في بيت صديقه، أو صاحبه كما تقول ـعراف صيغ الصحبة والمرافقة في هذه المدينة وهذه الشوارع وفي هذا الظرف تحديداً والذي أحس من بعدها أنه مطارد في كل حين، حتى من هذا المخرج الذي يطمع في ترجمة سيرته لفيلم سينمائي يختم به حياته منذ فيلمه الأخير الذي لم يحقق إيرادت ترضي غروره كمخرج أكشن عمل مساعدا لسنوات على يد الامريكي سيسل دي ميل الذي أحبه كثيرا وفتن بجرأته حتى في صداقاته مع ممثلات هوليود. يعود لمصر ويقدم عشرات الأفلام وينال عشرات الاوسمة في عهد ناصر وفي الغالب كان السادات هو الدافع والسبب المباشر في تكريمات أخرى أكثر عددا وأهمية، لذا كان سقوط صاصا المروع بعدها، وعندما أتم الستين تقريبا هو زيارته لإسرائيل علانية وإخطار كل الصحف بذلك وتحديدا صحف المعارضة، واليسارية على وجه الدقة.
حسن كبريت الذي صار يمشي ببطء خوفا من الإنزلاق وحيدا في أرض غريبة لا يعرفه فيها أحد، يرى وهو ممسكا بالدرنقة الخارجه من منتصف رأسة الملفوفة بضمادة سميكة تطوق عصبه العاري خلف أذنيه وفي منتصف الدماغ، كبريت الذي لم يعد يكترث بتحجر الدمع في عينيه على مرض أمه العصي على الفهم، في تفسير تطوره الخطير المؤدي لشبه رقود تام بلا أدنى اهتمام بمن حولها من شخوص أو بشر حتى أاقرب المقربين، كبريت يهرش شعر رأسه الضئيل العظمي المنكمش صغير الحجم، غزير الفكر والحراك والمعلومات بل وجل الذكريات التي توزع على عشرات البني آدمين، رأيته وهو يستدير متعمدا حجب عينيه عني وأنا المحدق بذكاء وروية لمتابعته فيما وصل إليه حاله في الشهور الاخيرة وخاصة بعد خروجه الثالث من المصح البحري بباب الخلق، يشعل سيجارة البانجو في غرفته كل صباح بعد خروجة من الحمام وغسل أسنانه والطل بحزن وأسى بليغ لملامحه التي تبدلت كثيرا، وصار في حالة هي الأبعد كل البعد عن شكله وملامحه الحقيقية، صارت وجنتاه بجبينه بفتحة فمه ومدى خطوته وحركة جسده من أمام وخلف، تتبدل هيئته في كل دقيقة. فلم يبق منه ولا فيه إلا دلالة واحدة تؤكد ـنه حسن كبريت. البطل الحقيقي لفيلم صاصا الحلم، وسيد الغافي كما تقول بيانات بطاقته التي لاتفارق جيب بنطلونه الجينز الثلجي الذي يقربنا كثيرا لهذا الكاركتر أو الحالة أو الشخص أو الكيان، مابين الجد والهزل والتطوح والحكي الفريد في غلبه وتفاصيله وغرابته ايضاً.حياته وخصاله وتعبيرات وجهه، الأبيض وعيونه الزرقاء والهيئة البرجوازية لشخص طاف العالم وهو في مكانة لم يفارق تلك المدينة البحرية التي دعي عليها بالحرق والغرق، وهذا ما يفكر فيه كبريت دوما في نومه النادر وصحوه وغيبوبته التي يتكفل بها ويصنعها بيده وسط الدخان، بل والمقابر أيضاً منذ أن خرج من هناك منذ ساعات وقد أشار لتاكسي هونداي ليقله من منطقة الجميل حتى شارع فلسطين والتقائه ب 23 يوليو.
………..
*مقطع من رواية “بار توماس”