أعطيظهري للعالم، وأفتح ذراعي لعالمي الجديد، أضمه إلى صدرى دمية طالماتمنيت شراءها، أهدهدها، أمسح شعرها وفستانها الزاهي، تزغرد عصافير الكناريا، وتتحرر نسمات الهواء مع رفرفة أجنحتها،أتحول إلى فراشة .. نحلة..ملكة، تنحني الشغالات يرفعن على أجنحتهن الملكة، تتخذ من أجمل زهرة عرشا، تحوم حولها الشغالات ، فى يدها صولجان تأمر وتنهى، تقرب وتبعد ، فجأة تشعر الملكة بوخز ضمير فعرشها ثمنه مرض الجدة العجوز ذات الحكايات الدائمة، تهون الشغالات عليها الأمر فأستجيب لهن فالجدة لم تعد فى الأيام الأخيرة كما كانت أصبحت آهاتها تتصاعد من كل جزء فيها ( ركبتيها، رأسها، طقم الأسنان ، .. ) وشقاوة زياراتنا أنا وأبناء خالتي تكسر الراحة التى تحتاجها، فنكتفي بالدعاء لها من بعيد وتتبادل أمهاتنا خدمتها وأحيانا المبيت لديها .
لا شسيء يعكر يوم التتويج، أرقص وحولي الشغالات، أطوف بالبيت، أفتح حجراته المغلقة، أتأمل أثاثه المنمق وستائره المسدلة، يتخفى الشتاء في أركان البيت، برودته تجمد حيوية الأخشاب والأقمشة، تمتص روحها، تبقيها ساكنة لا تعرف حركة الأقدام والانتقال كأن الحياة ما سرت يوماً في عروقها، أبدل صورة جدي وشريطها الأسود بصورة جاك بطل تيتانك محلقاً مع روز على ظهر العالم، يذوب الجليد، أنسق البيت الخريفي ليتلاءم مع الصورة الربيعية ألوان الستائر الداكنة الزرقة تصبح سماء تمطر قمراً ونجوماً وتورق أزهاراً صفراء وحمراء كل الألوان التي أعرف والتى لم أرها من قبل.يزداد المكان إتساعا، أحلى من الشالية الذى رأيته فى التليفزيون ووعدني أبى بشرائه. أنهي ترتيبي وما زلت فى مكاني أستطعم وحدتي دون حصار
لا تفعلي.
غلط.
تأدبي.
أفتح التليفزيون، أتنطط بين قنواته.. على الأولى المسلسل العربي آخر مرة شاهدته منذ أسبوع بعد رشوة أمي بقبلة كبيرة، ما زال البطل والبطلة فى حالة حداد لأنهما لم ينجبا.. لماذا لا يتبنيان طفل كما فعلت عمتي ؟!أضغط على الريموت.. تهل مذيعة الفضائيات حاملة معها كل عوالم الكبار الخفية النظرات الناعسة، الهمسات، تلامس الأيدي، فستان الفرح، ست الحسن، الشاطر حسن وديانا الساحرة، أجمل من باربي وبالضغط عليها تقول:
أهلا فيكم.
نورتونا.
كيف بندللكم .. ؟
وتدلل مشاهديها.. يا بختها!!
أفك ضفيرتي ذات الثامنة، أهيش شعري، لا وقت لنصائح
هتعمى، شعرك يأكل معك فى الطبق.
تنتقل باربى من مكالمة لأخرى .
