ناهد السيد
ضربتان لا ثالث لهما على حافة كوب الشاى لا يمكن أن ننهى التقليب بدونهما.. كأنهما يضيفان للشاى نكهة. أو يضيفان بهجة انتهاء عمل الشاى وإعلان قدومه إليك. وكأنه بدايه الأحلام التى تتحقق.. تلك الفعلة الروتينية تعد موروثاً.. وربما اختلطت بجيناتنا اعتدنا عليها دون وعى وبلا تأمل ولا تساؤل..لماذا نفعلها؟ وعلام تدل؟ وماذا يحدث اذا نسيناها؟ ماذا لو كانت الإجابه.. إنها الحياة.. نتوارث ـفعالا لا نركز فى تغيرها ولا سبب ارتباطنا بها. ولا يستثنى من ذلك سوى من يقف للحظة ويفكر ويمنطق ويستخلص الحكمة.. وهؤلاء هم الناجون من سلاسل الرقاب للقطيع.. وللاختصار أكثر فإن حياتنا تشبه درج الملاعق الصغيرة. كلما زاد عدد الملاعق زاد الاستهتار والاستسهال. فمع كل كوب شاى نستخدم ملعقة جديدة لأننا ببساطة نجد من ينظف خلفنا. نجد الكثير منها فى الدرج، فلماذا نتعب أنفسنا بتنظيف ملعقه مستخدمة.
وتستمر هكذا حياتك دون وعى ولا تأمل للحظة ولا يستوقفك عقلك أو قلبك لوهلة أن تغسل نفس الملعقة وتستخدمها احتراما لمن يخدمك ورضاء بالموجود.
إلى أن تنفد الملاعق من الدرج ولا يتبقى سوى واحدة..
لاستكمال ما اعتدت عليه من استسهال تلجأ إلى الملاعق الكبيرة. التى قد تصيب كوبا بالشروخ والكسر ولا تستمتع بالشاى. عندئذ تضطر أن تكتفى بالملعقة الواحدة التى صمدت معك. وتظل حريصا عليها تضعها فى مكانها حيث تجدها.. تراقبها لكى لا تذهب بالخطأ مع كوب الزبادى إلى صندوق القمامة.. تحرص ألا تتركها متسخة وتغسلها أولا بأول لكى تجدها فى انتظارك عندما تحتاجها.. تحرص ٱلا تضيع لأنك لا تملك أن تأتى بغيرها.. فهى الآن كل ما تملك.
لم تعرف قيمتها وهى تتوسط درج الملاعق الصغيرة التى ضاعت باستهتارك واستسهالك كنت تلهو بينها وتعبث بالدرج لتختار أفضلها لأنها كثيرة.. وكلما أتى الدور على أحدها اعتقدت أنها الأفضل وأنك ستصونها. لـنك اخترتها بعناية.. ولكنك فى حقيقه الامر لم تنتبه لاختياراتك
كنت تختار وأنت تتحدث إلى أحدهم أو تنصت لرأيه أو تفعل ما يملى لك. وأنت مستسلم تماما لما يقول.. كنت تختار وأنت تصنع كوبا لذيذا من الشاى تحتسيه فى براح من الوقت فى شرفتك مع صديق اعتقدت أنه صديق حميم.. لم ترتب لحظة من لذة العلاقة بينكما. لم تشك فى دفئه الزائد عن الحد. لم تفزعك طرقعة الملعقة على حافة كوب الشاى. بعد تقليب السكر بضربتين رنانتين كانتا كافيتين أن تستفيق معهما وتنتبه لعمرك الذى يقف على حافة الشرفة ينقصه دفعة واحدة. إما أن يقع داخل الشرفة. ويقوم نافضا يديه حامدا ربه أنه لازال لديه فرصة أخرى. أو يقع بالخارج وينتهى اختياره بفاجعة يحكيها صديقك لتصبح عبرة لكل من يملك حق الاختيار الصائب ولا يفعل
لكل من يملك ملاعق كثيرة لا يحمد الله عليها ويحتفظ بها وتجعله مطمئنا إذا ما ضاعت ملعقته الوحيدة
لكل حكيم لا يخشي شيئا.. لأنه اجاد استخدام ملاعقه الصغيرة وانتبه من أول ضربه على حافة الكوب.واحترم درج ملاعقه ورعاها وكأنه لا يملك سواها
هناك أمهات لا يستسلمن لغريزة الأمومة ويغسلن عنك ملاعقك. بل يخفين تلك الملاعق ويجعلنك قهرا لا تستخدم سوى واحده لتتعلم كيف تحافظ علي ما تملك، وتعتاد على النظافه والنظام.
وهناك أخريات يجلبن المزيد من الملاعق كلما فقدت واحدة. لكى يظل البيت مكتفيا. لديه من الفائض ما يخرج أبناء عديمى المسئولية والخبرة..فكن دائما مراقبا جيدا لدرج ملاعقك الصغيرة واعلم أنك المذنب فى تشكيل حياة أبنائك وشخصياتهم.