•تحت المجهر
ربما كانت الافتتاحية بها من المباشرة في الطرح والحوار أكثر مما عانى منه الفيلم، وإن كان يمكن حذف المشهد الأول في الفيلم الذي يجلس فيه “ركبة” – حسن حسني – ليتلو علينا فلسفته في الجمال الذي يذبل، والحب الذي ينتهي بمرور الزمن، والفوران الأول للشهوة، خاصة أن هذه الفلسفة تم عرضها في الفيلم بأكثر من طريقة، وكان من الممكن أن يبدأ الفيلم بمشهد شراء ركبة للتليسكوب من بائع الروبابيكيا وصعوده فوق خزان المياه؛ لندخل مباشرة في الجو العام، خاصة وأن “ركبة” في طلته الأولى يشي بأنه سيقوم بدور الراوي العليم بالأشياء لا أحد أبطال الحدث، وهو عكس ما حدث.
صعد ركبة وصعدنا معه لنرى من وراء عدسة معظَّمه ما يراه ولا يراه أهل المحروسة، حيث عشش الباعة الجائلين والسرّيحة والقرداتية، في دلالة على مدى صغر حجمهم مقارنة بما حولهم، ليدخل بعدها داوود عبد السيد إلى هذا العالم ليكشف عوراته ومشاكله وأزماته، عن طريق قصة حب على طريقة رومانسية الفقراء، فالكل هنا يعشق، فعوض يعشق أحلام، وأحلام تبادله عشقًا بعشق، وشهوة بشهوة. وشطة يتشهيها فقط، وركبة يحب رمانة، ورمانة تشتهي الحالة في البداية ثم تعشقه، مجتمع خلقه الكبت والفقر يبحث عن حرية جسده في الزواج.
اللصوص
دون التطرُّق لكمية السقطات التي جاءت في الفيلم، بداية من اختيار البطلين عوض “ماجد المصري” وأحلام “لوسي”، مرورًا بالإيقاع الرتيب منذ بداية الفيلم وحتي الدقيقة 50 تقريبًا، والأغاني التي لا تقرِّبك من الحالة بل تبعدك عنها، حيث لم يوفَّق راجح داوود في تلحين الأغاني، سوى في رقصة “رمانة” على رق “ركبة”. بعيدًا عن تلك السقطات الغريبة على مخرج بحجم داوود عبدالسيد، طرح داوود فلسفته في “الفرح” وسرقته بعد الدقيقة 50 من الفيلم بشكل جيد، فكان السؤال الذي لا بد أن يجيب عليه داوود في فيلمه ما هو الفرح؟ ومن يسرقه؟
الفرح هو الراحة.. الستر.. تفريغ الشهوة.. لقاء الأحبة.. والفوز بما تريد.. تجد الفرح في مشهد زفة أهل الحي لشطة “محمد شرف” في بداية الفيلم، حينما ذهب لخطبة أحلام لا حبًّا في شطة ولا أحلام، ولكن رغبة منهم في الفرح، حيث ستنام إحدى الفتيات أخيرًا دون عناء، وستجد من تلقي فوقه أنوثتها قبل أن تذبل، وتتحول الرغبة إلى عادة، والحب إلى واجب، يحدث كل ليلة ثم يتناقص حتى ينتهي.
تجد الفرح في نظرات ركبة القرداتي الأعرج العجوز إلى الصبية رمانة “حنان ترك”، في هذا الحب الصادق، ففي الغالب عشق ركبة أولا ثم اشتهى، عكس كل من في الحي، الجميع اشتهوا أولًا ثم عشقوا أو لم يعشقوا، فلا فارق. وربما أجاد ماجد المصري ولوسي تمثيل الشهوة على الشاشة، ولكنهما لم يقنعاني بالحب طيلة الفيلم حتى مشهد الختام.
وكما طرح داوود رؤيته للفرح، طرح رؤيته للصوص، المال.. العمر.. الموت.. العجز، فقلة المال هي الحاجز الوحيد بين عوض وأحلام ليكتمل شملهما، وتتوقف هي عن تقييده وضربه، ويتوقف هو عن استجدائها للبقاء، المال الذي كان نقطة التحول في الفيلم، والذي دفع عوض لسرقة أخوه في البداية، ثم سرقة زبائن نوال بمساعدتها، ودفع أحلام للرقص والعمل مع صديقتها، والمال الذي يدفع شطة ذا الخمسة آلاف جنيه ليطمع في أحلام، ويذهب بكل ثقة ليطلب يدها قبل أن يتحول موقف والدها من الموافق إلى الرافض بسبب “العيش والملح”! والعمر لص الجمال والرغبة، والموت الذي سرق فرحة رمانة وعشقها، وسرق ركبة نفسه وسرق معه ما ادخره عوض من مال ليتزوج من أحلام.
مضيئون
وعلى الرغم من الإحباط الذي قد تلاقيه حينما تشاهد سارق الفرح، حيث اللاتمثيل والشخصيات الباهتة والمفتعلة التي تدَّعي الحياة، والحوار السييء، والسيناريو التقليدي للغاية، والذي تغاضى عن خطوط درامية كان من الممكن أن تثري العمل بشكل أكبر وتجعل منه فيلمًا يليق باسم داوود عبد السيد، إلا أن بعض الشخصيات جاءت حية كما تكون الحياة، لدرجة تجعلك ترى من دونهم “زومبي” يتحركون بآليه شديدة.