شوا بتريدوا نوريكم …؟
أتسحب على أطراف أصابعي تجاه حجرة أمي، أفتح دولابها، في أرضية الدولاب كومة من المجلات الأجنبية، أفردها على السجادة، أفحصها.. عارضات أزياء، أدوات ماكياج، اكسسوار، تصميمات ملابس، نجمات أعرفهن من تليفزيون الصيف وأخريات لا يمكن أن تسمح لى أمي برؤيتهن، أو حتى معرفة وجودهن. مسحورة أقلب ملابسها الداخلية، رائحتها حلوة، ملمسها فراء قطة لم تعرف الشارع، دافئة، ملساء، تلتقط يدي (سوتيان ) دانتيلا وأسماء لا أعرفها، أفرده واسع جدا على زهرتي الليمون، يحتاج إلى تضييق بدبوس جديد وناعم لا يترك أثر في الحرير. أخلع ملابسي. عريانة أمام المرآة الطويلة، قطعة واحدة تغطيني، أرتدي السوتيان على محيط صدري، تحمر وجنتاي، يخرج الصهد من أذني، لا تكتمل الفرحة يتكرمش الحرير على الليمونتين، أحشوه بالقطن، أرضى عن شكلي، أتبختر فوق الجميلات المبعثرات على السجادة، شعري طويل، ليل أحلامه متحققة ساقي صهيل حصان قبل صافرة السبق، تستطيل السجادة الحمراء، تضاء الأنوار، كشافات لا تخفى ارتعاشات البراءة، الخطوتان الأوليان متعثرتان في حياء ينزلق مع الخطوة الثالثة، يتعالى التصفيق على الجانبين، ضجيج، هوس، وزهور تتفادها كى لا يتعثر الحذاء الواسع، يظن المشاهدون حركتها رقة فتتصاعد الآهات وتزداد طرقعة الفلاشات، أتخذ أوضاعا عدة تلتقطها المرآة الماهرة.. مرة يدي في وسطي وساقي اليمنى للأمام مع التفاته ناحية اليسار وفتحة دائرية للفم، وأخرى ابرز مؤخرتي وألوى جزعي مع ابتسامة خجلة وضغطة بالأسنان العلوية على الشفة السفلى، أدور وأدور أغمض عينى، أستند للسرير أريد أن أحلم،يرن جرس.. تنطفئ الأضواء وتبتعد الفراشات، أنتبه: الباب أم التليفون ؟ بسرعة أخلع (السوتيان ) أكوم المجلات، أستر جسدي، أجريإلى التليفون، التليفزيون صوته مرتفع، أرجع لأخفضه، أمسك السماعة تسألني :
عاملة إيه.. ؟ بتذاكري ؟ نينة كويسة، بابا لن يتأخر
أخيرا أنطق:– حاضر
تنزل الستارة وينسحب آخر ضوء للقمر وتعود للأشياء ثقلها وظلالها، أضحك من بيجامتي المقلوبة، أستكين لأقرب أريكة. يستهويها دائما أن تفسد لحظات متعتي بقطف الزهور البارزة من سور الفيلا المواجهة لنا، إطعام كلب البواب، والجلوس على درجات السلم الباردة، كل ما يخل بنظامها تتخلص منه وتكتفي معي بقص أظافري وإلقائها في سلة المهملات. صحيح أن مرض جدتي هذه الأيام خفف من قبضتها على أنفى لكنها موجودة فى كل مكان. أشعر بالعطش ، أتوجه للمطبخ، مثلها نظيف و مرتب لا أدخله إلا وينكسر طبق أو كوب كأنما أتعمد ذلك، مع إني أحاذر وأحاذر حتى أغرق في حذري وأطفو وما بيدي متناثر على الحوض أو على الأرض، فلا مفر من أن أشرب فييدي وإن رمتني بالفوضى والقرف.
أعود للتليفزيون وأنتظر فيلم السهرة لعل أبييأتي مبكراً اليوم، بدلا من القبلة التى أجدها في الصباح، ونصف وجهه الذي أراه قبل ذهابي للمدرسة، وعن طريقها أعطيه أخباري ودرجاتي في المدرسة، ويعطيني المصروف و الشيكولاته.
الإعلانات طويلة أتملل، يتسرب النوم إلى رموشي، أنفضه بقوة، أفيق، يعود ويتسلل لي يطاوعه رمش،اثنان، تنهار مقاومتي، أدخل السرير أتذكر لم أغسل قدمي أهز كتفي، ينفرد شراع السفينة، أفرد جسدي على السرير يلامس كعبي الملاءة، أرفعه بسرعة ماذا لو تركت قدمي علامة على السرير الوردي ؟ ينطوي الشراع، أرفع باطن القدم بسرعة ومعه ساقى أثني ركبتي وأضمهما إلى بطني، متعب هذا الوضع، أتأرجح في مكاني يفرح النوم ويطاوعني.. بعد الجرس يفتش مدرس الحساب على الواجب تزداد انثناءة ركبتي،كراستي بيضاء ورأسي أيضاً خالية من النشيد الذى تردده زميلاتي في حصة العربي، تعاملني المدرسة بإهمال، أنزوي وحدي،في ملابسها البيتية تبتسم أمي من خلف زجاج نافذة الفصل ويطير النوم.