سوزان خواتمي
بين عناصر الشرطة الثورية وسجون الأسد عاش صعاليك هيرابوليس.
ربما.. وحتى أمد بعيد سيصعب على السوريين أيا كان موقعهم الجغرافي، أو توجههم السياسي والانتمائي، كتابة نصوص خارج موضوع المقتلة السورية بكافة أبعادها، والتي جاءت نتيجة ثورة على الطغيان والاستبداد لتتخذ بعد ذلك مسارات شتى. لهذا علينا أن نتوقع الكثير من الإصدارات حولها. ضمن هذا الاطار كتب محمد سعيد روايته الأولى” صعاليك هيرابوليس” الصادرة عن منشورات دار نوفل. يأخذنا تسلسل الأحداث إلى توثيق جانب من معاناة مجتمع كل جريرته أنه أراد تحويل أحلامه بالحرية والديمقراطية والكرامة إلى واقع، ولكن.. تأتي الانتكاسات بما لا تشتهي السفن. “ففي هذا المكان الضيق حتى الصراخ سيجردونك منه، أنت هنا لا شيء. مجرد جسد صالح للتعذيب بكل الوسائل التي أنتجتها مخيلة الجلادين عبر العصور”
ولست هنا بصدد حرق متعة قراءة الرواية التي تجعل من الحب الحسي رديفاً موازياً للموت. الكثير من الجنس ربما أكثر مما تحتاج لقراءته بالفعل، إلا أن القوتين المتجاذبتين تضادان وتتعاكسان لتشكلا العمود الفقري الذي تستند إليه الأحداث، فأمام قسوة القتل والتعذيب والعنف والطغاة الصغار والكبار منهم هناك ماريا التي تظهر كحورية أجمل من أن تكون حقيقة.
” اشتقت إلى رائحتك وابتسامتك التي كانت تسند هذا العالم البائس… هذا العالم يصبح بيتاً موحشاً ومهجوراً عندما تكفين عن الابتسام، لذا أرجوك ألا تكفي.”
الشخصيات والأماكن والأحداث كما يخبرنا الكاتب في الصفحة الأولى واقعية جداً وأي تشابه هو بمحض الصدفة. يا للصدفة في واقع مدينة منبج (هيرابوليس) الصغيرة الدافئة، والتي تلوذ بمزار الشيخ عقيل المنبجي من جهة، وتتكئ من جهة أخرى على خيم القرباط. أبطال الرواية كما هو الواقع السوري متعددي الملل. أطياف فسيفسائية من معتقدات وانتماءات وسويات ثقافية يتلمسون بأصابع مرتجفة ربيع الثورة، ولكل منهم دوافعه حتى جمعة الحماماتي الذي قرر حمل البندقية، وسعى بأعين مفتوحة إلى موته، كذلك عروة الشاب الذي كان شاهداً على النهاية المفجعة لأبيه المعتقل في سجن صيدنايا وأخته المنتحرة، فحمل إرث الغضب، والراوي العليم الذي يكتب الشعر ويقرأ الكتب ويشاهد الأفلام. ” إن كل لحظة تمر من حياتنا يمكنها أن تكون الأخيرة، لهذا نحن نعيشها بكامل الشغف والجنون” ولكن الثورة تحولت إلى كفاح مسلح، وانبثقت الكتائب المقاتلة التي تسيطر حيناً وتفر أحياناً، وخلال فترة أقل من حلم دفعوا الثمن غالياً، حملوا أقدراهم على أكتافهم، وتغيرت مسارات حياتهم العقيمة إما بالهجرة أو بالسجن والتعذيب أو بالموت، أليس الوضع على هذا النحو للسورين جميعاً أيا كانت مدنهم وشتاتهم وحيواتهم ..!
ضمن 57 فصلاً ، و220 صفحة تبدل زمن السرد الرشيق في تعاقبات تقود القارئ حتى نهاية شتاء 2018 ليجتاز عتبات الأمل باتجاه انتكاسات الثورة وأمراء الدين المسلحين الذين يهدمون مزار الشيخ عقيل ويعدمون الدرويش دالي، فالطغيان يستمر وإن اختلف اسمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روائية وكاتبة سورية