ـ ركبة:
أجاد حسن حسني فهم شخصية ركبة التي كتبها داوود عبد السيد في دور من أدوار عمر حسن حسني القليلة، جاءت شخصية ركبة صادقة للغاية مضيئة على الرغم من جملها الحوارية الباهتة في بداية الفيلم، إلا أن حسن حسني تجاوز هذا بمهارة يحسد عليها ليضفي على الشخصية أبعادًا وتفاصيل أكثر إشراقًا مما كتب داوود في حواره، فمشهد مثل مشهد وقوف ركبة في انتظار شروق الشمس، المشهد الذي ربما حين تقرؤه مكتوبًا تحذفه على الفور، ولكن حينما تراه بتلك التلقائية والطفولية التي أداه بها حسن حسني، فإنه يبقى في ذاكرتك طويلًا، ومشهد آخر أجاد فيه حسن حسني فهم شخصية ركبة، وهو مشهد اعترافه بحب رمانة لعوض، أما حسن الختام فكان مشهد نهاية ركبة، نهاية الشهوة التي جاءت بعد العشق، حيث ترقص رمانة على دقات قلب ركبة كقردته التي يحبها وتفهمه دون أن تتكلم، ترقص على حبه، وتعترف له بمشاعرها ورغبتها، ترقص على نظرة عينه المحبَّة، التي تحتوي وتحتضن بشقاوة ولا تكوي ولا تلسع مثل الجمر، كما صنف داوود نظرات الرجال للنساء على لسان أحلام، أحب ركبة وفاز، وكانت النتيجة أنه طار، ربما لم يرد أن يذبل حب رمانة في قلبه فآثر الطيران بعيدًا عن العالم وعن رمانة أيضًا، فالمنتهى عند ركبة أن تعشقه رمانة لا أن تشتهيه.
ـ نوال:
في فيلم يناقش الحب والشهوة كان من المنطقي أن تظهر فتاة ليل كمحرك للأحداث أو معادل، أو صديقة البطلة التي تحاول إغواءها، أو تعشق البطل وتحاول عرقلة مشروع زواجه، ولكن جاءت نوال، أحد أفضل الشخصيات التي كتبها داوود عبد السيد في فيلمه الباهت سارق الفرح، جاءت نوال من العدم من العالم الواسع الذي لا يرى هؤلاء السريحة سكان العشش، جاءت عاهرة مظلومة يحاول أحد الزبائن سرقتها، منذ أول وهلة لظهور نوال “عبلة كامل” تجد أن إيقاع الفيلم يتحسن ويصبح أسرع، فالشخصية استطاعت بجدارة إلقاء أحجار متتالية في إيقاع الفيلم الراكد، جعلته يتحرك بشكل أكثر انسيابية، هي التي تشتهي وتُشتهى، ولم تحب، عرفت الحب مع عوض الذي روضته أحلام فلم يشتهيها أو يحبها، أحبته نوال وأرادت سحبه إلى عالمها، ولكنها فشلت، فوقفت معه على الحافة بين العالمين، على الجبل الذي يتسلقه أهل الحي للوصول إلى عششهم، وينظرون منه على العالم الذي لا يراهم، كعادة داوود عبد السيد في الفيلم لم يستغل هذه الشخصية الاستغلال الأمثل، بل تم تهميشها بشكل كبير، ولولا أداء عبلة كامل الراقي والرائق لتحولت الشخصية إلى مشروع لم يكتمل، كما حول داوود عبد السيد شخصية “مطر” فتحي عبد الوهاب
ـ شطة:
لا بد أن يجذب انتباهك هذا الفنان الأسمر ذا الملامح المصرية، ببساطته وتلقائيته “محمد شرف” أو شطة، هو أحد ضحايا داوود عبد السيد في هذا الفيلم، شرف الذي دخل إلى شخصية مبتسرة مثل شطة من تفاصيل دقيقة للغاية، كالنوم في الشمس، وتدخين الشيشة أثناء سماع الأغاني الخليجية والعباءة والخاتم والتلفاز، وجميع مظاهر الخلجنة التي عرفها المجتمع في أوائل التسعينيات، أجاد دوره بشكل استثنائي على الرغم من مساحته الضيقة واقتصاره على محاولة الفوز بجسد أحلام، وإن كان من الممكن استغلال شخصية شطة بشكل أكبر لتوسيع القضايا التي يطرحها الفيلم، وإعطاء دلالات أخرى لمفهوم سارق الفرح الذي حاول داوود مناقشته.
•نهايات سعيدة
جاءت نهاية الفيلم مثل معظم أحداث الفيلم تقليدية للغاية، حيث تضحي نوال بحبها وتترك بعض المال في جيب عوض، ويتطوع مطر لإقراض عوض جزءًا من المال ليساعده، وتذهب أحلام لترقص لتحظى بالمائة جنيه لتضعها في يد عوض، ليذهب إلى بيت أحلام ويتزوجا، وتعترف أحلام بما فعلت فيسامحها، وتعلن عن سعادتها بزغوطة تعلن أنها أصبحت زوجة، حتى وإن كانت ما زالت بكرًا، ولكن زوجها ضربها فاسترضته فرضي، نهاية مسلوقة سعيدة لفيلم كان من الممكن أن ينضم لقائمة أعمال داوود عبد السيد المضيئة.
إصرار داوود الغريب على كتابة أغاني الفيلم بكلماتها المباشرة السطحية واستخدامه الاستعراض في فيلمه بشكل لم يفعله داوود من قبل في أفلامه، زادت من ضعف الفيلم ولم تضف إليه، إضافة إلى الحوار الذي جاء كأسوأ ما يكون في أغلبه باستثناء بعض المونولوجات على لسان “أحلام” و”ركبه”، تجعل الفيلم سقطة سينمائية، ربما هي السقطة الوحيدة في مشوار داوود السينمائي، للأسف هذا الفيلم لا يحمل من داوود عبد السيد سوى اسمه فقط.